Menu

جائحة التخلي: أمّا بعد (1)

فادي نعيم بارود

بوابة الهدف الإخبارية

"هذه الجائحة من خيال أزرق، عندما يصبح الخوف معنى مجرداً، والصلافة المفرطة شجاعة، والحب خلاصة الأذى، والثقة حديث موضوع، والصدق والكذب محضران ثبوتيان قابلان للمراجعة، والوهم حقيقة مطلقة، وليس هناك بديل، فاكتشاف التخلي كثقافة أو كفعل غير مرتبط ضرورةً بطبيعة الانسان أو بداية طريق ما أو نهايته، وإنما حوار دائم مع النفس إن قبلت بذلك أم لم تقبل".

إلى المنبوذين، من لا سقف لهم، المختفين في كومة من المشاعر، إلى التيه في نفوس يابسة، إلى الحيرة النادرة في عيون تضحك، إلى جهالة في مواقف الخذلان، إلى انعدام الحميمية في أحاديث المساء، إلى بتر في أحداث الماضي والحاضر، إلى شعور ساذج بالوصول، وإلى الصمت في نهاية المطاف، إلى التؤدة في السير على خطوط الألم، إلى ظلام التجارب، هناك فرصة دائماً، ولن تكون الأخيرة.

من المؤكد أن الإنسان يعيش ضمن مسلسل كبير من الخسارات الفردية والجماعية، وفي كثير من الأحيان عليه أن يدرك هذا المعنى، ليس للتوقف عن الخسارة وإنما ليعرف متى يخسر؟ وكيف؟ ولماذا؟.

الكثير من الخسارات تأتي بغتة والتعقل في إدراكها مضيعة للوقت آنياً، ومعقل إدراكها في أنها محض خسارة دون أي مسكنات، وفهم هذا المعنى على حقيقته بعد وقوعها خسارة أخرى، دون الحديث عن القبول بها أو رفضها فهذه خسارة أخرى أيضاً، وربما الحل هنا البحث عن خسارة أخرى، بمعنى "لا مفر علينا أن نتعلم الخسارة، أن لا مكاسب دوماً ولا حتى فوز ولا حتى هزيمة.

لا نختلف إذا قلنا، إن هذه الأرض بور إذا نظرنا إليها باعتيادية، إلا أنها بعجز بعد عجز تكفل لنا التناغم دون قولبة للصفات والأفعال، هذا طبعاً بعد شيء من المجاراة لفراغاتنا، ونحن نعلق الحجارة على جدراننا، ونراقب سقوطها، بينما ينام الليل من الفزع"، في خيالنا الثري.

وفي حكايات المنبوذ بعد فرصة من نجاة ويأس، هناك الكثير من الطرق الاعتيادية للاختيار، إلا أنه يبقى وحيداً متهماً بقدرته على حب النظر إلى أشيائه، بل جيداً ورصيناً جداً في تثمين أوقات فشله، ويرى ذلك بعيداً عن أوبيرالية التجاوز التي تعرض على مسامعه بشكل درامي.

وفي حال وافق "المفقودون وفاقدو الثقة" وقالوا قول المرحلة بجدوى الانهيار أمام جبال كبيرة من التناقض والتجارة في الروح والوجع والفكرة والهدف والطموح والانتكاس والانتصار والحلم، تبدأ المحاكاة الفعلية للسؤال والجواب.

بإدراك ذلك أو حتى بدون، فعلى مقربة من منطقتك الآمنة، حين ينخفض مستوى التوقعات في مناقشة الشخصيات والأفكار والمواقف، يتكون مسرح كامل من الأشياء المعتادة، ما يفسر الحاجة لتجاوز أي نطاق نفسي جملةً وتفصيلاً، ودون تجاهل ذلك هناك ما يثير شهية الانسان دائماً لمناظرة نفسه، وانتقاء أوقات الحماسة، وتقفي أثر الأجوبة، والبقاء متوسطاً بين الانعتاق والاتباع.

اقتباس: "يرى الفيلسوف الألماني هيغل - Hegel أن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي يعي ذاته، باعتباره يوجد كما توجد أشياء الطبيعة، وباعتباره موجوداً لذاته، أما الأشياء الأخرى فإنها لا توجد إلا بكيفية واحدة، وعلى هذا الأساس يجب على الإنسان أن يعيش بوصفه موجوداً لذاته ذلك، لأنه مدفوع إلى أن يجد ذاته ويتعرف عليها فيما يلقاه مباشرة ويعرض عليه من الخارج، وهو يستطيع ذلك حينما يسقط ذاته وتمثيلاته على الأشياء الخارجية، فالإنسان يعمل دائماً على تغيير الأشياء الخارجية لأنه يريد أن يرى ذاته تتحقق بشكل موضوعي".

لماذا التخلي؟ لأنه حالة منطقية من الاستدراج التلقائي وغير المغلق تنشأ ما بين الوعي واللاوعي بما يتفاعل معه الإنسان من منطلقات ترفض الثبات أمام أي نشاط فكري أو تخيلي أو مادي، للدخول ضمن معايير الرفض والقبول، وإصدار الحكم بمعناه الكامل وإسقاطه على المواقف أو التجارب أو الإشكاليات، ولماذا جائحة؟ لأنه فيها الكثير من التغيير والتعري أمام النفس للخروج برؤية أوضح.

لم ننتهِ بعد...