Menu

حنا مينا.. الكفاح والفرح الإنساني

د. أحمد الخميسي

حنا مينا

تحل في أغسطس ذكرى رحيل حنا مينا الثالثة، الروائي الكبير الذي فارقنا في 2018، وقد أغنى الأدب العربي بأكثر من ثلاثين رواية وعدد من المجموعات القصصية وسيرة حياة حافلة بالتنوع والعطاء. وفي الستينيات كنا نقرأ حنا مينا جنبًا إلى جنب مع نجيب محفوظ، وقد أثارت رواياته خاصة "الشراع والعاصفة"، و"المصابيح الزرق" اهتمامًا كبيرًا لأسباب فنية وفكرية عميقة.

ذات يوم قال حنا مينا عن نفسه إنه : "كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين"، وقد صورت تلك العبارة حياة الروائي وأيضًا إدراكه لدور الأدب، فقد كانت حياته شاقة منذ الطفولة في لواء الاسكندرون، ثم اللاذقية، وأجبرته الظروف على العمل مصلح دراجات، وجليس أطفال في بيوت السادة الأثرياء، وعامل في صيدلية، وحلاقًا، وحمالًا في الميناء، وارتبط خلال ذلك بالبحر ارتباطًا خاصًا لم يتسنَ لأي أديب عربي ودارت معظم رواياته عن البحر وقال في ذلك ذات يوم: "أكثرية الأدباء العرب لم يكتبوا عن البحر لأنهم خافوا معاينة الموت في جبهة الموج الصاخب، أما أنا فقد كان البحر مهنة أجدادي". وفقط عام 1947 استقر حنا مينا على طريق الأدب في دمشق حين التحق بجريدة الإنشاء حتى أصبح رئيس تحريرها. ويعد حنا مينا من مؤسسي الرواية العربية مع نجيب محفوظ ومع الروائي السوري الكبير عبد السلام العجيلي، وحيدر حيدر، وغيرهما. وقد شكل حنا مينا حلقة خاصة في دور السوريين التاريخي في إغناء الأدب العربي وتجديده، سواء من الشام أو بحضور البعض منهم إلى مصر وتأثيرهم المباشر في الثقافة العربية المصرية،

ففي الصحافة وحدها تأسست أول صحيفة في الاسكندرية وهي "كوكب الشرق" على يد سليم الحموي (نسبة إلى حماة في سوريا) عام 1873، وظهرت كبرى الصحف في القاهرة على يدي الأخوين سليم وبشارة تقلا السوريين بعد ذلك بعامين في 1875، ويرجع البعض بدايات المسرح المصري إلى يعقوب صنوع الشهير ب"أبو نظارة"، رائد المسرح ورائد الصحافة الساخرة الذي أنشأ جريدة "أبو نظارة" عام 1876. وفي الموسيقى والغناء قدم لنا السوريون والشوام فريد الأطرش، ومعجزة الغناء أسمهان، ونجاح سلام صاحبة واحدة من أجمل الأغاني "يا أغلى اسم في الوجود يا مصر"، وأيضا فايزة أحمد التي قال محمد عبد الوهاب عن صوتها إنه "ألماس متكسر"، وقد ولدت ونشأت في دمشق، وتقدمت هناك إلى مسابقة إذاعية لم تنجح فيها، فجاءت مع أسرتها إلي مصر. ماري منيب أيضا، الضاحكة الجميلة، جاءت إلى مصر مع والدتها بحثا عن أبيها الخواجة "سليم" الذي اتجه إلى القاهرة ليضارب في القطن ولما طال غيابه سافرت الأسرة للبحث عنه في القاهرة.

وعندما نستحضر التأثير السوري لا ننسى أنه عندما تعطلت الإذاعة المصرية خلال العدوان الثلاثي على مصر فوجيء العالم بصيحة الإذاعي السوري الهادي البكار من إذاعة دمشق: "هنا القاهرة من دمشق"! إنه تاريخ يؤكد أن مصر طالما نطقت من دمشق، وطالما نطقت دمشق من القاهرة، وحنا مينا في كل ذلك صفحة أدبية رفيعة من دفتر تاريخ مشترك من "الكفاح والفرح الإنسانيين" على حد تعبير حنا مينا.