محطّةٌ جديدة تصمُ فيها السلطة الفلسطينيّة آذانها عن دعوات المقاطعة المُطالِبة لها بالانسحاب من معرض "إكسبو دبي 2020" التطبيعي الذي تستضيفه دولة الإمارات بمُشاركة 192 دولة من بينها كيان الاحتلال الصهيوني، والذي تم افتتاحه يوم أمس بشكلٍ رسمي.
خلال الأيّام الماضية، نشرت وسائل إعلامٍ صورًا لجناح فلسطين في المعرض، مما أثار غضبًا شعبيًا فلسطينيًا وخاصّة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أصدرت حركة المقاطعة (BDS) بيانًا طالبت فيه السلطة الفلسطينيّة بالإجابة على سؤال الجماهير الفلسطينية والعربية بشكلٍ واضحٍ ولا لبس فيه: هل السلطة مُشارِكة في معرض دبي إكسبو التطبيعيّ أم لا؟.
نظام الإمارات الاستبدادي لم يكتفِ باستضافة كيان الاحتلال والاحتفاء به فقط، بل استعانت شرطة دبي بشركة "إسرائيلية" لاستخدام طائرات مسيرة Drones لتعزيز الأمن في المعرض، حسبما أفادت حركة المقاطعة في لبنان، كما أنّ كل هذه الوقائع لم تحث عددًا من الدول العربيّة والإسلاميّة ومعهم السلطة الفلسطينيّة على مقاطعة هذا المعرض التطبيعي، والذي يقول عنه المسؤول العام عن الجناح "الإسرائيلي" في المعرض "إلعازار كوهين" أنّ "القيمة المُضافة في هذا المعرض بالنسبة لإسرائيل هي الزائر العربي والمسلم"، لذلك لماذا علينا مقاطعة هذا المعرض؟.
علينا ألا نسمح للتطبيع باختراق الشعوب
يقول عضو الجمعية البحرين يّة لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، غسّان سرحان لـ"بوابة الهدف الإخباريّة"، إنّ "أسوأ ما في التطبيع هذه المرّة من خلال هذا المعرض هو أنّ التطبيع البحريني والإماراتي الرسمي ليس فقط بين الأنظمة كالأردن ومصر، بل يزورون الحقائق من أجل إجبار الناس على التطبيع الشعبي والاجتماعي، وهذا الأكثر أهمية وخطورة".
ولفت سرحان إلى أنّه "وفي ظل أنّنا لا نستطيع منع الأنظمة من التطبيع في ظل غياب الديمقراطيّة، لكن علينا ألا نسمح للتطبيع باختراق الشعوب كما يروّج في البحرين والإمارات وبعض البلدان الأخرى أنّ التطبيع وجهة نظر"، مُؤكدًا أنّ "إكسبو دبي لا يمكن الحديث عنه كحدثٍ منفصل عن المشهد بشكلٍ كامل، فهم يدخلون اليوم إلى الشعوب من خلال التكنولوجيا وما يُسمى بالأمن السيبراني لكي يجعلون من الكيان الصهيوني شرطيًا للمنطقة بأكملها من خلال الاتفاقيات المُختلفة".
كما شدّد على أنّ "كل هذه المشاركات والاتفاقيات تأتي من أجل خلق نوع من الشرعية لوجود هذا الكيان في المنطقة ونوع من الأهمية ومحاولة تسويقه اليوم للشعوب مثلما سوّقوا في السابق أعداءً من الوهم مثل إيران التي هي بالأساس عنصر من عناصر المنطقة".
مُشاركة السلطة تجعل مهمّتنا أكثر صعوبة
وحول مشاركة السلطة الفلسطينيّة في "إكسبو دبي"، عبَّر سرحان خلال حديثه مع "الهدف"، عن أسفه لهذه المشاركة، لا سيما وأنّها تجعل من مهمّة مقاومة ومناهضة التطبيع لدينا كعرب أكثر صعوبة، يقول: "على سبيل المثال الرسالة التي نحاول ترسيخها لدى الأجيال المختلفة في عالمنا العربي ونجحنا في ذلك على مدار سنوات طويلة في خلق حاجزٍ مع هذا الاحتلال هي أنّه ليس بيننا وبين هذا العدو سوى لغة القوّة والحرب حتى تحرير كامل الأراضي المحتلة ولا يوجد بيننا أي تعاون على الاطلاق، وأكبر مشكلة نواجهها عند العمل في البحرين مثلاً عندما نطالب بمُقاطعة هذا المعرض أو ذاك يأتينا الرد بشكلٍ فوريٍ (أصحاب القضية هم الذين يفعلون كذا وكذا) وهي ليست أفعال وليدة اليوم بل تراكمات لا سيما وأنّ السلطة الفلسطينيّة هي أكثر من روّج لضرورة زيارة الأراضي المحتلة من خلال معابر يُسيطر عليها جيش الاحتلال، وهي التي كانت تأخذ الناس وتنسّق لهم هذه الزيارات".
يُتابع سرحان حديثه: "هذه معضلة كبرى، وللأسف شارك عدد من المثقفين في البحرين في مثل هذه الزيارات من خلال تنسيق السلطة ودخلوا في تطبيعٍ رسمي من خلال معابر الاحتلال، لكنّنا نعلم تمامًا أنّ السلطة الفلسطينيّة لا تعكس التوجهات أو المزاج الشعبي للشعب الفلسطيني الشقيق في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل والسُبل، فهذه المسألة الرئيسيّة التي تصعّب علينا كعرب هذه المهمّة، وأنّ السلطة هي التي تعطي شرعية للفعل نفسه من خلال ممارساتها وهي التي تكسر الحاجز النفسي وتُشارك في ندوات ومؤتمرات نحن نعتبرها تطبيعيّة".
الرهان دائمًا على الشعوب
وشدّد سرحان على أنّ "الأنظمة العربيّة بشكلها العام هي أنظمة فرّطت بالسيادة الوطنيّة، وكل الخيارات التي تتخذها بالنسبة لشعبها هي لا تمثّل شيء ولا تعطي شرعية للكيان الغاصب على اعتبار أنّ الناس أصلاً تعرف أنّ هذه الأنظمة تأتمر بأمر الأمريكان وهي أنظمة ليست صاحبة قرار كامل"، فيما أكَّد في ختام حديثه مع "الهدف"، على أنّ "الرهان دائمًا على الشعوب في كل المحطات وكل المراحل، وتاريخيًا لم يكن شعبنا يومًا أقل من المسؤوليّة، والمسألة الرئيسيّة التي نسعى للعمل عليها اليوم هي تعزيز الوعي في أوساط الجماهير من أجل تحصين الشعب من مسألة قبول فكرة نقاش التطبيع وإقصاء أي مطبّع خاصّة في ظل أنّ المجتمع البحريني هو مجتمع صغير ومترابط، وقدرنا اليوم مثلما قُدّر لشعب فلسطين أن يكون رأس حربة هذه الأمّة ضد الكيان الصهيوني بشكلٍ مباشر فنحن علينا مهمّة جدًا كبيرة وهي أن نكون رأس حربة الخليج العربي ضد مسألة التطبيع".
جدير بالذكر أنّ معرض "إكسبو دبي2020" يُقام خلال الفترة من 1 تشرين الأول 2021 إلى 31 آذار 2022، بينما أكَّدت حركة المقاطعة (BDS) في بيانٍ لها، أنّ أي مشاركة فلسطينيّة أو عربيّة، رسميّة أو شعبيّة، في هذا المعرض تعد تواطؤًا وتشجيعًا على التطبيع الرسمي بين بعض الأنظمة العربيّة الاستبداديّة والعدوّ الصهيوني.
ويُشار أيضًا، أنّ هذه المشاركات تخدم مساعي التغطية على التحالف العسكري-الأمني الاستراتيجي الناشئ بين النظام الإماراتي الخائن للقضية الفلسطينيّة ونظام الاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد "الإسرائيلي" لتصفية قضيتنا وحقوقنا الأساسيّة، كما تؤكّد (BDS).