Menu

مجلس التعاون الخليجي ومقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني (تجربة البحرين)

رضي الموسوي

لم تمر القضية الفلسطينية بمنعطف حرج وخطر كما تعيشها في الوقت الراهن من حيث استشراس أعدائها في السعي المحموم لشطبها من الخارطة السياسية والجغرافية عبر الصفقات وورش العمل الباهتة، واستماتة الكيان واستمراره في قضم ما تبقى من أراض فلسطينية، في مختلف المناطق وممارسة أقسى أنواع البطش والعدوان وارتكاب جرائم القتل والتهجير والأسر ومصادرة الأراضي ووضع الخطط المتكاملة لضمها للكيان كما هو الحال مع القدس والأغوار والضفة الغربية، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن صفقة القرن التي تمنح الكيان الصهيوني كل الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى ضم هضبة الجولان واعتبار القدس الموحدة عاصمة للكيان، ونقل السفارة الأمريكية إليها وممارسة الضغوطات على العديد من الدول للقيام بالمثل.

وبالتوازي مع البطش الصهيوني وسياسة قضم الأراضي وبناء المستوطنات، كان المشهد يتركز في منطقة الخليج العربي، مع بدء تصاعد الحديث في بعض عواصمه عن صفقات تطبيعية مع الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني والقضية المركزية للأمة، فكانت الإمارات العربية المتحدة أول دولة خليجية توقع اتفاق علني مع الكيان، تلتها بشهر البحرين ، ثم فتح الباب للسودان والمغرب، في تجاوب من تلك الأنظمة مع الضغوطات القصوى التي كانت واشنطن تمارسها لانتزاع أكبر قدر من التنازلات قبيل الانتخابات الأمريكية التي آلت لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، ما جعل رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو المسارعة في خلع صاحبه ترامب ليبدأ التودد للإدارة الجديدة في البيت الأبيض، ناقلا البندقية من كتف إلى آخر.

1- الخليج في عاصفة التطبيع

يراهن الكيان الصهيوني على دخول عواصم خليجية جديدة نادي التطبيع معه، والمرشح المقبل هما كل من قطر وسلطنة عمان، حيث قام نتنياهو بأول زيارة علنية للسلطنة والتقى سلطانها الراحل قابوس بن سعيد، في وقت كان هو والعديد من المسؤولين الصهاينة يجوبون العواصم الخليجية سرا، ويعقدون الصفقات الأمنية والسياسية والاقتصادية لكن المسؤولون الخليجيون كانوا ينكرونها في وسائل الإعلام حتى تكشفت الكثير من الحقائق من الكيان نفسه ومن وثائق ويكلكس، بأن العلاقة مع المنامة، مثلا، لم تكن وليدة منتصف سبتمبر أو أكتوبر 2020، بل تعود لسنوات طويلة كانت ممثلية الكيان الصهيوني تعمل سرا في العاصمة البحرينية.

لقد درس الكيان ومؤسساته البحثية حالة الخليج الذي لا تمتلك دوله حدودا مشتركة مع فلسطين المحتلة ولم تقم حرب بينه وبين تلك العواصم، وشخّص الواقع انطلاقا من عاملين رئيسيين: العامل الديمغرافي المختل لصالح الوافدين الأجانب الذين يشكلون أكثرية سكانية في أربع دول خليجية، كما هو الحال في الإمارات وقطر والكويت والبحرين، ونسب يعتد بها في سلطنة عمان والسعودية. والعامل الثاني يتمثل في السوق المغري، حيث تشكل الأسواق الخليجية، والسعودية خصوصا، عنصر جذب لكل من يرغب في الاستثمار، وقد وجد الكيان ضالته في كسر المقاطعة بدءا من أضعف حلقاتها المتمثلة في الدول الخليجية المخلخلة ديمغرافيا، وتلك الدول التي تعاني من الفقر والمرض والبطالة والأزمات المستفحلة مثل السودان وبدرجة أقل المغرب.

كانت حفلة التطبيع في باحة البيت الأبيض منتصف أيلول من سبتمبر 2020، تعبر عن أزمة مستحكمة يعاني منها الرئيس السابق ترامب، وكذلك نتينياهو، حيث كان ترامب في حينه يسعى للمزيد من دعم اللوبي الصهيوني تسخينا لجولة جديدة من الانتخابات الأمريكية تضمن له دورة ثانية من الرئاسة، ونتنياهو كان يهرب للأمام لكي يبعد عنه شبح المحاكمة بتهمة الفساد، وبالتالي احتمال إفلاته من العقاب، والتجديد له كرئيس وزراء دون تحالفات هشة كما حصل مع حزب أزرق أبيض.

جاء تركيز الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على دول مجلس التعاون الخليجي، بناءً على دراسة ديمغرافية ومالية اقتصادية، كما أسلفنا القول لمنطقة تعتبر واحدة من أغنى المناطق في الشرق الأوسط والعالم. يبلغ عدد سكان مجلس التعاون الخليجي 57.4 مليون نسمة، ويتمتع المقيمون الوافدون وأسرهم بأغلبية في أربع منها، حيث يشكلون في الإمارات 89 بالمئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 9.8 مليون نسمة، تزداد هذه النسبة في إمارتي دبي وأبو ظبي وتقل في الإمارات الشمالية حيث الثروة محدودة. ويشكل الوافدون في قطر 86 بالمئة من السكان البالغ عددهم 2.8 مليون نسمة، وفي الكويت يشكل الوافدون 69 بالمئة، وتصل في البحرين إلى 53 بالمئة، بينما تبلغ النسبة 45 بالمئة في سلطنة عمان وفي السعودية 37 بالمئة.

يشكل الاقتصاد الخليجي عامل جذب للمستثمرين وللعمالة الوافدة، فهو يحتل المرتبة الـ13 عالميا، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدوله الست 1.64 تريليون دولار في عام 2019، تمثل 4.1% من الاقتصاد العالمي، وفقا لبيانات المركز الإحصائي الخليجي، وتبلغ حصة السعودية منه 48% من الناتج المحلي الخليجي لتصل إلى أكثر من 790 مليار دولار، تليها الإمارات بنحو 421 مليار دولار وتمثل 26% من الإجمالي، ثم قطر 183 مليار دولار وتشكل 11% من الإجمالي. ويبلغ حجم التجارة البينية بين دول المجلس نحو 91.3 مليار دولار، تتصدرها الإمارات بـ53%، ثم السعودية 26%. ربما هذا يفسر التركيز الصهيوني على الإمارات.

أما الاحتياطيات الأجنبية، فتبلغ لدى لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة نحو 620.5 مليار دولار، منها 81% للسعودية، و6.5% للكويت، و6.4% لقطر. وتنتج دول الخليج نحو 17.2 مليون برميل يوميا تمثل 22.8% من الإنتاج العالمي، وتبلغ حصة السعودية من الإجمالي الخليجي نحو 57%، حيث بلغ متوسط إنتاجها 9.81 مليون برميل يوميا.

إن هذه معطيات مغرية يسيل لها لعاب الكيان الصهيوني من أجل اقتناص مئات مليارات الدولارات بصفقات أسطورية تتركز في التكنولوجيا والتجسس والسلاح. لذلك يشعر الكيان بانتعاش، وخصوصا رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو الذي يواصل سعيه للهروب من اتهامات بالفساد ربما توصله إلى السجن كما أوصلت زعماء صهاينة قبله. فالاختراق الذي حصل يضيق الخناق على دول خليجية أخرى ويمنحها تبريرات، واهية وغير مقنعة، أمام شعوبها للسير على خطى من سبقوها نحو التطبيع وفتح السفارات وإقامة العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية، في محاولة من القادة الصهاينة لقطع الطريق على هذه الدول من إعادة النظر في تطبيعها الذي جاء في لحظة تيه ووهن عربي غير مسبوقين، وفي ظل انقسام فلسطين دام أكثر من عقد ونصف العقد، تراجع فيه الاهتمام بالقضية الفلسطينية بين الجماهير العربية ومنهم المواطنين الخليجيين. كما استثمرت الدوائر المعادية والمتحالفة معها هذا الانقسام وأخذت تضخ مواد إعلامية وترويجية للتطبيع مع الكيان وسوقت شعار الدولة القطرية أولا، على حساب القضية المركزية للأمة، ما خلق أرضيات خصبة لطرح موضوع التطبيع والتحالف مع الكيان بعد أن حول الإعلام العربي البوصلة الموجهة للكيان الصهيوني كعدو رئيسي للأمة، وحرفها صوب إيران التي تشاطئ الخليج مع دول مجلس التعاون الخليجي.

إن عين الكيان، بعد التطبيع مع أبو ظبي والمنامة، مسلطة على أسواق المال الخليجية، حيث يسعى للدخول بقوة في شراء أسهم الشركات المرسومة لها أدوار ضمن مخططاته لفرض التطبيع وتوسيعه واستحالة التراجع عنه فيما بعد. كما أن جهوده الآن منصبة على التطبيع مع أكبر دولة خليجية وأكبر قوة اقتصادية ومالية عربية: على السعودية أكبر منتج للنفط وحاضن الحرمين الشريفين، والتي تعتبر المفتاح الرئيس للتطبيع مع باقي الدول العربية.. ولهذا بحث آخر. من هنا يمكن فهم التوجه الصهيوني لدول الخليج العربية، فبالإضافة إلى أنها عملية كسر حاجز التطبيع واستغلال الدول الهشة التي يعيش مواطنوها أقلية في بلدانهم، فإن هذا التوجه يعني أيضا سعي محموم للاقتراب نحو حدود إيران، التي يعتبرها الكيان الصهيوني العقبة الكأداء في وجه التطبيع الكامل مع أغلب الدول العربية والمعرقل الرئيسي لمخططاته، وهذا ما يفسر لهاث الكيان على تشكيل حلف صهيوني- خليجي ضد إيران، مستغلا الخلافات العميقة بين ضفتي الخليج، وهذا ما يفسر الاتفاق الابراهيمي الذي وقع في واشنطن باعتباره خطوة على طريق تشكيل حالة جديدة في المنطقة ستسهم في تسخين المنطقة ووضعها على فوهة بركان، الأمر الذي سيقود إلى فوضى لن يفوز فيها أحد، سوى الكيان الصهيوني وحده، بينما سيعم الضرر دول مجلس التعاون الخليجي وايران والدول المحيطة.

2- التواجد اليهودي في الخليج

ليس المجال هنا للدخول في ما تُحضّر له مؤسسات البحث العلمي ومراكز العصف الذهني واستقراء الرأي في الكيان الصهيوني إزاء يهود الخليج والجزيرة العربية، حيث بدأت تشكل ملفات عن تاريخهم ومواقع تواجدهم وعددهم وفبركة روايات وأساطير عن اضطهادهم تمهيدا لطرحها في وقت تحدده الدولة الصهيونية، كما فعلت مع ألمانيا ودول أخرى. ابتزاز يبدع فيه الكيان الصهيوني منذ تشكله، لكننا نشير هنا بشكل سريع إلى الحالة اليهودية في الخليج التي يراد إحيائها بطريقة "حداثوية" مفتعلة. ففي منتصف فبراير/شباط الحالي 2021، تم الإعلان عن تأسيس ما يسمى بـ"رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية". وحسب الخبر الذي نشرته (بي بي سي)، أن الرابطة "ستتولى أمور وشؤون الجاليات اليهودية في البلدان الخليجية الست فيما يخص النواحي الدينية والعقائدية والطقوس والمناسبات الاجتماعية والدينية، وأيضاً الأمور التي لها علاقة بالتربية والتثقيف اليهودي لا سيما لدى الأطفال".

ويأتي تشكيل هذه الرابطة بعد توقيع اتفاق التطبيع بين الكيان الصهيوني وبين كل من الإمارات والبحرين منتصف سبتمبر / أيلول 2020. وتم اختيار حاخام من أمريكا، أصله سوري من حلب، ولد في بيروت وانتقل للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم إرساله إلى الإمارات ليقوم بإدارة شؤون الجالية اليهودية، ومن المتوقع أن يترأس الحاخام الذي يدعى "عبادي" مراسم الزواج والبلوغ والختان وسيشرف على المسلخ اليهودي المقرر افتتاحه في الأشهر المقبلة. أما الرابطة فيترأسها إبراهيم داوود نونو، وهو مواطن بحريني يهودي من أصل عراقي، وكان عضوا في مجلس الشورى البحريني، ويعتبر الرئيس الفعلي لليهود في البحرين وعددهم يتراوح ما بين 30 إلى 70 شخصا، حسب الروايات المختلفة. يبلغ عدد أعضاء الرابطة اليهودية الخليجية سبعة أعضاء موزعين على الدول الخليجية الست.

وقال نونو في مقابلة مع محطة بي بي سي عربي، إن تأسيس الرابطة جاء بعد أن أعرب عدد من اليهود في الخليج عن رغبتهم في أن تدار شؤونهم الدينية بشكل صحيح، مؤكدا أن الرابطة لن تتعاطى في الأمور والقضايا السياسية (تأسست بعد اتفاق التطبيع بين الكيان وكل من الإمارات والبحرين)، وأن مهامها تتعلق بالأمور الحياتية، ومن المفترض أن تسهّل حياة الكثيرين من اليهود في الخليج مثل إنشاء محكمة يهودية تنظر في النزاعات المدنية والأحوال الشخصية والميراث والطقوس اليهودية. وتتلقى الرابطة التمويل من جهات مانحة خاصة ومن أعضاء في المجتمع المحلي.

تجدر الإشارة إلى أنه باستثناء البحرين، فليس هناك يهود من أصول خليجية، وأن يهود البحرين هم أصلا من أصول عراقية وإيرانية، وصلوا البلاد أواخر القرن التاسع عشر.

من ناحية أخرى، يُقدر عدد اليهود في الخليج بحوالي ألف شخص، غير أنه لا توجد إحصاءات دقيقة حول عددهم في كل دولة على حدة. ويشير إبراهيم نونو إلى أن اليهود في البحرين كانوا في حدود 1000 شخص في ثلاثينات القرن الماضي وبدأوا بالمغادرة على دفعتين بعد قرار التقسيم في العام 1947 وتأسيس الدولة الصهيونية على أكثر من نصف مساحة فلسطين، وكذلك أثر حرب حزيران 1967. ويوجد كنيس يهودي في وسط العاصمة المنامة هو الكنيس الوحيد من نوعه في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد تم تشييده في العام 1930، وخضع للترميم ثلاث مرات: سنة 1989 و2006 على نفقة اليهود البحرينيين، والثالثة في العام 2014 على نفقة وزارة الثقافة البحرينية. وفي ديسمبر / كانون أول 2015 أقيم أول احتفال رسمي بعيد الحانوكا، وهي المرة الأولى التي تضاء فيها شموع العيد في الكنيس منذ العام 1948.

إن تأسيس هذه الرابطة يُذكّر العرب ببدء تشكل الوجود الصهيوني في فلسطين وتأسيس المنظمة الصهيونية العالمية نهاية القرن التاسع عشر برعاية بريطانية ترجمة لوعد بلفور 1917 ثم في الدعم اللامحدود الذي قدمه الانتداب البريطاني للعصابات الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين وتعبيد الطريق لقرار الامم المتحدة بتأسيس الدولة الصهيوني عام 1947.

السؤال البديهي في هذا السياق: هل هي صدفة أن تتشكل رابطة يهودية خليجية بعيد التوقيع على اتفاقيتي التطبيع مع أبو ظبي والمنامة، والسعي للتوقيع على غيرها؟ أم أن الأمور تأخذ مساراتها في ظل الوهن العربي والتغلغل الصهيوني في كل مفاصل الحياة العربية؟

في أتون الصراع الوجودي لا شيء يخضع للصدفة. كل شيء حدث في المنطقة منذ أكثر من ثلاثة عقود قد تم التخطيط له، وأفرز نتائج معينة يراد استخدامها لأهداف واضحة المعالم في عملية الصراع العربي الصهيوني.

3- الاختراق الصهيوني

لم يكن الاختراق الصهيوني بتوقيع اتفاقيات التطبيع مع دولتين خليجيتين وليد اللحظة، بل هو أمر جرى الترتيب له منذ زمن طويل، وكان يطبخ على نار هادئة بعيدا عن العلن. فعلى المستوى البحريني، لوحظ في السنوات الأخيرة، زيادة النشاط الدبلوماسي البحريني الذي تُرجمت من خلاله التصريحات المؤيدة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتمثل ذلك في إطلاق وزير الخارجية البحريني السابق الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة تصريحات واضحة في هذا الشأن، خصوصا عندما تشن قوات الاحتلال الصهيوني عدوانا على سوريا أو على العراق أو على لبنان، نراه يسارع إلى الإعلان عن حق "إسرائيل" في "الدفاع عن نفسها"، مرددا ما تقوله دائما الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

ولإنعاش الذاكرة ونفض الغبار عنها، نرصد هنا بعض المواقف والمحطات التي تشير إلى السعي للتطبيع مع الكيان الصهيوني في العقود الثلاثة الماضية:

- في 1994، قام وفد دبلوماسي صهيوني برئاسة وزير البيئة آنذاك، يوسي ساريد، بزيارة البحرين للمشاركة في مؤتمر حول قضايا البيئة.

- في العام 1996، افتتحت كل من قطر وسلطنة عمان مكاتب تجارية للكيان في عاصمتي البلدين.

- في يناير 2000، التقى مسؤول بحريني رفيع في دافوس، الرئيس الصهيوني حينها، شمعون بيريز، وبحث معه كيفية تعزيز التعاون بين الطرفين.

- في ديسمبر 2008، حدث لقاء بين مسؤولين بحرينيين ومسؤولين صهاينة سراً في نيويورك.

- في ديسمبر 2016 قام وفد صهيوني، تحت غطاء اليهود الأمريكان، بزيارة البحرين وقد أثارت زيارته ضجة واسعة ورفضا قاطعا في أوساط المجتمع البحريني، خصوصا أثر قيام الوفد بالغناء والرقص في مجلس أحد التجار الذي استضافهم في منزلة، مما أجبر صاحب المجلس على تقديم الاعتذار للشعب البحريني وتأكيده على رفضه التطبيع مع الكيان.

- هذا الوفد الذي يمثل حركة حباد الصهيونية المتطرفة، قام أيضا بالرقص في باب البحرين لما يعنيه هذا الموقع من رمزية للبحرينيين، والغناء على وقع كلمات "بناء الهيكل على أنقاض الأقصى"، لكن الشباب البحريني سارع إلى كنس وتطهير المكان الذي رقص فيه الصهاينة.

- في مايو/أيار 2017 قام وفد من الاتحاد الصهيوني لكرة القدم بحضور اجتماع كونغرس الفيفا، الذي استضافته البحرين، ولم يتمكن مجلس النواب من إصدار بيانا يستنكر هذه الزيارة، لكن الموقف الشعبي كان رافضا لهذه الخطوة التطبيعية.

- في ديسمبر 2017 قام وفد من إحدى الجمعيات المحسوبة على الجانب الرسمي، بزيارة لمدينة القدس تحت يافطة زيارة الأماكن المقدسة، وكان بينهم رجال دين، وقد جوبهوا برفض المقدسيين لهذه الخطوة التطبيعية، كما رفضت من قبل الشعب البحريني بمختلف مكوناته المجتمعية.

- في مايو 2018 دافع وزير خارجية البحرين، حينها، عن حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها عبر تدمير "مصادر الخطر"، وذلك في تغريدة له عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، بعد ساعات من إعلان تل أبيب استهداف 50 موقعًا تابعًا للقوات الإيرانية في سوريا.

- وفي مايو 2018 أيضا شارك دراجين بحرينيين في ماراثون أُقيم في الكيان الصهيوني، الأمر الذي اعتبرته اللجنة الفلسطينية الأولمبية "سابقة تنطوي على درجة عالية من الخطورة تصل حد الخيانة العظمى لنضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته"، كما ووجهت باستهجان الشعب البحريني ورفضه.

- في 2018 عقد لقاء بين وزير صهيوني ومسؤول بحريني في تل أبيب.

- في 15 أبريل 2019، استضافت مملكة البحرين النسخة الحادية عشر من مؤتمر ريادة الأعمال العالمي، بحضور 170 دولة ونحو 3000 مشارك من مختلف دول العالم، وشارك الكيان الصهيوني في المؤتمر بوفد قارب الثلاثين شخصا، وكانت دعوة الكيان بمثابة بالون اختبار لقياس ردة الفعل الشعبية في البحرين على دعوة الكيان ومشاركة أفراد ومؤسسات بحرينية في هذا المؤتمر، حيث تمكنت مؤسسات المجتمع المدني من إحداث فرق بتحركها المعارض لاستضافة صهاينة في مؤتمر البحرين.

- في نهاية يونيو2019 استضافت البحرين ورشة العمل التي اعتبرت الشق الاقتصادي لصفقة القرن المشبوهة، وقد حضرها وفد من الكيان الصهيوني رغم الاعتراض الشعبي، وقاطعها الفلسطينيون بكل مكوناتهم، مما أدى إلى فشلها في تحقيق مآربها.

- في أواخر يونيو 2019، قال وزير خارجية البحرين، في تصريحات لصحيفة "تايم أوف إسرائيل" التي حضر مندوبين لها ورشة المنامة: إن "إسرائيل وُجدت لتبقى، ولها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة".

- في مطلع ديسمبر 2019 قام الحاخام الأكبر السابق للكيان "شلومو عمار" بزيارة إلى البحرين للمشاركة في مؤتمر لرجال الدين حول العالم، بحضور ممثلين عن بعض الدول العربية والأجنبية بينها الولايات المتحدة وروسيا والهند.

- في نهاية ديسمبر 2019 شارك وفد من الخارجية الصهيونية في مؤتمر الملاحة في الخليج العربي استكمالات لمؤتمر وارسو.

- في مايو/أيار 2020 تم ايقاف ندوة لجمعية الشباب الديمقراطي مخصصة للحديث عن مخاطر التطبيع على بلدان الخليج العربي، وذلك بأمر من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية المسؤولة عن نشاط الجمعيات الأهلية.

- في نهاية سبتمبر/أيلول 2020 تلقت جمعية مقاومة التطبيع رسالة من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تحذرها من تنظيم أي فعالية قبل عقد مؤتمرها وانتخاب جمعية عمومية جديدة، علما أن الجمعية عقدت مؤتمرها وانتخبت مجلس ادارتها، إلا أن الوزارة لم تعترف بثلاثة من أصل سبعة أعضاء جدد، وذلك على خلفية قرارات العزل التي طالت معارضين سياسيين.

- في منتصف سبتمبر أيلول 2020 وقعت اتفاقية التطبيع الإماراتية الصهيونية كما تم التوقيع على تفاهم مع البحرين لتوقع اتفاقية التطبيع بين تل أبيب والمنامة بعد 35 يوم من حفلة البيت الأبيض.

- في أكتوبر 2020، تم التوقيع في المنامة على اتفاقية تطبيع العلاقات بين البحرين والكيان وتم التوقيع على عدة اتفاقيات للتعاون بين الكيان والبحرين، في ظل رفض شعبي للخطوات الرسمية التي أقدمت عليها الحكومة البحرينية.

- -في ديسمبر 2020 وقعت البحرين مع الكيان على اتفاق للتعاون في قطاع السياحة.

- في 2 فبراير شباط 2021 الجاري، اتفق وزير الداخلية البحريني مع وزير الأمن الداخلي الصهيوني أمير أوحانا على التعاون المشترك بين البلدين، ودعا كلا منهما لتبادل الزيارات، وقد وصفت القناة (20) الصهيونية المكالمة التي تمت عبر الاتصال المرئي بأنها "دافئة وودية"، بينما قالت وكالة أنباء البحرين أنه تم الاتفاق على مجالات التعاون "وتبادل الخبرات بين الجانبين الصهيوني والبحريني".

يتضح من هذا الرصد أن محاولات تطبيع العلاقات مع الصهاينة ليست عشوائية إنما هي مدروسة وممنهجة، وتسير وفق برنامج محدد يستهدف الموقف الشعبي الرافض للتطبيع، بينما يرى وزير الخارجية البحريني السابق أن "إسرائيل وجدت لتبقى ولها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة"، فعن أي حدود يتحدث معالي الوزير، وهي لم تحددها؟!

4- مقاومة التطبيع

- تعود حركة مقاومة التطبيع في دول مجلس التعاون إلى بدايات تشكل الكيان الصهيوني، لتصل إلى ستينيات القرن الماضي حيث صدر قرار مقاطعة البضائع الإسرائيلية على المستوى العربي، وتأسست في مختلف الجمارك العربية مكاتب مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وقد التزمت به دول الخليج العربي، كما ساهمت مؤسسات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية في إحياء التضامن مع الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانب نضالاته المشروعة ومنها مقاومة التطبيع والوقوف ضد اتفاقية كامب ديفيد (1979) وضد اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية (1993) وضد اتفاقية وادي عربة مع الأردن (1994).

- وتجسيدا لروح التضامن مع الشعب الفلسطيني عقد في مايو/أيار 2001، المؤتمر الخليجي لمقاومة التطبيع مؤتمره الأول في الكويت، وقد حضره ضيوف عرب منهم المرحوم فيصل الحسيني الذي توفى أثناء المؤتمر.

- استضافت الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني المؤتمر الخليجي الثاني في البحرين في العام 2002 ودعت له عشرات الشخصيات العربية من مختلف الدول العربية.

- أكدت منظمات المجتمع المدني البحرينية أن شروع الجانب الرسمي البحريني في عملية التطبيع هو توجه منفرد لا يتمتع بالدعم الشعبي ولا يعبر عن موقف البحرينيين بمختلف فئاتهم الاجتماعية ومكوناتهم السياسية. فهم يرفضون كل أشكال التطبيع مع الكيان.

ندرك أن البحرين الرسمية تسير ضمن منظومة خليجية يؤثر بعضها على القرار الوطني ويدفع باتجاه التطبيع، لكن الغالبية الساحقة من الشعب البحريني تقف إلى جانب الحق الفلسطيني وترفض الصفقات والاتفاقيات المعلنة منها والسرية التي تتم معه. كما أن الشعب البحريني يقف إلى الجانب الصحيح من التاريخ.. ويتخذ الموقف الصائب إزاء القضية المركزية للأمة.

- خلال السنوات العشرين الماضية، قامت الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني (تأسست عام 2000)، بالكثير من النشاطات والفعاليات التوعوية التي تحذر من الانزلاق نحو التطبيع مع الكيان الغاصب، ووضعت العديد من البرامج وذهب عناصر الجمعية للمدارس وعقدوا الندوات التوعوية للطلبة، كما نظمت العديد من المؤتمرات والمسيرات والاعتصامات من أجل قطع الطريق على توجهات التطبيع ولرفع منسوب مقاطعة الكيان وداعميه.

- على صعيد الجانب الشعبي، أطلقت مؤسسات المجتمع المدني "المبادرة البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني"، تمثل فيها اتحاد العمال والاتحاد النسائي والمنظمات الشبابية والسياسية والاجتماعية الحقوقية والقانونية، أكدت جميعها على تمسكها بالحق الشرعي التاريخي لشعب فلسطين في تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس.

- خلال العقود الماضية، أكد البحرينيون بمختلف مكوناتهم وفئاتهم الاجتماعية رفضهم القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيوني واعتبروه فعل مشين يرتقي إلى مستوى الخيانة، وأكدوا على أن محاولات تشويه هذا الموقف يشكل جريمة بحق الشعب البحريني.

- قامت مجموعة المبادرة بالعديد من الأنشطة الهادفة لوقف مسلسل التطبيع مع الكيان تحت عناوين دولية تتعلق بالاقتصاد والفرص المتاحة.

الخلاصة:

صحيح أن هجمة التطبيع التي قادها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالتنسيق مع نتنياهو، كانت هجمة منظمة ومنسقة مع الكثير من الأطراف التي وقعت اتفاقات التطبيع ومع دول لم توقع بعد، إلا أن حركة مقاومة التطبيع كانت أيضا قوية، وحدّت من الآثار السلبية وأسهمت في حصر التطبيع على دولتين خليجيتين، في الوقت الراهن، على الأقل، ما يضع أمام مناهضي التطبيع الكثير من المهام والعمل المضني، تجاه هذه القضية المقدسة. أولى المهام هي بث الوعي ونشره في صفوف الشباب الخليجي وتحصينهم من لوثة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد تم تحقيق نجاحات ملموسة في هذا الجانب، حيث يقوم الشباب الخليجي اليوم بدور كبير في مناهضة التطبيع، فشكل له منصة ائتلافية قوامها مجموعة من شباب دول مجلس التعاون الخليجي المؤمنين بالقضية الفلسطينية وبضرورة مواجهة التطبيع والحد من آثاره السلبية وسط الشباب. كما أنه صحيح أيضا، أن دولتين خليجيتين قد تم اختراقهما بالتطبيع وعقد اتفاقيات عديدة بينهما وبين الكيان الصهيوني، إلا أن الصحيح أيضا أن هذا الاختراق ورغم شراسته لم يمتد للحس الشعبي ووجدانه، بل على العكس من ذلك، فالموقف الشعبي الخليجي لا يزال متماسكا ومناصرا ومدافعا عن القضية الفلسطينية ويواجه التطبيع بكافة أشكاله، ولا يزال المطبعون محاصرين رغم التهويش الإعلامي. إن التآزر المطلوب يحتاج إلى عمليات تشبيك كبيرة بين شعوب الخليج فيما بينها، وبينها كمنظومة وبين الدول العربية في مشرق الوطن العربي ومغربه، والتركيز على التشبيك والتواصل مع فلسطين حيث يكمن مركز الصراع.

لقد كشفت التحركات الأخيرة للتطبيع الكثير من المعلومات والمخططات التي تحاك للمنطقة الخليجية والعربية، أهمها سعي الكيان المحموم لاستبدال العدو الرئيسي للأمة المتمثل في الكيان الصهيوني بأعداء آخرين لا يجدهم المواطن الخليجي أعداء. فرغم الحملات الإعلامية والتوتر وحملات العلاقات العامة، إلا أن كل ذلك لم يغير من حقيقة واضحة بالنسبة لنا في الخليج، مفادها أن الكيان الصهيوني هو العدو الرئيسي للأمة، وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية التي يتوجب تقديم التضحيات الجسام من أجل انتصارها وتحقيق أهداف الأمة في التحرير وكنس الاحتلال من فلسطين وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس.

* قدمت في مؤتمر "متحدون ضد التطبيع" المنعقد بتاريخ: 20-21 شباط-فبراير2021.