Menu

التحدّياتُ الداخليّة في كيان الاحتلال.. من التناقض بين الصهيونيّة واليهوديّة مرورًا بجيش الاحتلال وانتهاءً بفلسطينيي الداخل

زهير أندراوس

نشر في العدد 31 من مجلة الهدف الرقمية

منذ سنواتٍ عدّة يقومُ كيانُ الاحتلال الإسرائيليّ بنشر قائمة التهديدات التي تُواجِهُه. واللافت، أو بالأحرى عدم اللافت، أنّ إيرانَ تتبوّأُ المكانَ الأوّلَ باعتبارها تهديدًا استراتيجيًّا وجوديًّا على الدولة العبريّة، يليها حزبُ الله اللبنانيّ، فيما تحلُّ حركةُ (حماس) في المكان الثالث، وغنيٌّ عن القول: إنّ التقدير الإسرائيليّ يتجاهلُ عن سبق الإصرار والترصّد التنظيماتِ الفلسطينيّةَ الأخرى التي ما زالت تتمسّكُ بالكفاح المُسلّح، مثل الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وحركة (الجهاد الإسلاميّ).

العدوّ الداخليّ... وفشل نظريّة بن غوريون

ولكنْ من خلال مُتابعة الدراسات والأبحاث الصهيونيّة التي نشرتها مراكزُ الأبحاث في الكيان مؤخّرًا؛ يُلاحِظُ المُتتبِّعُ للشؤون الإسرائيليّة حدوثَ انعطافةٍ في لائحة التهديدات؛ إذْ إنّه بعد العدوان البربريّ والهمجيّ الأخير ضدّ قطاع غزّة، الذي اعترفت فيه إسرائيلُ بأنّ التنظيماتِ الفلسطينيّةَ انتصرت عليها في المعركة على الوعيّ، يُلاحَظُ أنّ الدراساتِ باتت تُركِّزُ على العدوّ الداخليّ في الكيان، وللوهلة الأولى يعتقدُ المتابعُ أنّ الحديثَ يجري فقط عن العرب الفلسطينيّين داخلَ ما يُسّمى بالخّط الأخضر، الذين يبلغُ عددُهم أكثرَ من مليون و600 ألف، ولكن للتاريخ نُسجِّلُ هنا أنّ الكيانَ يخشى من الخلافات الداخليّة داخلَ ما يُسّمى بالمُجتمع الصهيونيّ؛ إذْ إنّهم باتوا يُقرّون بأنّ نظريّةَ مَنْ يُطلِقون عليه مؤسّسَ الكيان، دافيد بن غوريون، الذي أراد صهرَ الصهاينة في بوثقةٍ واحدةٍ هي الأمّةُ الإسرائيليّة، فشِلَتْ فشلًا مُدويًّا، وما زال المُجتمعُ الصهيونيُّ منقسمًا على نفسه بين اليهود الذين استجلبتهم الحركةُ الصهيونيّةُ من الدول الأوروبيّة، وبين "الأشقّاء" الذين تمّ استيعابُهم من الدول العربيّة، وعُلاوةً على ذلك، يتأجّجُ الصراعُ بين اليهود العلمانيّين واليهود المُتشدّدين والمتزمّتين، الذين يَرَوْن بالدّين اليهوديّ– وليس بالصهيونيّة– مرجعيّةً لهم.

الجيشُ ليس بقرةً مُقدّسةً

بالإضافة إلى ذلك، يُعدُّ جيشُ الاحتلال الإسرائيليّ بقرةً مُقدّسةً في الكيان، ولكن بحسب المعطيات الصهيونيّة الرسميّة؛ فقد تراجعت كثيرًا نسبةُ الصهاينة الذي يثقون بالجيش ويعتمدون عليه في حال حدوث مُواجهةٍ شاملةٍ مع إيران وحليفاتها، ومردُّ هذا التراجع أيضًا يكمنُ في أنّ الجيشَ يحصلُ على الميزانيّات الهائلة من الحكومة الإسرائيليّة، كما أنّ المؤسّسةَ العسكريّةَ تؤمّنُ للمُتقاعدين الذين أنهوا الخدمةَ مخصّصاتٍ لا تتناسبُ مع سنوات خدمتهم، ومقارنةً مع مخصّصاتٍ أخرى لموظّفين في قطاعاتٍ أخرى، هذا الأمرُ وإصرارُ الجيش كلّ عامٍ على رفعه يُثيرُ حملةً من الانتقادات في وسائل الإعلام العبريّة، ولدى قطاعاتٍ واسعةٍ من الصهاينة، الذين يرَوْن في المخصّصات تبذيرَ أموالٍ لصالح الجيش ومُتقاعديه. وعندما يتحوّلُ الجيشُ إلى فريسةٍ من قبل أولئك الذين كانوا يعدّونه البقرةَ المُقدّسةَ؛ فإنّ أحدَ أهمِّ أركانِ الكيان يكون قد تزعزع.

المجتمعُ الصهيونيّ بعيدٌ عن الانضباط

ولكنْ، العدوّ الداخليّ مع أل التعريف، ونُشدّدُ هنا على أنّ المعلوماتِ مُستقاةٌ من مصادرَ صهيونيّةٍ وازنةٍ، هو عدمُ انضباط الصهاينة داخل الكيان؛ بمعنى: أنّه في حال اندلاع حربٍ شاملةٍ أو عاديّةٍ، يتعرّضُ فيها العمقُ الصهيونيُّ للقصف الصاروخيّ، فإنّ الصهاينةَ بسوادهم الأعظم لن يمتثلوا للتعليمات، ناهيك عن أنّ الملاجئ، كما جاء في تقرير مراقب الدولة العبريّة، ليست جاهزةً وحاضرةً لمواجهةِ الهجوم، وعلى الرغم من التحذيرات من حالة الفوضى العارمة، إلّا أنّ السلطاتِ لا تفعلُ شيئًا من أجلِ حلِّ المشكلة، لا بلْ أكثر من ذلك، جاءت جائحةُ الكورونا لتؤكِّدَ للقاصي والداني أنّ "الإسرائيليّين" لا يأبهون بالتعليمات، ووَفْقَ الإحصاءات، فإنّ أكثرَ من مليونيْ "إسرائيليّ" لم يتلقّوا اللقاحَ ضدَّ هذا الفيروس المستجّد، على الرغم من توفرّه بكثرةٍ ومجانًا.

التناقضُ بين اليهوديّةِ والصهيونيّة

وللتدليل على عمق الانقسام داخل المجتمع الصهيونيّ؛ يجبُ دائمًا التشديدُ على أنّ اليهودَ المُتزمّتين جدًّا كانوا - وما زالوا، وسيبقون - في جبهة رفض الاعتراف بإسرائيل، إذْ إنّه من ناحيتهم؛ الصهيونيّةُ هي عدوٌّ لليهوديّة، وهذا التناقُضُ المفصليُّ لا يُمكنُ حلُّهُ عبرَ تخصيص الميزانيّات الكبيرة لهذه الشريحة الواسعة من اليهود؛ لأنّ القضيّةَ أعمقُ من ذلك كثيرًا.

وهناك مشكلةٌ، لا بلْ معضلة، يُعاني منها كيانُ الاحتلال، وهي العلاقةُ بين الصهاينة في فلسطين المُحتلّة وبين يهود العالم، وبحسب المصادر الإسرائيليّة؛ فإنّه خلال فترة حكم بنيامين نتنياهو، التي استمرّت أكثرَ من عقدٍ من الزمن، ازدادَ الشرخُ القائمُ بين الصهاينة واليهود بشكلٍ عامٍّ، ويهود الولايات المُتّحدة الأمريكيّة على نحوٍ خاصٍّ، إذْ إنّ اليهودَ في أمريكا (وهم ليسوا بالضرورة صهاينة) يؤيّدون بشكلٍ تقليديٍّ الحزبَ الديمقراطيّ؛ لأنّ مواقفَهُ أكثرُ "اعتدالًا"(!) من الحزب الجمهوريّ، ولكن نتنياهو وضع جميعَ البيضات في سلّة الجمهوريّين وتحدّى الرئيسَ الأمريكيَّ الأسبق، باراك أوباما، وكان من أقرب المُقرّبين للرئيس السابق، دونالد ترامب، على الرغم من أنّ هذهِ المواقفَ لا تصُبُّ في مصلحة يهود الولايات المتّحدة.

فلسطينيو الداخل.. هل هم تهديدٌ إستراتيجيٌّ؟

ولكن، كلّ ما ذُكِر آنفًا من أعداءٍ داخليّين لكيان الاحتلال، لا يُعادِلُ – مُجتمِعًا – العدوَّ الحقيقيَّ لدولة الاحتلال، وهم عرب الـ48، أيْ هم الفلسطينيّون الذين يسكنون داخل ما يُطلَقُ عليه الخطُّ الأخضر، الذين وصل عددُهم إلى أكثرَ من مليون وـ600 ألف، لا يشملُ الجولانَ العربيَّ السوريَّ المُحتلّ، و القدس َ العربيّةَ المُحتلّة. وهذهِ الأقليّةُ الأصلانيّة، التي بقيت بعد نكبة عام 1948، تُشكِّلُ  – بنظر صُنّاع القرار في تل أبيب – مشكلةً عويصةً من الناحية الأمنيّة، وبرزت خطورةُ فلسطينيّي الداخل في العدوان البربريّ الأخير ضدّ قطاع غزّة في أيّار (مايو) الماضي، إذْ إنّه خلافًا للتوقعّات الصهيونيّة؛ هبّ العربُ الفلسطينيّون في الداخل المُحتّل تأييدًا لإخوتهم في قطاع غزّة، واندلعت مواجهاتٌ عنيفةٌ بينهم وبين شرطة الاحتلال والمُستوطنين؛ الأمرُ الذي فاجأ الجميع. وهذهِ الهبّةُ عَدّها الصهاينةُ علامةً فارِقةً في العلاقات بين فلسطينيي الداخل وبين "دولتهم"، وبات الخبراءُ والمُحلّلون والمُختصّون يُناقِشون هذا التغييرَ، ويسعون لإيجاد المُبرّرات لتسويغ هذا التصرّف.

وأكثرُ من ذلك، هناكَ العديدُ من الصهاينة الذين يؤمنون بأنّه في حال اندلاع مُواجهةٍ بين الكيان وحزب الله (على سبيل الذكر لا الحصر) وتمكّن حزبُ الله من "احتلال" مستوطناتٍ في شمال الكيان، فإنّ العربَ في إسرائيل – يؤكِّدُ الصهاينة – سينضّمون إلى حزب الله ضدَّ جيش الاحتلال، وبطبيعة الحال، فإنّ هذهِ الأقوالَ تندرِجُ في إطار التحريض الصهيونيّ المُنفلِت على الناطقين بالضاد، داخل كيان الاحتلال وخارجه.

والأخطرُ ممّا سُقناهُ عن فلسطينيّي الداخل؛ هو الحديثُ الجديدُ عن إدخال جهاز الأمن العّام (الشاباك) إلى المجمّعات العربيّة في أراضي الـ48؛ بذريعة محاربة الجريمة المتفشيّة، إذْ إنّه منذ مطلع العام الجاري لقيَ 103 فلسطينيّين عرب مصرعَهم نتيجةَ استفحال الجريمة، في حين لم تتمكّن شرطةُ الاحتلال من فكّ رموز الجريمة، ولا نُجافي الحقيقةَ بتاتًا إذا جزمنا بأنّ كلَّ السلاحِ غيرِ المُرخّص الذي يمتلكه العربُ في الداخل المُحتّل مُوجّهٌ إلى العرب، فإنّ ذلك يصُبّ في المصلحة الاستراتيجيّة للدولة الصهيونيّة، ولكن في حال تمّ توجيهُ السلاح إلى الصهاينة، فإنّ التعاملَ مع الجريمة سيكون مغايرًا.

خلاصةُ الكلام

الكيانُ يعيشُ أزمةً داخليّةً حقيقيّة، وكلّ ما ذكرناه، وجَبَ التأكيد، يستنِدُ لمصادرَ ودراساتٍ صهيونيّةٍ، وإذا قُمنا بجمع التهديدات الخارجيّة مع تلك الداخليّة، فإنّ الكيانَ في أواخر عام 2021، يُحاوِلُ تصديرَ أزماته إلى الخارج، وإيهام الصهاينة بخطورة التهديدات الداخليّة، ولكنّ هذه الاستراتيجيّة لا يُكتَبُ لها النجاح، ومن ثَمَّ نتوقّعُ تفاقمَ الأزمات الداخليّة وتحوُّلَها إلى تهديداتٍ استراتيجيّةٍ خطيرةٍ، والأيّام بيننا.

مراجعٌ: عددُ اليهود في العالم

ذكرت الوكالةُ اليهوديّةُ لإسرائيلَ أنّ روسيا لديها سابعُ أكبرَ عددٍ من السكان اليهود في العالم، فيما تجاوز إجمالُ عدد اليهود في العالم 25 مليونًا.

وبمناسبة رأس السنة اليهوديّة التي حلّت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي أفادت الوكالةُ على موقعها الإلكتروني، بأن 150 ألفَ يهوديٍّ يعيشون في روسيا، وهي في المرتبة السابعة بالنسبة لعدد السكان اليهود بعد إسرائيلَ بـ 6.930 مليون، والولايات المتّحدة بـ 6 ملايين، وفرنسا بـ 446000، فكندا بـ 393000، وبريطانيا بـ 292000، والأرجنتين 175000. كما يعيش في أوكرانيا 43000 يهوديّ، وهي في المرتبة 12، فيما يعيشُ في المجمل خارج إسرائيل 8.3 مليون يهودي. وقالت الوكالةُ في بيانٍ بالخصوص: "يبلغُ عددُ اليهود في جميع أنحاء العالم نحو 15.2 مليون.. تشملُ الأرقامُ أولئك الذين يعرّفون عن أنفسهم على أنهم يهودٌ ولا ينتمون إلى ديانةٍ أخرى. إذا قمنا أيضًا بتضمين أولئك المؤهّلين للحصول على الجنسيّة الإسرائيليّة بموجب العودة، فإنّ العددَ الإجماليَّ للأشخاص في العالم يرتفعُ الى 25.3 مليون، منهم 7.3 مليون يعيشون في إسرائيل، و18 مليونًا خارج إسرائيل"، مشيرةً إلى أنّه – مقارنةً بالعام الماضي وَفْقًا للتقويم اليهودي – زاد عددُ اليهود بمقدار 100 ألف شخص. ويتبيّنُ أيضًا أنّ نحو 27 ألفَ يهوديٍّ آخرين يعيشون في دولٍ عربيّةٍ وإسلاميّة، منهم 14.5 ألف في تركيّا، ونحو 9.5 ألف في إيران، ونحو 2000 في المغرب، ونحو 1000 في تونُس.