Menu

العلاقة الصينية الإسرائيلية.. أسئلة وتداعيات

محمد أبو شريفة

نُشر هذا المقال في العدد 20 من مجلة الهدف الإلكترونية

انتقلت الصين منذ انتهاء القطبية الثنائية وأفول عصر الحرب الباردة إلى التحالفات غير العقائدية، والتي أصبحت فيها شبكة المصالح هي التي تقرر فحوى السياسة وحركة الاقتصاد، وبدأ الفعل الجيوسياسي الصيني يتزايد مع نجاحها في تطوير اقتصادها في أواخر السبعينيات وتظهير المرونة والديبلوماسية بتعاملها مع موازين القوى آنذاك، خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وشكلت "خارطة طريق" لرؤيتها الخارجية؛ سعت فيها إلى تجنب الاصطدام مع الآخرين والنأي بالنفس عن الصراعات الرئيسية الكبرى ذات المقاييس التقليدية العالمية، واستمرت ورغم التحديات التي واجهتها في العقود الماضية بصياغة صورتها الذاتية ودورها العالمي في المستقبل، باعتماد استراتيجية انمائية سلمية وتعزيز مساهمتها في العالم بنموها الاقتصادي القوي الخاص بها. وأصبحت في العام 2012 ثاني أضخم اقتصاد في العالم بعد أميركا، مما كان له انعكاسات جيوسياسية على الصين، وبدأت تتساءل ماذا سيفعل الصعود السلمي؟ أو بالأحرى ما هو موقع الأمة الصينية بعد الصعود السلمي؟!

لقد أكد الرئيس الصيني من خلال التقرير الصادر عن المؤتمر الوطني ال19 للحزب الشيوعي الحاكم "أنه سيتم التعامل مع جميع دول العالم على إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية، وإقامة مصير مشترك للبشرية". وقام الرئيس شي جين بينغ منذ المؤتمر الوطني ال18 بزيارة (57) دولة واستقبل في بكين أكثر من (110) من رؤساء الدول، وبالتالي أخذت الصين، وبشكل واضح بالتحرك خارج سورها العظيم، وأضحت منافسًا استراتيجيًا على مستوى العالم، ومارست ديبلوماسيتها بحرفيه تجاه مختلف الدول والقوى والتكتلات، وارتكزت في علاقتها مع الشرق الأوسط على الاحترام المتبادل والإرث التاريخي المشترك من التجارة عبر المحيطات أو عبر طريق الحرير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.، واهتمت الصين بمنطقة الشرق الأوسط كونها تقع على مفترق طرق القارات وتكتنز مخزون طاقوي هائل من النفط والغاز، إضافة لكونها سوقًا مهمة للصادرات الصينية ومنفذ آمن مرتبط بالأمن القومي الصيني ضمن إطار (مبادرة طريق الحرير الجديدة)، ونقل براءات الاختراع والملكية الفكرية الإبداعية والتكنولوجيا التي تسعى الصين للحصول عليها من إسرائيل والاستفادة منها في المجالات العسكرية والصحية والزراعية، لذلك يرتكز الخطاب الرسمي الصيني على الحوار الهادئ تجاه عديد القضايا في المنطقة وأهمها الصراع العربي – الاسرائيلي وعدم التصعيد والاصطدام أمنيًا أو عسكريًا. وشهدت العلاقات الصينية – الاسرائيلية توترات وانقطاع منذ الخمسينيات والستينيات ولكنها عادت الى طبيعتها في أواخر السبعينيات وتم الإعلان عن العلاقات الرسمية بين الطرفين في العام 1992. ورأت كل من الصين وإسرائيل بهذا المنحى مجالًا لتعزيز علاقتيهما تجاريًا؛ فالأولى تريد التكنولوجيا الإسرائيلية، والثانية تريد زيادة الاستثمارات الخارجية وتنويع أسواق تصدير بضائعها.

وحصلت أول صفقة نقل تكنولوجيا من إسرائيل إلى الصين في العام 1979، وبعدها توالت الصفقات حتى العام 2005 وبلغت 60 صفقة بقيمة ملياري دولار، وتراجع هذا النشاط؛ بسبب الضغوط الأميركية على إسرائيل وتحذيرها من نقل التكنولوجيا المتطورة إلى الصين وأفشلت حينها صفقتين كبيرتين تتعلقان بنظام الرادار المتقدم المحمول جوًا؛ المعروف باسم فالكون سنة 2000، وصفقة طائرات بدون طيار هاربي التي تمت سنة 2005. وزار بنيامين نتنياهو الصين في العام 2013، وأمر بفتح مكاتب تجارية فيها لتعزيز التبادل التجاري، وكرر الزيارة بعد أربعة سنوات وتوجت بتوقيع اتفاقيات بلغت قيمتها 25 مليار دولار، ونما التبادل التجاري بين الطرفين بشكل ملحوظ، إذ بلغت الصادرات الصينية سنة 2017 نحو9 مليارات دولار، والصادرات الإسرائيلية أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وأصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، حيث بلغت الاستثمارات الصينية في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية 40% من الحجم الكلي من رأس المال الاستثماري الخارجي، وتوطدت العلاقات بين الطرفين في مجال التعليم والثقافة والسياحة والصحة وتبادل البعثات العلمية نتج عنها افتتاح أربعة جامعات إسرائيلية في الصين (جامعة حيفا، جامعة بن غوريون، جامعة تل ابيب ومعهد تخنيون)، وافتتحت الصين جامعة واحدة لها في إسرائيل ومعهدي كونفوشيوس في الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل ابيب.

وتقوم العلاقة الصينية مع إسرائيل على ركيزتين هامتين الأولى اقتصادية وتتعلق بالتطور التكنولوجي بشقيه؛ المدني السلمي، والأمني العسكري، وتعتبر بكين أن "تل ابيب" جزءًا هامًا من مبادرة الحزام والطريق، وتريد لإسرائيل أن تكون همزة الوصل بين خليج العقبة وقناة السويس. والركيزة الثانية سياسية، حيث ترى الصين أن إسرائيل رقمًا مهمًا في الشرق الأوسط، يجب التعامل معه وعدم إغفاله، خاصة مع تراجع التدخل الأميركي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وينظر الصينيون بحسب مراقبين إلى أبعد من ذلك في محاولة لنسج علاقة مع ‏اللوبي اليهودي في الولايات ‏المتحدة لما يمتلكه من نفوذ يؤهله ‏لاتخاذ قرارات في صالح بكين لدى المطبخ السياسي الأميركي ‏وتلطيف الأجواء عند اللزوم، في حال التوتر مع إدارة البيت ‏الأبيض.‏ بينما إسرائيل لا تتوقف عند الاقتصاد، بل تسعى لإقامة علاقات وثيقة مع الصين في ‏محاولة منها لضمها إلى صفها وإقناعها بتوجهاتها، ‏خاصة في وقت الأزمات فهي تدرك أنها – الصين- ‏عملاق قيد النهوض ويمتلك القوة السياسية ‏والاقتصادية والنووية المؤثرة ‏في العالم، وتمتلك مقعدًا دائمًا في ‏مجلس الأمن‏، وبحسب المؤشرات ‏فإنها ستكون بحلول العام 2030؛ صاحبة أكبر اقتصاد ‏في العالم.‏ وتهدف أيضاً من توثيق العلاقة إلى التأثير على المبيعات العسكرية الصينية إلى ‏دول المنطقة، بالأخص ايران، حيث ثمة اعتقاد لدى الإسرائيليين؛ ‏أن الأسلحة تصل إلى حزب الله في لبنان الأمر الذي يشكل ‏تهديدًا للأمن القومي الصهيوني.‏

وبرغم تنامي العلاقة بين الطرفين؛ إلا أن ثمة أصوات تعارضها ‏وتطالب بكبحها، وذلك لخشية استراتيجيين صينيين؛ أن تؤثر ‏العلاقة مع إسرائيل على العلاقة الوثيقة مع دول عربية أساسية ‏في المنطقة، ومع دول آسيوية أخرى، لا سيما أن حكومة اليمين ‏الإسرائيلي المتطرف برئاسة نتنياهو؛ تصر على مواقفها ‏بمواصلة الاستيطان والتهويد وخلق سياسة أمر واقع لقضم ‏وضم ‏الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن الصينيين ينظرون ‏بعين الريبة والحنق إلى الدعم الإسرائيلي العسكري والتجاري ‏المتواصل إلى تايوان. وفي المقابل حذر قادة صهاينة من ‏الاندفاع بالعلاقة خلف الصين؛ بسبب تحالفاتها الوثيقة مع ‏‏"الأعداء" في اشارة إلى إيران وحلفائها؛ مما سيؤدي إلى ‏إغضاب حلفاء إسرائيل في الغرب بشكل عام ‏والولايات المتحدة ‏بشكل خاص. بالإضافة الى التخوف من نوع وحجم المشاريع مع ‏الصين، حيث تسيطر الصين على الحصة الاستثمارية الأكبر في العديد من المشاريع ‏التكنولوجية مع إسرائيل وتشرف الشركات الصینیة في تخطیط وتنفیذ؛ خط القطار؛ من تل ‏أبیب إلى ‏إیلات ، مما يشكل مساسًا بالاستراتيجية الصهيونية ويثير القلق لدى صناع السياسة الإسرائيليين.‏

 وممكن أن نلاحظ أن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين مزدهرة، خلافًا للعلاقات العسكرية والسياسية، لأنه من الممكن نشوء خلافات بينهما؛ بسبب التناقض والتعارض في المواقف والأهداف السياسية. وتدرك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حساسية الموقف الأمريكي تجاه تزايد علاقاتها مع الصين، ولذلك تبقى الكلمة الفصل لواشنطن في تحديد مسار العلاقة، حيث تجسد الولايات المتحدة الشريك الإستراتيجي والداعم الأول لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

من المرجح أن تبقى العلاقة الصينية الإسرائيلية ضمن حدودها الحالية، فبرغم تطورها؛ إلا أنها لم تصل بعد إلى الشراكة التحالفية أو الاندماجية التي يحلم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بسبب صعوبات عديدة، ولكن يؤمل من الصين ألا يكون جوهر العلاقة الاقتصادية والسياسية مع ‏إسرائيل على حساب الأخلاق والمبادئ والسلم التي تتمسك بهم؛ السياسية الخارجية الصينية، والتي تنادي إلى احترام قرارات ‏الشرعية الدولية وتدعيم الاستقرار بالمنطقة.