Menu

رشى نتنياهو .. هل ستأتي بجديد؟

محمد أبو شريفة

نُشر هذا المقال في العدد 16 من مجلة الهدف الرقمية

يلجأ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو كعادته إلى تدوير الزوايا للخروج من مآزقه الشخصية والسياسية، فقد أعلن مؤخرًا عن منح تعويضات مالية للجمهور الصهيوني في محاولة منه لاسترضاء واحتواء الاحتجاجات الرافضة لتعامل الحكومة مع التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا، والتي طالب فيها آلاف المحتجين الصهاينة نتنياهو بتقديم استقالته، وبلغت قيمة التعويضات نحو مليار و 700 مليون دولار وبمعدل مئتي دولار لكل إسرائيلي، بغض الطرف عن مستحقيها سواء تضرر من إجراءات الحظر والإغلاق خلال الموجة الأولى من انتشار الفيروس أم لا.

نتنياهو الذي يعتبر نفسه الساحر والقادر على التملص من كل المآزق التي تواجهه؛ يشعر أنه امتلك زمام اللعبة بكاملها وأصبحت طيعة بين يديه، لكن الأوساط السياسية والإعلامية الصهيونية اعتبرت أن هذه المساعدة المزعومة ليست إلا "رشوة جماعية" مقدمة للجمهور مقابل السكوت عن تردي الأوضاع الاقتصادية واستشراء الفساد الحكومي وتراجع شعبيته. وأيضًا السكوت عن فشل الإجراءات الحكومية بالسيطرة والحد من انتشار فايروس كورونا، والتي باتت إسرائيل تواجه تحديات الموجة الثانية منه، حيث وضعتها في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وتشيلي، بعدد الإصابات نسبة إلى عدد السكان، وحذّر وزير الصحة الإسرائيلي يولي أدلشتاين من التداعيات المرتقبة للفيروس بعد انتشاره، "لافتًا إلى أن معجزة فقط هي التي يمكن أن تنجي إسرائيل من الكارثة".

وما يثير الانتباه في هذا السياق أن نتنياهو قد قفز عن استحقاق الضم الذي أعلن عن الالتزام به مطلع الشهر (تموز- يوليو)، ودون الحديث بالمطلق عن هذا الموضوع، معيدًا الاعتبار إلى الكارثة الحقيقية التي تواجه المجتمع الصهيوني، حيث خلال أسابيع قليلة ارتفع عدد الإصابات والوفيات بفايروس كورونا بشكل كبير ليصل إلى أكثر من 36 ألف إصابة، شملت جميع المناطق بحيث اصبحت القضية الأولى لكيان الاحتلال. وعلى الرغم من هذا، فإن تلك الرشوة جاءت في سياق خارج عن تلك المعطيات، فالحديث يدور اليوم أيضًا عن تمزق الائتلاف الحكومي وتشظيه، وبالتالي فإن توجهات الرأي العام الصهيوني اليوم تميل إلى إعادة الانتخابات مع بداية العام القادم والذهاب إلى جولة رابعة، وحينها سيبقى نتنياهو أسيرًا للقضاء الذي سيبت بأمره على ما يبدو قبل حصول الانتخابات.

ومنذ الإعلان عن أول حالة "كورونا" في كيان الاحتلال حاولت الأجهزة الحكومية وعلى رأسها رئيس حكومة تسيير الأعمال آنذاك بنيامين نتنياهو التعامل معها كظاهرة فريدة من نوعها وتوظيفها خارج سياقها الصحي وعلى أكثر من محور وجانب. فالجانب السياسي وعبر القرارات المتدرجة والمتواصلة يوميًا من قبل نتنياهو، والتي حاول من خلالها أن يظهر أنه الرقم واحد القادر على التعامل مع هذه الظاهرة في حين أن وضعه الانتخابي والجنائي لا يؤهلانه لذلك؛ فإعلانه عن رصد ميزانية تتجاوز ال 3 مليارات دولار لاحتواء آثار فايروس كورونا على الجانب الاقتصادي لكيان العدو، يوحي بالقدرة السياسية قبل القدرة الاقتصادية والصحية. وما نود الإشارة إليه هنا أن حالة التضخيم في القدرة على احتواء هذه الظاهرة الصحية، تشير إلى أن نتنياهو يحاول الخروج من مأزقه السياسي أو على الأقل المماطلة أو المراوحة في ذات المكان. فالمشهد كما أراد أن يرسمه يتمحور على الشكل التالي وهي أن إسرائيل تعيش ظاهرة خلاف عن المألوف وخارجه عن النطاق السياسي، وبالتالي لا بد من القفز عن الاستحقاقات الانتخابية القائمة.

الخلط المتعمد للوضعين هدفه واضح لدى نتنياهو فهو يريد الاطمئنان لموقعه داخل خارطة الانتخابات وبألا تلفظه خارج المشهد السياسي، في المقابل كل المؤشرات الاقتصادية التي أعلن عنها نتنياهو بقدرة الكيان الاقتصادية تكذبها الوقائع؛ فها هي شركة الخطوط الجوية الصهيونية "العال"، والتي توظف ستة آلاف شخص قد أعلنت عن فصلها ل850 موظف وإحالة نحو 3 آلاف إلى إجازة بدون راتب، في حين لم تلحظ التقارير والبيانات وجود مساعدات مادية من قبل الحكومة لهذه الشركة أو غيرها من الشركات المتضررة من تداعيات الفايروس. فهي تخشى مزيدًا من التداعيات الاقتصادية التي تفاقم من حدة التأزم لدى المجتمع الصهيوني وتزيد من نسبة البطالة التي فاقت نتيجة الموجة الأولى من الفيروس ال 21% وهي مقدرة أن تتصاعد. وبحسب المصادر فإن أكثر من نصف مليون إسرائيلي تم تعطيلهم في إجازة غير مدفوعة الأجر، وأن عدد العاطلين عن العمل يقارب ال 800 ألف شخص، وباتت قطاعات كاملة بحكم الإفلاس والتوقف الكامل عن العمل.

ال3 مليارات دولار التي أعلن عن رصدها لتجاوز أزمة "كورونا" هي مجرد بيان صحفي، وليس قرارًا حكوميًا، وبالمحصلة هل يمكن أن تخدم ظاهرة كورونا أهداف نتنياهو المرحلية والاستراتيجية في حين نشهد وجود تحرك حزبي سياسي في الطرف المقابل من المشهد يتمثل بالتحشيد البرلماني والذي يجهز لسلسلة من الإجراءات والتي ربما بدأت أولها بإزاحة رئيس الكنيست الحالي الموالي لنتنياهو واستبداله بآخر معارض، ومن ثم المرور بالتوافقات الحزبية على اختيار رئيس حكومة من خارج كتلة الليكود وانتهاء بسن قانون يمنع أي شخص من تولي حقيبة رئاسة الوزراء في حال تم إعلان لوائح اتهام بحقه.

وضمن هذا الواقع تعيش (إسرائيل) مأزقها السياسي غير المسبوق، وتبقى المرحلة القادمة مزدحمة بالكثير من المفاجآت، لكنها في النهاية تعبر عن خلل مركزي في بنية النظام السياسي وهذا بالضرورة سيقود إلى انكشاف وضع، سيفضي في النهاية إلى إعادة تموضع الكيان الصهيوني وأخذ حجمه الحقيق بدون ادعاءات نتنياهو بتضحياته البهلوانية.

يبدو أننا أمام مسار قد يفتح الباب إلى تحولات عميقة في بنية كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن كل التقرحات ستظهر على جسم هذا الكيان عاجلًا أو آجلًا.