اجتماع القيادة الفلسطينية ممثلة بمختلف فصائل العمل الوطني، المنعقد في بيروت، والذي طال انتظاره لسنوات، وإن كان متأخرًا؛ فإنه قد يشكّل بداية لمقاربة سليمة لمفهوم العمل الوطني المشترك، دون إقصاء، ودون تفرّد، وبما يرتقي لمستوى التحدي المصيري المفروض على شعبنا.
يمثل الوعي الجمعي ميزان دقيق للحكم على مثل هذه الخطوات الفصائلية والسياسية، وإن كان التأخير الطويل قد ترك احباط عميق أنقص من تفاؤل شعبنا بهذا اللقاء، فإن الآمال الجماهيرية المعقودة عليه تبقى مرهونة بمصداقية الممارسة التي ترتقي للشعارات المرفوعة، بل وعليها أن تتفوّق عليها بكثير، وتشكّل -أي الممارسة- جسر حقيقي لجسر وتعويض الفجوة الكبيرة بين واقعنا وبين درجة الجاهزية التي يجب أن نكون عليها لمواجهة محاولات تصفية قضيتنا وحقوقنا.
التطبيق والممارسة والمصداقية والديموقراطية والالتزام بالشراكة الوطنية، لا تتجسّد فقط بتشكيل لجنتي قيادة الفعل الجماهيري والعمل على انهاء الانقسام، ولكن بكم كبير من التفاصيل الإجرائية والخطوات في كافة جوانب العمل السياسي الفلسطيني، لا يتسع المجال لذكرها، لكنها بالتأكيد جميعها يمكن ربطها بتشكّل وتظهير قناعة واضحة وراسخة بحتمية الوحدة الوطنية وحتمية المواجهة مع هذا المحتل.
لم ينجح الاجتماع القيادي في إنهاء صفحة الرهان على مشروع التسوية بالتأكيد، لكن الالتئام الوطني إن استثمرت فيه جميع الأطراف وخصوصًا تلك الحريصة على التمسك بخيارات المواجهة الشاملة مع الاحتلال، هذا الالتئام سيكون الكفيل والضامن الحقيقي والوحيد على ما يبدو لتحقيق نقلة نوعية بالموقف السياسي الفلسطيني وتصليبه باتجاه يرفع قدرة شعبنا على مواجهة المحتل، ويعزّز أدوات هذا الشعب ويطلق طاقاته ضد الاحتلال.
عاشت فلسطين سنوات عصيبة بالفعل، تآكلت فيها الكثير من موارد الصمود، وجرى استنزاف أدوات المقاومة، لكن جوهر الكفاح ودافعه الأساسي يكبر ولا يصغر وهو وحشية الاحتلال وطمعه الاستعماري الوقح. الدم الندي الذي أراقه العدو طيلة هذه السنوات كفيل بتخليق أدوات المقاومة، لكن صوابية الخيارات السياسية كفيلة بتوفير الكثير من الوقت المهدر من عمر قضيتنا وشعبنا، ودفع كفاحه للأمام باتجاه تحقيق أهدافه الوطنية الكبيرة، فاليوم لم يعد المطلوب صد الهجمة التصفوية الصهيونية فحسب، ولكن صناعة حالة من المبادرة الفلسطينية للفعل الوطني سياسيًا وشعبيًا وكفاحيًا كفيلة بإعادة شيء من التوازن لمعادلة الصراع.