Menu

فلسطين تعلن حاجتها الملحة والعاجلة جداً إلى أزمة ضمير وأخلاق ومواقف وطنية وقومية

دراسة توثيقية عن الحركة الفلسطينية الأسيرة بمناسبة يوم الأسير: مليون سنة اعتقالية فلسطينية وراء القضبان الصهيونية

نواف الزرو

صورة تعبيرية

خاص بوابة الهدف

* الاحتلال يبتدع سياسات "الاعتقالات والمحاكمات الجماعية"، بهدف تفكيك واضعاف صلابة جدران المجتمع الفلسطيني.

* للأسرى الفلسطينيين "قصص وحكايات طويلة إن خُطت على ورق ستملأ عشرات المجلدات، فلكل أسير منهم أم لها دموع ذُرفت لتكتب بها عشرات القصص.

* يجمع الفلسطينيون هناك على "أن سنوات الأسر الطويلة لم ولن تكسر إرادة الأسرى ولن تفت من عزائمهم، فبعد كل هذه السنوات الطوال يظل الأسرى عنواناً للصمود والتحدي وتنتصر إرادتهم على سجانيهم".

 في إطار حربها الشاملة الاقتلاعية الإلغائية الاحلالية على الشعب العربي الفلسطيني والقضية الفلسطينية، تبتدع دولة الكيان الصهيوني دائماً المزيد والمزيد من سياسات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين التي تشتمل من ضمن ما تشتمل عليه المحارق والمجازر الجماعية والتهجير-الترانسفير- الجماعي لأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، في الوقت الذي تشن فيه حرب إبادة سياسية ضد القضية والملفات والحقوق الفلسطينية، كي يتسنى لها في نهاية الإمر الإجهاز عليها وتثبيت اختراع وبقاء واستمرار ذلك الكيان لأطول مدة زمنية ممكنة.

وفي هذا الإطار والسياق التطهيري الإبادي ابتدعت الدولة الصهيونية ما يمكن أن نطلق عليها "فلسفة العقوبات والاعتقالات والمحاكمات الجماعية"؛ الرامية إلى تفكيك وتهميش واضعاف صلابة جدران المجتمع الفلسطيني المقاوم. وفي سياسة الاعتقالات الجماعية، ووفق تقرير عن الأسرى الفلسطينيين، فإنه لم تعد هناك عائلة فلسطينية إلا وتعرض أحد أو جميع أفرادها للاعتقال، وهناك من تكرر اعتقالهم مرات عديدة، حتى أن "الاعتقال والسجن والتعذيب"؛ أضحت من المفردات الثابتة في القاموس الفلسطيني، وجزء من الثقافة الفلسطينية.

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي في هذا الصدد، أن حملات الاعتقال المتكرر التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل يومي، في مناطق الضفة الغربية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، تهدف إلى فرض الهدوء، عبر اعتقال مواطنين فلسطينيين، تدعي قوات الاحتلال أنهم "يخططون لأعمال ضد إسرائيل". وقال مراسل الإذاعة للشئون العسكرية "تال عفران": "أن عمليات الاعتقالات تتم بصورة يومية، بحيث لا تكاد تخلوا النشرات الإخبارية في كل يوم من خبر اعتقال لمواطنين فلسطينيين من مختلف المناطق في الضفة الغربية"، ونقل المراسل عن أحد الضباط الإسرائيليين المشاركين في عمليات الاعتقال قوله: "كما هو الحال في كل ليلة، نحن نقوم الآن بحملة اعتقالات في صفوف المطلوبين، والعناصر الإرهابية منتهزين بذلك حالة الطقس الممطرة والباردة، هذه العمليات تعتبر بمثابة قص العشب قبل أن يكبر ويصبح شوكاً".

تستهدف دولة الاحتلال من وراء الاعتقالات الجماعية التضييق على الأسرى والإنتقام منهم ومن شعبهم، ومحاولة إذلالهم وإفراغهم من محتواهم الوطني والثوري وقتلهم ببطئ شديد؛ نفسياً ومعنوياً، وإن أمكن جسدياً أو توريثهم لبعض الأمراض لتبقى تلازمهم داخل الأسر أو لما بعد التحرر، وتحويلهم الى عالة على أسرهم ومجتمعهم. هذا في ظل اصرار الأسرى على وحدتهم وحقوقهم وتمسكهم بمبادئهم وبالإهداف التي ناضلوا واعتقلوا من أجلها، وفي هذا الصدد خاضوا مئات الخطوات النضالية الإحتجاجية وعشرات الإضرابات عن الطعام التي يطلقون عليها "معارك الأمعاء الخاوية" دفاعاً عن حقوقهم وكرامتهم وحققوا العديد من الإنجازات والإنتصارات بدمائهم وتضحياتهم.

   الملف الأهم والأخطر

واستتباعاً لذلك، يجمع الفلسطينيون على امتداد فلسطين على أن قضية الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال هي الأهم وهي التي تحظى بالأولوية العليا، وملفها هو الأخطر، فبدون حل هذا الملف ستبقى كل الملفات الأخرى بلا حل، وبالتالي فإنها تحتل قمة الأجندة الوطنية الفلسطينية، ويفترض أن تحتل أيضاً قمة البرنامج الوطني الكفاحي الفلسطيني، وقمة أجندة المفاوضات الفلسطينية مع الاحتلال. وكما ثبت عبر العقود الماضية، فإن هذه القضية شائكة ومعقدة وعبارة عن حقل مرصوف بالألغام، فهم ليسوا مجرد أرقام يحملونها في المعتقلات، وكذلك ليسوا أشخاصاً عاديين، وإنما هم جزء عضوي حيوي من الشعب الفلسطيني، وهم طليعته النضالية الجهادية، وأكثر من ذلك فهم في الحسابات الفلسطينية؛ صناع النضال والتاريخ والتحرير والاستقلال العتيد...!

وعلى هذه الأرضية تحديداً؛ تتعاطى دولة الاحتلال معهم ومع ملفهم باعتباره الأهم والأخطر، وتعمل على تفكيك هذا الملف وتهميشه واجبار الفلسطينيين على نسيانه، ولذلك وضعت تلك الدولة ما أطلقت عليه "المعايير الخاصة بالأسرى الفلسطينيين"، فهي رفضت وترفض الإفراج على سبيل المثال عن الأسرى الفلسطينيين من الوزن الثقيل من القادة الكبار أو من أولئك الذين تطلق عليهم "أن على أيديهم دماء" أو "أن أيديهم ملطخة بالدماء اليهودية"... الخ.

ولهؤلاء الأسرى الفلسطينيين القدامى "قصص وحكايات طويلة، وإن خُطت على ورق ستملأ عشرات المجلدات، فلكل أسير منهم أم لها دموع ذُرفت لتكتب بها عشرات القصص، وأشقاء فرقتهم الأسلاك الشائكة ومزقت أوصالهم جدران السجون، وللأسرى أصدقاء وجيران اشتاقوا لرؤيتهم وعانوا من فراقهم، وللأسرى أطفالاً تُركوا دون أن يستمتعوا بحنان آبائهم ودفء أحضانهم، وكبروا واعتقلوا ليلتقي الآباء الأسرى بأبنائهم خلف القضبان، كما هي حالة الأسير أحمد أبو السعود الذي ترك ابنه طفلاً ليلتقيه بعد عشرين عاماً في الأسر".

ويجمع الفلسطينيون هناك على "أن سنوات الأسر الطويلة لم ولن تكسر إرادة الأسرى ولن تفت من عزائمهم، فبعد كل هذه السنوات الطوال يظل الأسرى عنواناً للصمود والتحدي وتنتصر إرادتهم على سجانيهم".

أما عن أعداد الأسرى القدامى والكبار الذين يخضعون للمعايير الإسرائيلية فحدث...!

إن أعدادهم متحركة من يوم ليوم ومن أسبوع لأسبوع ومن سنة لسنة، فهناك المئات من الأسرى الذين أمضوا في معتقلات الاحتلال أكثر من خمسة عشر عاماً، وغيرهم أمضوا أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وبعضهم تجاوز الاثنتين والثلاثين عاماً، ومنهم من أمضى حتى اليوم نحو أربعين عاماً في معتقلات الاحتلال، وكلهم يطلق عليهم اليوم أسرى من الوزن الثقيل، ويطلق عليهم أيضاً "عمداء الأسرى" و "مانديلات فلسطين"، بل إن المعطيات الفلسطينية تتحدث عن اعتقال نحو 300 ألف فلسطيني خلال الانتفاضة الشعبية عام 1987، ونحو 100 ألف فلسطيني منهم نحو عشرة آلاف امرأة وشابة خلال انتفاضة الاقصى/2000، وتتحدث المعطيات بالإجمال عن نحو مليون سنة اعتقالية فلسطينية وراء القضبان الصهيونية، وذلك بزج نحو "25% من أبناء الشعب الفلسطيني في  سجون ومعتقلات الاحتلال في عملية وصفت بـأنها  "أكبر عملية اعتقال شهدها التاريخ الحديث".

سجل الاعتقالات على مدى أربعة وخمسين عاماً

وعن أعداد الأسرى الذين تعرضوا إلى الاعتقال منذ الاحتلال عام 1967؛ فقد بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر آذار 2021 نحو (4450) أسيراً، بينهم (37) أسيرة؛ فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين نحو (140) طفلاً، وعدد المعتقلين الإداريين نحو (440) معتقلاً، وبلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري الصادرة خلال شهر آذار (105) أمر اعتقال، بينها (28) أمراً جديداً، و(75) تمديداً. كما أن عدهم بلغ لغاية أواخر آذار/ مارس 2019 ووفقاً لتقرير لنادي الاسير الفلسطيني في 17/04/2019، نحو 1,000,000 فلسطيني/ة مرّوا بتجربة الاعتقال منذ العام 1967، ونحو 5,700 أسير وأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 250 طفلاً، 36 طفلاً مقدسياً قيد الاعتقال المنزلي و5 قاصرين محتجزين بما تسمى "مراكز الإيواء"، و 47 أسيرة، و 6 نواب، و 500 معتقل إداري، و 700 أسير مريض، بينهم 30 حالة مصابة بالسرطان.

نائل البرغوثي وماهر وكريم يونس أقدم الأسرى

وجاء في تقرير نادي الأسير الفلسطيني أن هناك 56 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً بشكل متواصل، 26 أسيراً (قدامى الأسرى)، معتقلون منذ ما قبل "اتفاقية أوسلو"، أقدمهم الأسيرين كريم وماهر يونس وهما بالأسر منذ 37 عاماً، وكذلك الأسير نائل البرغوثي وهو أقدم أسير، وقد خاطبته زوجته الأسيرة المحررة أمان البرغوثي بمناسبة عيد ميلاده ال 62 وعشية دخوله في عامه ال 40 خلف القضبان بعدما أعاد الاحتلال اعتقاله إثر تحرره في صفقة "وفاء الأحرار"؛ قائلة: "كل يوم وكل لحظة وأنت بخير.. وستكون بخير بإذن الله أنت وباقي الأسرى.. وإن شاء الله نحتفل قريباً بحريتك وعودتك إلينا سالماً ومنتصراً".

وأورد نادي الأسير في تقرير له أن 570 أسيراً يقضون بالسّجن المؤبد لمرة واحدة أو عدة مرات، وأن 218 شهيداً من الحركة الأسيرة ارتقوا منذ العام 1967، بينهم 73 شهيداً ارتقوا بسبب التعذيب، و63 شهيداً ارتقوا بسبب الإهمال الطبي، و 7 أسرى استشهدوا بسبب القمع وإطلاق النار المباشر عليهم من قبل الجنود والحراس، 78 أسيراً استشهدوا نتيجة القتل العمد والتصفية المباشرة والإعدام الميداني بعد الاعتقال مباشرة.

ووفق تقرير نادي الأسير الفلسطيني: "اعتقل كريم يونس في 6/1/1983 وحكم عليه بالسجن المؤبد الذي حدد فيما بعد بـ40 عاماً، وقد كان يفترض أن يتم الإفراج عنه خلال الدفعة الرابعة وفق التفاهمات التي أبرمها الرئيس الفلسطيني مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي والتي تقضي بالإفراج عن كافة الأسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقيات أوسلو، ولكن حكومة الاحتلال تنصلت من الإفراج عن الدفعة الرابعة والتي كانت تتضمن 30 أسيراً منهم 14 أسيراً من الداخل الفلسطيني وهم الأقدم في السجون".

وفي تفاصيل سجل الاعتقالات، قد سجلت منذ العام 1967 وحتى بدء الانتفاضة الأولى قرابة 420 ألف حالة اعتقال، أي بمعدل 21 ألف حالة اعتقال سنوياً، ثم ارتفع معدلها خلال سنوات الانتفاضة (من 9 كانون أول 1987 ولغاية منتصف العام 1994) إلى 30 ألف حالة اعتقال سنوياً، أي قرابة 210 آلاف حالة اعتقال، ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى تاريخه، فإنه يسجل ما يقارب الـ 7000 حالة اعتقال سنوياً".

وفي تصريح له، قال عيسى قراقع؛ إنّ قانون الاعتقال الإداريّ الموروث عن قوانين الطوارئ البريطانيّة لا زال سيفًا يلاحق أبناء شعبنا الفلسطيني، حيث بلغت حالات الاعتقال الإداري 30 ألف حالة منذ عام 2000 - 29/10/2017-".

وأشار قراقع إلى أنّه منذ صدور وعد بلفور المشؤوم والانتداب البريطانيّ؛ تأسس نظام قمع وحشي بحق الأسرى ورثته سلطات الاحتلال الإسرائيلي ولا زالت تعمل به وبشكل أوسع ومن ضمنها الاعتقال الإداريّ التعسفيّ.

200 ألف محاكمة عسكريّة منذ 1990

وعلى نحو أوسع، أعلنت وزارة الأسرى الفلسطينيّة في تقرير لها "أن عدد الأسرى الذين حوكموا في المحاكم العسكرية الاسرائيليّة منذ العام 1990 وصل إلى 200,000"، وبين التقرير أنه "تمت محاكمة مئات الآلاف من الأسرى في المحاكم العسكريّة منذ تأسيسها العام 1967، وحسب المعطيات المعروفة فإنّ 850 ألف فلسطيني حوكموا في هذه المحاكم منذ بداية الاحتلال، وفي الفترة الواقعة بين 1990 – 2009، حوكم في هذه المحاكم 200,000 أسير".

وأوضح التقرير "أن قاعات المحاكم العسكرية المحاطة بأسوار القواعد العسكرية المحمية، تعمل ومنذ بداية الاحتلال تحت جنح ظلام دامس، والأحكام الصّادرة فيها لا تثير نقاشاً أو جدلاً جماهيريًّا داخل إسرائيل، ولا في المجتمع القضائيّ والأكاديمي، وهناك صمت "مخيف" من القانونيين الإسرائيليين على ما يجري في تلك المحاكم التي تشبه المقصلة".

ويشار هنا إلى أن هذه المحاكم تمثل الساحة الخلفية لإسرائيل، وتعتبر العمود الفقري لجهاز سلطة الاحتلال، في الأراضي المحتلة، بل إنّ الاحتلال يكرس وجوده بتشريعات عسكرية وعنصرية مخالفة لأبسط قواعد القانون الدولي، وترفض المحاكم تطبيق تعليمات القانون الدولي، رغم أن القوانين الدولية تلزم الدول المحتلة بتطبيقها، ومن المستحيل أن تتمكن هيئة دفاع من دحض الاتهامات أمام محاكم الاحتلال.

294 ألف فلسطيني خاضوا تجربة الاعتقال منذ انتفاضة 1987

وعلى نحو مكمل، أكدت اللجنة الوطنية العليا لنصره الأسرى "أن الاحتلال اختطف ما يزيد عن (294) ألف مواطن فلسطيني منذ اندلاع الانتفاضة الأولى في الثامن من ديسمبر 1987م، بينهم (210) آلاف حالة اعتقال من بداية الانتفاضة حتى قدوم السلطة الفلسطينية في منتصف عام 1994، و(10000) حالة اعتقال ما بين عام 1994 وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000، و(74) ألف حالة اعتقال خلال سنوات انتفاضة الأقصى ولحتى الآن ليصل مجموع من ذاقوا مرارة الاعتقال في سجون الاحتلال (294) ألف مواطن من مختلف الأعمار والفئات والشرائح، بما فيهم النساء والأطفال وأعضاء المجلس التشريعي والأكاديميين والأطباء وطلاب الجامعات".

مليون سنة اعتقالية فلسطينية..!

ويجمل تقرير لاورينت برس المشهد الاعتقالي الفلسطيني قائلاً: "شريعة الغاب في الدولة التي يعتبرها البعض في الغرب واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط: 700 ألف فلسطيني أُوقفوا في الضفة الغربية منذ عام 1967، وأكثر من مليون سنة فلسطينية ضاعت"، مضيفاً: "مَن يصرخ؟ هل المكان فقط هو الذي يضيع هنا أم الزمان أيضاً؟ لا أحد يلتفت إلى ذلك الزمان الفلسطيني المعذب، الموتى الأحياء أم الأحياء الموتى؟"، ويردف:"ماذا إذا علمنا أنه منذ احتلال الضفة الغربية في يونيو 1967 (ومعها القدس الشرقيّة) سجل توقيف نحو 700 ألف فلسطيني مرة واحدة، كثيرون أوقفوا عشرين مرة، هذا يعني أن عشرين في المائة من الشعب الفلسطيني تذوّق طعم السجون؛ الأكثرية هم من الذكور، والنتيجة أن 40 في المائة من الرجال خضعوا لتلك التجربة الهمجية"، موضحاً: "وبحسب احصائيات عام 2006 فإنّ معدل التوقيفات الشهرية يتبدّل بين 369 و573 بينها ما بين 19 و80 توقيفاً تشمل أطفالاً ومراهقين، وهكذا فإنّ الثلاثة والعشرين سجناً مركزياً في الدولة العبرية لا تفرغ أبداً من زبائنها، لا بل إنه في أحيان كثيرة يوضع "الفائض" في خيم. وحول هذا الأمر كان قد صرح الطبيب "أحمد مسلماني" لصحيفة "لوموند" الفرنسية: أن الذي يحدث بالنسبة إلى تفريغ المعتقلات وملئها أشبه ما يكون بتبديل العملة، هو الذي أُوقف سبع مرات؛ مدداً تصل أحياناً إلى تسعة أشهر". مستخلصا: "إذاً، أكثر من مليون سنة فلسطينية وراء القضبان، حتى إذا ما احتُسبت وسائل القمع الأخرى، بما في ذلك الحصار، والطوابير أمام الحواجز، لكان بالإمكان القول: إنه، منذ عام 1967، ضاع مليون عام فلسطيني".

الحاجة إلى أزمة ضمير وأخلاق

وهكذا ، يتبين لنا عبر هذا الكم الكبير من المعطيات والحقائق، حول سياسة الاعتقالات والمحاكمات الجماعية التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين عامة، وضد الأطفال منهم بخاصة إلى أي مبلغ وصلت الانتهاكات الاحتلالية في هذا الصدد لكافة المواثيق والنصوص القانونية الدولية المشار إليها في أكثر من موقع، في الوقت الذي تكشف فيه أساليب وأشكال ووسائل التعذيب المستخدمة ضد المعتقلين الفلسطينيين وبتصريح قضائي إسرائيلي أيضاً، مدى بشاعة وإرهابية دولة الاحتلال التي لم تزج فقط بما يقارب من مليون فلسطيني في سجونها ومعسكراتها الاعتقالية؛ غير أن معاناة الشعب الفلسطيني لا تتوقف عند حدود القتل والاعتقالات والمحاكمات الجماعية، واعتقال  نحو مليون فلسطيني، وإنما تمتد إلى كافة مجالات الحياة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية؛ فنحن نقرأ الإجماع السياسي الإسرائيلي هناك وراء: "الموت للعرب"، و"فليضرب السجناء الفلسطينيين حتى الموت"، و"لن يعالج أي سجين مضرب في المستشفيات الإسرائيلية"، ولنعود بالتالي إلى بديهيات الصراع الموثقة على لسان رابين  بأنه "صراع بين كيانين"، ولذلك أيضاً ليس غريباً حسب تصريح بالغ الأهمية للسفير البلجيكي لدى "إسرائيل" ولفريد جينز قال فيه: "حولت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أكبر معسكر اعتقال في العالم"، وذلك بغية تحقيق أهم وأخطر هدف لسياسة البلدوزر الصهيوني وهو "الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني".

ولعلنا نثبت في ضوء كل هذه المعطيات حول الحركة الأسيرة الفلسطينية ومسيرة النضال والدم والألم والمعاناة والبطولة للأسرى الفلسطينيين، وفي ضوء معطيات المشهد الفلسطيني كله على امتداد خريطة الأراضي المحتلة التي حولها الاحتلال إلى أضخم معسكر اعتقال على وجه الكرة الأرضية: "أن فلسطين تدق على جدران الصمت والعار العربي، وتعلن حاجتها الملحة والعاجلة جداً إلى أزمة ضمير وأخلاق ومواقف وطنية وقومية، وليس إلى بيانات واستعراضات، وتعلن حاجتها إلى من يتطلع إلى الحقول الخضراء في إنسان يحصد قمح حريته منذ أن حل الاحتلال ولم يتعب".