Menu

ياسمين.. الطلاق خلاصها

صورة تعبيرية

غزة _صباح حمادة

تجلس مفترشة الأرض ، تناثرت من حولها كرات الحرير بألوانها الجذابة , تغرز ابرتها بقطعة القماش مشكلة لوحات فنية ، لتبيعها و تعتاش منها وأطفالها.

ارتشفت العشرينية ياسمين قليلاً من الماء , وعدلت من جلستها وشبكت أصابعها ببعضهما وتنهدت بصوت عالِ قبل أن تبدأ الحديث عن فصول معاناتها ، وهي أم لثلاثة أطفال , حصلت على طلاقها بعد سجال طويل فى المحاكم .

تقول وقد رٌسمت ابتسامة خفيفة على مٌحياها " تم تحديد موعد زفافي قبل حلول عيد ميلادى السادس عشر ، وكدت أطير فرحاً لارتدائى ثوب الزفاف الأبيض , فأنا لا أحب المدرسة , وزواجى سيخلصنى منها  "  كلمات عكست مدى البراءة وقلة الوعي لطفلة صغيرة , لم ترى في الزواج أكثر من غيابها عن مقاعد الدراسة.

تقول ياسمين عن بداية حياتها الزوجية  "كنت سعيدة جداً في البداية لخروجي المستمر برفقة زوجي ,  ولكن هذا لم يدم طويلاً , فأصبح أكثر قسوة وعنفاً معى بعد مدة قصيرة  "

ومضت سنوات رزقت خلالها ياسمين بثلاثة أطفال قبل أن تبلغ الـثالثة والعشرين من عمرها ، مسؤولية مضاعفة حاولت تحملها ، لكنها لم تكن معدة بما فيه الكفاية فقد كانت مجرد _طفلة _ ، تعرضت خلال حياتها الزوجية لمواقف مؤلمة جسدياً ونفسياً فتقول : "خلال سنوات زواجي تعرضت للضرب والإهانة كثيراً , وعندما كنت أخبر أهلي بما يجري كانت كلماتهم دائما تحملني المسؤولية " أنت السبب , اتحملى علشان ولادك , شو بدك تطلقي ؟ ويقولوا بنت فلان مطلقة ".

ما زالت نظرة المجتمعات الشرقية للمرأة المطلقة سلبية ومجحفة بحقها , مما أجبر ياسمين للبقاء تحت عذابات وقهر زوجها , لخوف أهلها من لقب مطلقة ونظرة المجتمع لابنتهم , فتستذكر حادثة لم تستطع نسيانها بدموع منهمرة على خديها " في يوم لن انساه أبداً , جاء زوجي متأخراً بعد منتصف الليل , ودار نقاش بيننا واحتد ليتحول الى مشكلة , وعندها قام بضربي بوحشية ، سقطت عن درج المنزل فاقدة للوعى ، لاستيقظ في المستشفي بعد اجراء عملية لوقف النزيف ". وتتابع وهي تمسح بكفيها دموعها " صدمت مما فعله زوجي بي , ولكن الصاعقة الكبري كانت بتستر عائلتى وعائلته عليه عند سؤال الشرطة عن السبب أخبروهم بأننى وقعت وأنا أنظف درج المنزل "

بعد سنوات مضنية ومؤلمة في محاولة لتجنب لقب " مطلقة " , تطلقت ياسمين أخيراً , فقد استنفذت كل قواها وما لديها من صبر , فجسدها الصغير لم يعد يتحمل المزيد من الضرب والعنف ، ولم يعد لديها المزيد من الدموع التى تذرفها ليلاً.

وحول طلاقها تقول "بعد زواج استمر 10 سنوات ، رأيت خلالها ما لم يره أحد من ضرب وإهانة ، عدت لأهلي متخذة قرار لم أقدر على اتخاذه طوال سنوات , وطلبت الطلاق , وبعد عام كامل قضيته في ساحات المحاكم والقضاء , حصلت على حريتي " .

يذكر أن العام الماضي 2014 شهد أعلى نسبة طلاق في قطاع غزة مقارنة بالأعوام السابقة , وذلك بناءاً على احصائية ديوان القضاء الشرعي بغزة حيث وصلت عدد حالات الطلاق إلى 2627 , وعدد حالات الزواج إلى 16128 .

تتابع ياسمين وهى ممسكة بقطعة من مطرزاتها  " النفقة التى أحصل عليها من طليقى لا تكفيني وأطفالى الثلاثة ، مما اضطرنى للعمل فى المطرزات  لكي أعيش وأطفالى حياة كريمة دون أن أمد يدى لأحد طلباً للمال "

وعند سؤالي , هل ارتحت بعد الطلاق تقول "  نظرة أهلي وأقاربي وكل من حولي لي بأني مطلقة تجعلني في بعض لحظات الضعف أشعر بأن ظلم زوجى وضربه لى أهون, لكني سرعان ماانتفض على نفسي وأقول أن حياة تحت الضرب لا يمكن احتمالها أيضاً, وأحمد الله على تخليصى من عذابات الضرب والإهانة "

ظُلمت ياسمين أولاً عندما سرقوا طفولتها ليزوجوها في سن مبكرة , وثانياً عندما تسترت عائلتها على معاناتها على يدي زوجها , لكن الظلم الثالث كان الأشد قسوة عليها من مجتمع لا يقبل بالمرأة المطلقة وينظر لها بعين من الشك والريبة بدلاً من أن يمد لها يد العون للحياة مرة أخرى بأمان.

** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع "أوقفوا العنف ضد النساء" الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)