Menu

ثلاثة مهام لحكومة التحالف الإسرائيلية

محمد السعيد إدريس

جريدة الأهرام

غداً الأربعاء (13مايو 2020) يبدأ الإسرائيليون تدشين احتفالاتهم بما يسمونه "عيد الاستقلال" لدولتهم وهم يقصدون انتصارهم على العرب فى حرب عام 1948. احتفالاتهم بالعيد الـ72 لتأسيس دولتهم يجئ هذه المرة مختلفاً عن أى عام سابق، رغم كل معاناتهم، كغيرهم من الدول من التداعيات شديدة السلبية لجائحة "فيروس كورونا". أبرز معالم احتفالات هذا العام التى ستبدأ غداً هى إنعقاد الجلسة الأولى لحكومة التحالف الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو وحليفه (اللدود) بينى جانتس رئيس أركان الجيش الأسبق زعيم حزب "حوسين ليسرائيل" (حصانة لإسرائيل)، وهو التحالف الذى جعل من جانتس "طوق نجاه" لبنيامين نتنياهو كى لا يدخل السجن بتهم الفساد وخيانة الأمانة، وأعطى لنتنياهو فرصة العمر كى ينطلق فى تنفيذ صفقة الرئيس الأمريكى ترامب، التى يعتبرها نتنياهو أهم مرتكزات مخططاته التى كان قد جرى التعبير عنها صراحة فى الوثيقة السياسية لـ"حزب الليكود" الذى يتزعمه نتنياهو والتى عرضت فى الحملة الانتخابية التى جرت فى أبريل من عام 2019، ووعدت الإسرائيليين فى حالة فوز الليكود فى الانتخابات، أن يبدأ فى التوجه لبناء "إسرائيل الكبرى".
من أبرز معالم احتفالات هذا العام أيضاً وصول مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى إلى إسرائيل فى أول زيارة له بعد احتجاب قسرى، بسبب فيروس كورونا استمر إلى ما لا يقل عن شهرين، واجتماعه غداً فى القدس المحتلة مع رأسى حكومة التحالف: بنيامين نتنياهو وبينى جانتس، زيارة مايك بومبيو لإسرائيل غداً بالذات تحمل رسالة أمريكية تقول أن "الإدارة الأمريكية شريك ثالث فى هذه الحكومة" للدرجة التى يمكن معها اعتبار أن هذه الحكومة ستكون بثلاثة رؤوس (بنيامين نتنياهو وبينى جانتس ودونالد ترامب) وليس فقط برأسين، باعتبار أن الرئيس الأمريكى بخطته التى تحمل عنوان "صفقة القرن" أضحى شريكاً ومؤسساً فى مشروع "إسرائيل الكبرى" الذى سيتولى نتنياهو تنفيذه مع حليفه الجديد بينى جانتس. وصول بومبيو إلى إسرائيل وهى تحتفل بعيد التأسيس أو بعيد الاستقلال، كما يروجون، وهى تحتفل أيضاً بحكومتها الجديدة، لن يقتصر على الأطر الاحتفالية، لكنه سيتضمن البحث فى أجندة عمل مكثفة.
المؤكد أن مايك بومبيو سيطالب إسرائيل، وبالتحديد حكومة التحالف الجديدة، أن تسدد للرئيس ترامب "بعض الفواتير المستحقة" إبتداءً من اعترافه بالقدس عاصمة موحدة لكيان الاحتلال، مروراً باعترافه بفرض السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة عام 1967 واعتبارها جزءاً أساسياً من الدولة الإسرائيلية، وانتهاءً بصفقة القرن التى تعطى لإسرائيل الحق فى ضم "غور الأردن" وضم الكتل الاستيطانية فى الضفة الغربية، وما يريده ترامب من إسرائيل الآن، فى ظل تدنى شعبيته بسبب العجز عن مواجهة تداعيات فيروس كورونا، هو أن تقوم إسرائيل بجهود مكثفة لتجنيد اليهود الأمريكيين، بكل طاقاتهم، لدعم إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة فى الانتخابات التى من المقرر أن تجرى فى نوفمبر من هذا العام.
بومبيو سيصل إلى إسرائيل هذه المرة وهو يحمل أوراق تهديد وأوراق إغراء لإسرائيل، بالنسبة لأوراق التهديد ستكون التصريحات التى أدلى بها انطونى بلنكن مستشار المرشح الرئاسى الديمقراطى جون بايدن للشئون الخارجية والتى قال فيها’ أنه فى حال فوز بايدن فى الانتخابات الرئاسية "سيبقى على السفارة الأمريكية فى القدس، لكنه يعارض ضم إسرائيل لمستوطنات إسرائيلية ومناطق من الضفة الغربية، وأنه سيعيد البحث فى إمكانية إعادة إحياء حل الدولتين".
بومبيو سيسعى إلى ابتزاز الإسرائيليين بهذا التصريح الذى جاء على لسان مستشار جون بايدن ولسان حاله سيقول أنه إذا فاز بايدن على ترامب ستخسر إسرائيل "صفقة القرن" وأنه على إسرائيل أن تعمل، بدافع من حماية مصالحها، على إنجاح ترامب بشتى السبل. وفى ذات الوقت سيقدم لإسرائيل إغراءات جديدة، من أبرزها إمكانية التجاوز عن شرط "التفاوض مع الفلسطينيين" للبدء فى التنفيذ الفعلى لعملية ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، وهو الشرط المنصوص عليه فى وثائق "صفقة ترامب". ومن أهمها أيضاً، وفقاً للبيان الصادر عن الخارجية الأمريكية، "البحث فى مسائل الأمن الإقليمى ذات الصلة بتأثير إيران السلبى".
نتنياهو وحليفه جانتس لن يفوتا هذه الفرصة وسيسعيان لاستغلال حاجة ترامب للصوت والدعم اليهودى له فى الانتخابات الرئاسية المقبلة التى بدأت تحمل مؤشرات سلبية فى غير صالحه، ودفعه لدعم أهم ثلاثة بنود وردت فى وثيقة تأسيس حكومة التحالف التى جرى التوقيع عليها فى 20 أبريل الفائت وهى أولاً "ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية الإسرائيلية ابتداء من أول يوليو 2020، وثانياً مساعى إسرائيل للسلام والتعاون الإقليمى مع الدول العربية، وثالثها الحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل، والمعنى بذلك بالتحديد إيران.
سبق لنتنياهو أن تعهد فى أول مارس الفائت أى قبل أقل من 24 ساعة من إجراء جولة الانتخابات العامة الأخيرة فى 2 مارس 2020 أن ينفذ، فى حال فوزه فى الانتخابات، "4 مهام كبرى فورية" هى على الترتيب: ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية فى الضفة الغربية وتوقيع معاهدة دفاع تاريخية مع الولايات المتحدة، والقضاء على التهديد الإيرانى، وأخيراً إجراء إصلاح اقتصادى.
الآن وبعد نجاحه فى تشكيل حكومة التحالف أضحت الملفات واضحة ومحددة وبدعم أمريكى صريح، وهى:أولاً ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية ابتداء من أول يوليو المقبل دون عائق غياب التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وثانياً التوسع فى مخطط تطبيع علاقات إسرائيل مع العالم العربى، تطبيع يتجاوز العلاقة الجيدة الآن مع العديد من الحكومات، إلى تطبيع مع الشعوب يتجاوز كل "الحواجز النفسية" التى تحول دون القبول العربى بالشرعية الإسرائيلية وفى مقدمتها "كى الوعى" العربى بمعنى إزالة كل ما يتعلق بفلسطين وحقوق الشعب الفلسطينى من العقل العربى، وثالثاً التخلص من "الخطر الإيرانى" وبالتحديد فى سوريا وفى لبنان، ما يعنى احتمال الدخول فى حرب مكثفة ضد الوجود الإيرانى فى سوريا لإقتلاعه نهائياً، والقضاء على حزب الله، بدعم أمريكى فى اتجاهين أولها أن تكون واشنطن طرفا داعما للحرب الإسرائيلية المنتظرة على الجبهتين السورية واللبنانية، وثانيها أن تؤمن القبول، إن لم يكن الدعم، العربى لهاتين  الحربين.
ثلاثة ملفات خطيرة ستحدد فى حال نجاحها أو فشلها أهم معالم الشرق الأوسط فى مرحلة ما بعد فيروس كورونا.