Menu

أزمة حركة التحرر الوطني الفلسطيني وغياب الحزب الثوري

اسحق أبو الوليد

"القيادة الطبقية البرجوازية لحركة التحرر الوطني، بسبب موقعها الطبقي في علاقات الإنتاج، تضعها علاقة التساوم مع الامبريالية إلى ضرورة إلغاء الطابع التناحري للتناقض معها (أي مع الامبريالية)، وتقيم بالتالي في الحركة الوطنية نفسها تناقضًا تناحريًا بين طبيعة هذه الحركة، في ضرورتها التاريخيه وبين قيادتها الطبقية التي "تنحرف" بها عن سيرورتها الثورية، فتسد عليها أفق تحقيق ضرورتها التاريخية" الشهيد مهدي عامل- بحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان. 

لا يمكن لأحد أن ينكر وجود أزمة برنامجية وقيادية عميقة مزمنة تعصف بحركة التحرر الوطني الفلسطينيه؛ سببها التناقض التاريخي التناحري بين استراتيجية وأهداف البرنامج السياسي لهذه الحركة، والذي يهدف إلى التحرير الكامل من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وإنهاء المشروع الصهيوني في فلسطين، والطبيعة الطبقية البرجوازية لقيادة هذه الحركة التي بدورها لها برنامجها الاقتصادي - السياسي الخاص بها، والذي تعطيه الأولوية في عملها السياسي و"النضالى" ولا تتردد من أجل تحقيقه أن تهادن "عدوها" الوطني وتعقد معه المساومات مما يقودها موضوعيًا، إلى التخلي (خيانة) عن برنامج التحرير الوطني ووسائل تحقيقه. رغم هذا، وبسبب تحكمها وسيطرتها على السلطة (القيادة)، أداة وشرط تحقيقها لبرنامجها، تستمر في ادعائها أنها ما زالت تتبنى البرنامج الوطني الذي تخلت عنه عمليًا؛ لأنها لو تنكرت له وتخلت عنه رسميًا ولفظيًا، لنَحْت نفسها ولأسقطت "حقها" في القيادة، ليس فقط، أمام نقيضها الطبقي الذي يضم العمال والفلاحين وكل الكادحين والفقراء من أبناء شعبها، بل أيضًا أمام الشرائح الأدنى من البرجوازية الصغيرة ومثقفيها التي تشكل مادتها الطبقية الأكثر تماسكًا واستعدادًا للدفاع عن سياساتها الانهزامية والاستسلامية، وأمام من يؤيدها من جماهير شعبيه كادحة تتوق حقًا للتحرير، ولكنها أسيرة الكذب والتضليل. 

الثورة الفلسطينية الحديثة كما الثورات التي سبقتها؛ استحوذت على قيادتها البرجوازية الفلسطينية من خلال حركة "فتح" أو من خلال" المستقلين"، حيث عمل النظام الرسمي العربي، بواسطة الرأسمال النفطي الريعي الفاسد وغير المنتج على احتضان رأس المال هذا في مشاريع مشتركة، ودعم ماليًا قيادة اليمين بسخاء وورثها صفاته البرجوازيه وتبعيته للمركز الامبريالي، وخلق فيها عوامل قبولها للوجود الامبريالي الصهيوني في المنطقه واستعدادها للتعامل مع مشاريعهم المتعلقة بالقضية الفلسطينية والوطن العربي التي ارست مداميكها اتفاقيات "كامب ديفيد" التي وقعها الرئيس المصري السابق أنور السادات، كممثل للبرجوازية المصرية (ونيابة عن البرجوازيات العربية)  مع الكيان الصهيوني، بقيادة ورعاية الامبريالية الأمريكية. 

إذن نحن أمام خيار طبقي لهذه القيادة، وليس شخصي لهذا القائد أو ذاك، لذا لا يمكن الرهان على امكانية ردع أو إفشال هذا النهج من داخله، أي من خلال أداته التنفيذية، أو من داخل الطبقة الحاضنة لهذه القيادة التي تعتبر أن مساومتها مع المستعمر هي "ضرورة تاريخية"، وأن هذه الضرورة تشترط التخلي عن "الضرورة الثورية" التي هدفها "التحرير" وتتكيف مع ما يقدمه العدو من فتات على موائد التفاوض وتقبل به وتقدمه للشعب كانجاز وبطوله لجهودها، هذا يعيد الكرة من جديد إلى "ملعب" ما سمي "اجتماع القيادة الفلسطينية" ومنه إلى "ملعب" القوى التي تقول في برامجها وتصريحاتها أنها ضد اتفاقيات "أوسلو" والمفاوضات وضد التسوية، وبما أن هذه القوى متعددة الانتماء الفكري والإيماني والولاء التنظيمي ولا يجمعها إطار يمكنها من الاجماع على استراتيجيه نضالية ثورية واحدة، تفرضها على الطرف "القيادي" المقرر، يصبح من الضروري والملح البحث عن "حزب ثوري" طليعي يجيب عن الأسئلة التي يفرضها في كل مرحلة الواقع المأزوم بكل مكوناته؛ من أجل تحرير نفسه وتحرير الحركة الوطنية من أزمتها وإخراجها من وهنها وترهلها، وعدم القبول" بوحدة وطنية" شكليه وديكورية؛ تعزز مكامن القوة عند هذه القيادة الطبقيه المسؤولة عن كوارث وطنية وقومية بحق شعبها وأمتها، مما يشجعها على المضي وبشهية أكبر في نهجها وسياساتها التي لا تخدم سوى العدو.  

إن الحزب الذي لا يقرأ بشكل علمي دقيق طبيعة وأهمية اللحظة المعطاة ويساير المستجدات ويعمل للتكيف مع الواقع يفقد ثوريته وطلائعيته واستعداده للتضحية، ويفرغ الشحنة الثورية الشعبية التي طالما تحينها وانتظرها، لهذه اللحظة التاريخية في الفراغ الذي لا بد أن يملأ، ويقترف ذنبًا تحاسبه عليه قوانين النضال التي يتم انتهاكها سواء بوعي أو عن جهل لا فرق. هذه القوى، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لم تدع فرصه منذ عدة سنوات دون أن تطالب باجتماع على "مستوى الأمناء العامين" للجبهات والحركات والأحزاب "لإجراء المراجعة الشامله منذ أوسلو حتى الآن، "ومن أجل وضع استراتيجية نضالية جديدة"؛ بديله عن المفاوضات واتفاقيات أوسلو وإصلاح منظمة التحريلا وتحقيق الشراكة الوطنية، وكانت هذه الدعوات والمطالب تصطدم دائمًا بالفيتو "العباسي" وآخرين إقليميًا ودوليًا، فما الذي استجد كي يرفع محمود عباس والآخرين الفيتو عن اجتماع بهذا المستوى؟ ألم يستدعي إعلان صفقة ترامب واعتبار القدس " عاصمة موحدة لإسرائيل"، واعتراف إدارة ترامب بذلك ونقل سفارات دول أخرى إليها؛ عقد "قمة" فلسطينية وليس مجرد اجتماع للأمناء العامين؟ وأبعد من ذلك والأهم، ألم تستدعي ذلك؛ الهجمة الاستيطانية الشرسة التي هي عمليًا تهويد وضم غير معلن وبطيء لكل الأراضي المحتلة؟ 

يتضح أن هذه القيادة البرجوازية الفاسدة لن تقوم بعمل أي شيء خارج حساباتها التي تتم فقط وفقط في إطار ما يخدم مصالحها ويعزز امتيازانها ويساعدها على التخفيف من أزماتها ويقوي من سطوتها، وبالتالي لم يكن الاجتماع الموقر ردًا على "انحراف حكام الإمارات" - هكذا وصف محمود عباس خطوة الإمارات - وليس حرصًا على مستقبل القضية الوطنية التي اختزلها بإفشال مشروع الضم، وأخيرًا ليس حرصًا على "الوحدة الوطنية" التي هي في آخر سلم أولوياتها واهتماماتها. إن كل هذا وغيره الكثير، بل تاريخية اللحظة في هذه المرحلة، يستدعي وجود حزب ثوري لا يرهب ما يسمى "صعوبة الظروف" ولا يخاف "الاتهامات"؛ بسبب اتخاذه القرارات التي تفرضها الضرورة الوطنية الثورية، لقد ضيعت الجبهة الشعبية، وربما قوى مناضلة أخرى، فرصة تاريخية لاستجابتها (هم) وتلبيتها (هم)، تلك الدعوة الأوسلوية التي لا يخرج هدفها عن كونه استعمالي وظيفي؛ خطوة محسوبة ومخطط لها بدقه من قبل محمود عباس وفريقه وحاضنيه. فلقد تم اضاعة فرصة، لن تعود بسهولة، للإعلان عن بداية مرحلة جديدة من الثوره والنضال؛ تعيد ثقة الشعب بنفسه وثورته التي دمرتها الخيانة والفساد والإفساد فلسطينيًا وعربيًا .