يدفع شعبنا يوميًا ثمن مضاعف للاحتلال ووجود المشروع الصهيوني على أرض وطنه؛ فبجانب ما ينتجه هذا المشروع بطبيعته العدوانية والعنصرية؛ من سياسات إجرامية ووحشية، وما أحدثه تأسيس هذا العدو الصهيوني؛ من تشريد وويلات حاقت بالشعب الفلسطيني، والذي يدفع ثمن غياب الردع لهذا العدو وعدوانه، بما يعنيه ذلك من تصعيد وتمادي في سياسات العدوان.
هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، هذا ليس شعار قديم يتم استحضاره لإذكاء الحماسة، وليس دعوة لاعتماد القوة والعنف والوحشية كسبيل للعلاقات بين البشر، ولكن تلخيص واقعي ودقيق لطبيعة المشروع الصهيوني، وبوصلة مهمة تشير للاتجاه الوحيد الممكن لحماية شعبنا من جرائمه.
حين أطلق جنود العدو النار مرة تلو الأخرى على قلب أيمن أبو عليا، لم يكن الأمر يرتبط بما يفعله الشهيد، بل بما يمثله وجوده كفلسطيني على أرضه، فما المشروع الصهيوني إلا حفلة صيد بلا قيود. ففي سياق الحلم الصهيوني، يصبح وجود الفلسطيني على أرضه هو المنغص، والحِمل الزائد الذي يجب التخلص منه، وفي هذا الاتجاه، يمارس مجتمع الاستيطان والعسكرة والعدوان الصهيوني، قناعات استعمارية سادت خلال القرون الأخيرة؛ بأن الأجساد والأرواح والأرض والممتلكات الفلسطينية مستباحة. ففي ميزان المُستعمِر لا قيمة للإنسان، لكونه إنسان، ولا رادع يحمي الضحية، مهما بلغ تمثلها مع الصورة الأنقى للبراءة والمسالمة؛ فالرادع الوحيد الحقيقي هو القوة التي تحيل الضحية والجسد الفلسطيني إلى قوة فاعلة، تهدد القاتل الصهيوني، وترد عدوانه وتعاقبه عليه.
معاقبة القتلة الصهاينة بكل عنف ممكن، ليست نزعة ثأرية بدائية، ولكن ضرورة وجودية للحفاظ على بقاء شعب فلسطين وحقوق الإنسان الفلسطيني، وحاجة لمنع الإبادة، والدواعي لنهوض شعبنا بكل أشكال المقاومة وتصعيدها، تتجاوز حتى حدود السياسة والأهداف الوطنية حول الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وتتصل بضرورة البقاء الإنساني والمجتمعي والسياسي لشعب فلسطين، وإن كان ثمة واجب ملح على القوى السياسية الفلسطينية، فهو إدراك هذه الحقيقة والعمل بمقتضاها، بكل ما يعنيه ذلك من اتخاذ الإجراءات والسياسات الضرورية لإطلاق قدرة شعبنا وطاقته في ممارسة كافة أشكال المقاومة. فما تعنيه المقاومة بكافة اشكالها في هذه المرحلة من تاريخ النضال الفلسطيني هو تأكيد الوجود وتعميقه وتجذيره، ودحر المخطط الصهيوني، وإحداث أرضية للتحول التاريخي المطلوب في ميزان الصراع على أرض فلسطين.
لعل اللافت هنا، أنه حتى في التشخيص الرسمي الذي أجمعت عليه الفصائل والقوى السياسية، بما في ذلك القيادة الرسمية، فقد أقرت بأن تفعيل مقاومة شعب فلسطين لعدوه هي الإجراء المطلوب حاليًا، وأصدرت بيانات ومواقف تأسيسية بهذا الاتجاه، لكن الانقلاب المستمر على هذه المواقف والتشبث بمركزة السياسة الرسمية حول التنسيق الأمني ورهانات التفاوض؛ تشكل فعليًا خارطة طريق لاستمرار الإبادة، وحرمان الشعب الفلسطيني من الدفاع عن نفسه ووجوده، وصيانة مسيرته النضالية.