في واقعٍ تتعرّض فيه الإناث في قطاع غزة للعديد من التحدّيات، اقتصادية واجتماعية وثقافية، عليهنّ مجابهتها لتحصيل حقوقهنّ الأساسيّة، منها الحق في العمل والتعليم، وفي أحيانٍ- لم تعُد قليلة- الحقّ في الوجود والتعبير عن الذات، والحياة. طفا على السطح مؤخرًا تحدٍ آخر، وهو عدم المساواة بين الطلاب والطالبات في نسب القبول بجامعات القطاع، وتخفيضها للذكور، إلى جانب إغلاق برامج كاملة في وجه الطالبات.
طالبات وناشطات وحقوقيّون عبّروا عن استيائهم ممّا اعتبروه تمييزًا على أساس الجنس، مستمرٌ منذ سنوات، في الوقت الذي يخضع فيه كلٌ من الطلاب والطالبات لذات الاختبارات في "التوجيهي" ووسط ظروفٍ متطابقة، وعليه من حقّهم- دون تمييز- الحصول على فرص متساوية في التعليم وبالتالي سوق العمل. في حين ترى الجامعات أنّها لا تتبع سياسات تمييزيّة، مُبرِرةً الاختلاف في النسب بأسباب أخرى، وفق ما بيّنته لـ"بوابة الهدف".
في الوقت الذي تتحدى فيه الطالبات في فلسطين عوائق بنيوية عديدة في سبيل الالتحاق بالجامعات، دُهشنا بنشر بعض الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، دون خجل، سياسات قبول جامعيّ تُميّز الطلاب الذكور، فيما يبدو وكأنه ذعر من ارتفاع عدد الطالبات الملتحقات بالجامعات pic.twitter.com/bWyCrJsk1m
— #طالعات: نساء حرة = وطن حر (@tal3at_sept26) July 14, 2020
الناشط الحقوقي محمد أبو هاشم رأى أنّ بعض السياسات التي تتبعها الجامعات، في تحديد نسب القبول، بهدف مساواة عدد الطلبة من الجنسين قد تندرج تحت مسمّى التمييز الإيجابي، وهذا مقبول، مستدركًا أنّ هذا مشروط بألّا يكون الفارق في النسب كبيرًا.
وأوضح أبو هاشم، للهدف، أن حرمان الطالبات من الالتحاق بتخصصات أو برامج معيّنة هو تمييّز ضدّهنّ بلا شكّ، مهما كانت تلك البرامج.
بين الوزارة والجامعات
خليل حماد، مدير عام التعليم الجامعي في وزارة التربية والتعليم العالي، قال للهدف إنّ الوزارة تُحدد مفتاح التنسيق لعموم الطلبة، بعد دراسة تحليليّة وافية لنتائج الثانوية العامة، مع مراعاة مفتاح التنسيق الذي كان محددًا في العام السابق، إلى جانب دراسة عميقة لواقع التخصصات الإنسانية والعملية، وباجتماع العوامل الثلاثة يتم تحديد نسب القبول في الجامعات.
حمّاد أكّد أن الوزارة تُحدد مفتاح التنسيق لعموم الطلبة دون تمييز، "لكنّ الجامعة حين تكون بحاجة إلى 40 من الطلبة- على سبيل المثال- ويتقدّم إليها 100، تختار أعلى المعدّلات، التي تحوز الطالبات على العدد الأكبر منها، لذلك يتم اختيار النسب الأعلى- مرة أخرى- من الطالبات".
"بوابة الهدف" توجّهت إلى إدارات 3 جامعات في القطاع، لاستيضاح آلية تحديد مفتاح التنسيق، وسبب التمييز الظاهر في النسب. وقالت جامعات: الأقصى والأزهر والإسلامية إنّ تحديد نسبة القبول- بشكل عام- تتم بعد تحليلٍ إحصائيّ لنتائج الثانوية، للطلاب والطالبات، وعدد الطلبة المتقدمين من مختلف المعدلات، وغالبًا تكون الطالبات الأكثر عددًا، وكذلك الأكثر تحصيلًا للنسب العالية".
د. خالد أبو ندا، عميد القبول والتسجيل في جامعة الأقصى الحكومية، بيّن للهدف أنّ "مفتاح التنسيق مرتبط بالعدد الذي تحدده الجامعة لكل تخصص- نسبة الاستيعاب المتاحة- فحين يكون العدد المطلوب قليل، سيّما في التخصصات التي تحتاج لمعامل ومختبرات، مقابل عدد كبير من الطلبة المتقدّمين، تتّجه الجامعات إلى التشدد في المعايير المتّبعة"، منها رفع نسبة القبول للطالبات اللاتي يكُنّ الأكثر عددًا.
ورأى د.أبو ندا أنّ "هذه الآلية ربّما تُوقع ظلمًا على الطالبات، لكنّ هذا هو واقع الجامعات في غزة". وأضاف أنّ "العدالة تقتضي أن تُتاح الفرص لكل الطلبة المتفوقين، ومن غير المعقول المساواة بين طالب مستواه جيد وآخر جيد جدًا"، واتفقّ مع أنّ "الفارق في مفاتيح التنسيق المحددة للجنسيْن لبعض التخصصات كبير جدًا".
وتُميّز "الأقصى" بين الطالبات والطلاب في نسب القبول للتخصصات الطبية وتكنولوجيا الشبكات والديكور والتصميم الداخلي واللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات، ويصل الفارق في النسب لتخصصيْ "العلوم الطبية والمخبرية" و"اللغة الإنجليزية" إلى 10%، لصالح الذكور.
د.عمر ميلاد، نائب رئيس جامعة الأزهر للشؤون الأكاديمية، قال للهدف "في كلية الطب البشري فقط، التي يكون التنافس عليها كبير، يكون الفارق 1% في معدل القبول"، لصالح الطلاب.
وأضاف "إذا افترضنا أن 500 طالبة تقدمت لكلية الطب، في المقابل يتقدم 1500 طالب، ولا يُعقل قبولهم جميعًا، فالسعة المكانية للكلّيات لا تسمح بتوحيد المعدلات" وهذا الأمر مُتبّع في كل الأعوام، وليس هذا العام فقط.
وتُميّز جامعة الأزهر بين الطلاب والطالبات في تخصصي الطب والصيدلية، بفارق 1% لصالح الطلاب.
د.ميلاد اعتبر أنّه "لا يُمكن المساواة في المعدلات- في كلية الطب خاصة- في ظل وجود الفارق الكبير جدًا بين عدد الطلاب والطالبات"، ليُضيف لاحقًا أنّ التساوي موجود في تخصص طب الأسنان. رافضًا اعتبار هذا الاختلاف "تمييزًا، وظلمًا بحق الطالبات"، ورأى أنّ "حالة الاستياء الموجودة سببُها عدم فهم بعض الطالبات للآلية المُتّبعة في تحديد مفتاح التنسيق".
أمّا الجامعة الإسلامية، فتُميّز بين الجنسين في مفتاح التنسيق لتخصصي: "الطب والجراحة" بفارق 1%، و"اللغة الإنجليزية" بفارق 5%، لصالح الذكور.
"الهدف" تحدّثت إلى د. وائل طبازة، عميد القبول والتسجيل في "الإسلامية"، الذي برّر الاختلاف في النسب "بتفوّق الطالبات"، وقال "لا يُمكن المساواة، لأننا سنكون أمام عدد كبير من الطالبات، لا يتواءم مع إمكانيات الجامعة والطاقة التدريسية، ومقابل عدد أقل بكثير (بأضعاف) من الطلبة".
وتحدّث عن اتجّاه الجامعة في بعض التخصصات لتخفيض نسب القبول للطلبة الذكور لتشجيعهم على الالتحاق بالتخصص، مثل القبالة والتمريض.
استياء ورفض
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تداول نشطاء كشوف مفاتيح التنسيق في الجامعات الثلاث، بالإضافة إلى الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية. وجميعها تقبل طلبات التحاق الطلاب الذكور بمعدّلات (ثانوية عامة) أقل من الإناث بفارق من 1 إلى 10% في العديد من التخصصات. هذا أثار حفيظة الطالبات، وكذلك ناشطات، عبّرنَ عن رفضهنّ "التمييز على أساس الجنس" في عملية القبول والتسجيل بالجامعات.
ونشر حراك "طالعات"- الناشط في قضايا الحرّيات وحماية النساء- عبر "تويتر" أنّ "التمييز في سياسات القبول الجامعي- دون خجلٍ- ... محاولة لضمان استمرار هيمنة الرجال على قطاعات معينة في المجال الأكاديمي وسوق العمل لاحقًا، ومَوضعة النساء في تخصصات تتلاءم والدور الاجتماعي المفروض عليهنّ".
ومحاولة لضمان استمرار هيمنة الرجال على قطاعات معينة في المجال الأكاديمي وسوق العمل لاحقًا، وموضعة النساء في تخصصات تتلاءم والدور الاجتماعي المفروض عليها.
— #طالعات: نساء حرة = وطن حر (@tal3at_sept26) July 14, 2020
الحديث عن "مَوضعة النساء" ضمن تخصصات معيّنة يُصبح مثيرًا للاهتمام مع مطالعة سياسة القبول التي أعلنتها الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، هذا العام، إذ تُغلق 26 برنامجًا أمام الطالبات، مع وجود 6 برامج فقط يقتصر التسجيل فيها على الطالبات.
وباستعراض عدد من الآراء، من مواقع التواصل الاجتماعي، إزاء القضية، كتبت المحامّية والناشطة الحقوقية فاطمة عاشور، عر فيسبوك "هذا تمييز واضح ضد النساء ويجب أن يوقف فورًا.. لا للتمييز الجامعي بين الجنسين.. لا تعاقبوا الفتيات علي تفوقهم".
شهد حسين كتبت عبر توتير "أخيرًا هناك من يتحدّث عن هذا الموضوع.. يجب على وزارة التعليم العالي أن تفعل شيء، وإلّا ستتصاعد هذه السياسات.. كما حدث في السنوات السابقة".
Finally someone is talking about it. Something must be done by the Ministry of Higher Education or it’ll escalate, as it did over the years. https://t.co/s1YhbVtuu1
— Shahd (@ShahdAl_Hossene) July 14, 2020
فيما وصفت ميرا نابلسي، عبر تويتر، ما تمارسه الجامعات إزاء الطالبات "أمرًا مخزيًا، ومحزنًا"، واعتبر اسكندر "أنّ الاعتراض في محلّه مهما كانت تبريرات الجامعات لهذا التمييز"، لكنّه لم يتوافق مع ما اعتبره مبالغة وربط القضيّة بسوق العمل.
ول عليكم ... اشي جد مخزي ومحزن بحق الطالبات بالذات بس كمان الناس اللي بتتعب من امتى ٨٠ بتدخل حد هندسة و٦٥ علوم؟! https://t.co/HvMyttGo6x
— Mira Nabulsi (@MiraGabi) July 14, 2020
الاعتراض في محله مهما كانت تبريرات الجامعات لهذا التمييز بس القصة مش محتاجة شطح، الموضوع ملوش علاقة بسوق العمل وهو مرتبط بس بأعداد المتقدمات والمتقدمين وقدرة الجامعات الاستيعابية على استقبال الطلاب في هاي الاختصاصات، خاصة وإنو كل الجامعات المذكورة بتطبق فصل مكاني في قاعات الدراسة https://t.co/Tm4jGfiVaH
— skander (@Skanderbeg_G) July 14, 2020