Menu

التمويل الأجنبي أداة رئيسية لتسويق التطبيع مع العدو الصهيوني

عليان عليان

التطبيع.jpg

خاص بوابة الهدف

بدأ الشارع العربي يدرك العلاقة بين التطبيع مع العدو الصهيوني، وبين التمويل الأجنبي وذلك بعد طول تردد، واعتقاد خاطئ بأن لا صلة بينهما، وجاء هذا الإدراك بعد أن بذل العاملون في مؤتمرات ولجان مقاومة التطبيع جهوداً مضنية للكشف عن هذه العلاقة.

وكثيراً ما كان البعض في الصف الوطني والقومي المعارض، يعترضون عند صياغة البيانات، والمواقف، والتوصيات على الربط بين التمويل الأجنبي والتطبيع  إلى أن جاءت الشواهد المادية التي أزالت اللبس حيال هذه المسألة، وفي الذاكرة اللقاء التطبيعي الذي جرى ترتيبه سابقاً في حيفا،  بين أشباه المثقفين العرب، وبين نظرائهم الإسرائيليين، وكذلك المهرجان التطبيعي، الذي جرى ترتيبه في القدس في الذكرى الخامسة والأربعين لحرب حزيران 1967، برعاية من منظمة التمويل الأجنبي "فريدريش أيبرت وبتنظيم من منظمة التعاون الاقتصادي الإسرائيلية (آي سي أف) ومركز عمان للسلام والتطوير (إيه سي بي بي)، والذي تم فيه توريط بعض الضباط الأردنيين ممن شاركوا في حرب 1967، والتغرير بهم للذهاب إلى القدس، والجلوس إلى جانب الضباط اليهود القتلة لتكريمهم، أولئك الضباط الأردنيون الذي قاتلوا بشرف وبسالة في حرب 1967، خاصةً في معركة تلة الذخيرة بحي الشيخ جراح في القدس.

وكان جنود الجيش العربي الأردني قد سطروا في تلك المعركة ملحمة بطولية، في مواجهة العدو الصهيوني ارتقى منهم 97 شهيداً من أصل 101 على هذا التل، بعد أن ألحقوا بالعدو خسائر فادحة على صعيدي القتلى والجرحى. 

لقد تم تسليط الضوء منذ تسعينيات القرن الماضي على قضايا محسوسة تثبت الربط الجدلي ، بين التطبيع والتمويل الأجنبي ومن هذه القضايا ما يلي:      

أولاً: أن أعضاء من الوفد الفلسطيني المفاوض في مؤتمر مدريد عملوا في منظمات "أن جي أوز"؛ ارتبطوا ومولوا من منظمات تمويل أجنبي، مثل منظمة (فافو) النرويجية التي كان يترأسها تيري رد لارسون التي تدعو للتطبيع والقبول الشعبي العربي بالكيان الصهيوني.    

ثانياً: بعد توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 ومعاهدة وادي عربة عام 1994 تبلور ما سمي بتحالف كوبنهاجن (الممول أجنبياً)، الذي ضم عدداً من المعنيين بالفكر والاقتصاد وأشباه المثقفين، من مختلف الاتجاهات، وممن كانوا محسوبين ذات يوم على الصف الوطني والقومي واليساري والإسلامي، حيث انبروا للدفاع عن التطبيع مع العدو الصهيوني في مختلف المجالات باسم الواقعية.       

ثالثاً: عندما تصاعدت العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال وفي عمق الكيان الصهيوني في تسعينيات القرن الماضي- رداً على توقيع القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير الفلسطينية، لاتفاقات أوسلو  1993- وفي العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، في سياق مفاعيل انتفاضة الأقصى التي قضت مضاجع الاحتلال الصهيوني، عملت الإدارة الأميركية بالتنسيق مع نظام مبارك آنذاك على عقد ما يسمى بمؤتمر السلام في الشرق الأوسط في شرم الشيخ في تشرين أول- أكتوبر 2000، والذي انبثق عنه بعثة لتقصي الحقائق برئاسة السناتور الأميركي جورج ميتشيل، بهدف وقف الانتفاضة التي أوقفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ودفعت قادة الكيان الصهيوني إلى طرح سؤال الوجود. في تلك الظروف استجاب أنصار التطبيع الممولين أجنبياً، لاستهدافات مؤتمر شرم الشيخ، وبدأوا بالظهور مجدداً، وأقدموا على توقيع ونشر بيان في صحيفة القدس المقدسية بتاريخ 20-6- 2002 ص (16) وفي مختلف وسائل الإعلام، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي ضد العمليات الاستشهادية؛ متجاهلين حقيقة أن العدو الصهيوني هو الذي عمل على قمع الانتفاضة الجماهيرية، بكل أساليب البطش العسكري الاحتلالي.   

واللافت للنظر أن معسكر المطبعين، كان يُلقي دائماً باللوم على المقاومة؛ زاعماً أنها هي التي أفشلت ما يسمى بالعملية السلمية، متجاهلاُ عن عمد حقائق الأمر الواقع التي يفرضها العدو الصهيوني يومياً من استيطان وجدار وتهويد للقدس، تلك الحقائق التي دمرت ما يسمى بالعملية السلمية بشهادة مسئولين في السلطة الفلسطينية. ورغم  توقف العمليات الاستشهادية منذ فترة طويلة، جراء ظروف لا يتسع المجال لذكرها، ورغم ضرب المقاومة في الضفة بفعل خارطة الطريق وبرنامج الجنرال دايتون ومفاعيل التنسيق الأمني، نرى أقلام المطبعين سادرة في خيانتها، ونرى بعض المتنفذين في السلطة، يعبرون عن امتعاضهم من تنفيذ  عمليات فدائية نوعية ضد جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين.   

 ورغم القمع والاستيطان والتهويد المستمر للقدس، نرى أزلام التطبيع الذين يتلقون تمويلاً من بعض منظمات "الأن جي أوز"، مستمرون في خلق حقائق الأمر الواقع التطبيعية - حرصاً على المال السحت- انسجاماً مع حقائق الأمر الواقع الاستيطانية والتهويدية!! على نحو ترتيب لقاءات تطبيعية، بين طلاب عرب ويهود، وبين مثقفين عرب ويهود تحت عنوان "السلام المزعوم"، وليس صدفة أن يجري تشكيل لجنة تابعة لمنظمة التحرير، مهمتها التواصل مع ما يسمى "المجتمع الإسرائيلي".

وفي المرحلة الراهنة باتت دول الخليج – باستثناء الكويت - خاصةً بعد  الإعلان عن صفقة القرن الصهيو أميركية السعودية - تلعب دور الممول للمطبعين، فنراها تغدق الأموال على  بعض الكتاب والإعلاميين الخليجيين وغيرهم، ليقوموا بالترويج للتطبيع  مع الكيان الصهيوني، وللتأكيد على ضرورة إقامة أوثق العلاقات معه، بزعم "أنه أمر واقع لا يمكن تجاوزه"، وتجاوز بعضهم المهمة التطبيعية المحددة لهم، فراحوا يعلنون أن فلسطين ليست قضيتهم، وأن المسجد الأقصى ليس له أي قدسية، وأنه مجرد مسجد ككل المساجد المنتشرة في مختلف أرجاء العالم.  

وأخيراً: حذار من التمويل الأجنبي من قبل هذه المنظمات، أمثال منظمة كونراد أديناور، وفريدريك ناومان، وفورد فاونديشن، وفافو وغيرها، والتي أثبت العديد من الباحثين دورها في خدمة الثقافة الرأسمالية الغربية، وخدمة التطبيع مع العدو الصهيوني، ومن هؤلاء الباحثين الباحثة البريطانية "ساندرز" التي كشفت في كتابها الشهير "لمن يدفع الزمار.. الحرب الثقافية الباردة" صلة العديد منها، وخاصة منظمة "فورد فاونديشن" بأجهزة استخبارات غربية، وعلى رأسها جهاز الاستخبارات الأميركية " سي آي إيه ". فهذه المنظمات زرعت في البلدان العربية، آلاف الدكاكين المزعومة تحت عناوين: "مراكز الدراسات، ومؤسسات تعليم الديمقراطية وحقوق الإنسان الفرد - بدلاً من حقوق الشعب - وحقوق المرأة والطفل، والإخاء بين الأديان وغيرها من المسميات". وهذه المنظمات تكلف في البداية، هذه الدكاكين بعمل ورش عمل حول قضايا لا تثير الشبهة، لقاء بضعة آلاف من الدولارات، وبعد فترة يتم تكليفها بعمل ورش عمل ودراسات، حول أهمية السلام والتطبيع لقاء مبالغ مضاعفة، وحينها يصعب على ضعاف النفوس، التراجع ويقوموا بتنفيذ ما يطلب منهم، لتشجيع التطبيع مع العدو الصهيوني؛ فمن يدفع للزمار يحدد النغمة.