Menu

الأسباب الأهداف والنتائج

قراءة سريعة للأحداث الأخيرة في كازاخستان

طارق أبو بسام

بوابة الهدف الإخبارية

في اليوم الثاني من كانون الثاني (يناير) ومع بداية العام الجديد 2022، اندلعت أعمال عنف وشغب واسعة في العديد من المدن الكازاخية، ومن ضمنها المدينة الأكبر الما اتا العاصمة السابقة للبلاد، حيث قام عد كبير من الأفراد والمجموعات وبشكل منظم ممارسة أعمال التخريب والتكسير وقطع الرؤوس، والاعتداء على رجال الأمن، وإشاعة أجواء الفوضى في البلاد، في موقف مماثل لما جرى في سوريا في بداية الحرب على وفي سوريا، بحجة رفع أسعار الغاز.

ورغم القرارات التي اتخذها الرئيس توكاييف، ومنها قرار إلغاء رفع الأسعار على الغاز، وإقالة الحكومة في محاولة منه لنزع فتيل التوتر القائم من خلال الغاء الأسباب التي أدت إليه، إلا أن هذه المجموعات استمرت في أعمال العنف وتوسيعها، ومحاولة السيطرة على المؤسسات الحكومية. ولم تتوقف الأحداث رغم نزع كل مبرراتها، وظهرت الأسلحة في أيادي المحتجين بشكل سريع، وهذا يؤكد أن الأحداث لم تكن عفوية وإنما مخططا لها، مما استدعى أن يقوم الرئيس باتخاذ قرار سريع من شقين، الأول التصدي بحزم لهذه المجموعات وبشكل صارم، حيث قال سأبقى في العاصمة وأواصل الاصلاحات، واعتزم التصرف بأقصى قدر من الصرامة، وأن من نفذ هذه الاعتداءات هم مجموعة من المجرمين وقطاع الطرق مدعومين من الخارج. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الإسراع بطلب المساعدة من دول معاهدة الأمن الجماعي التي تتزعمها روسيا وتشارك فيها كازاخستان، حيث لبت روسيا هذا الطلب على الفور، إدراكا منها لخطورة ما يجري، وضرورة وضع حد فوري له. وبشكل مباشر، كونها لا تريد تكرار تجربة أوكرانيا والانقلاب الذي حصل فيها، ونجاح القوى المعادية لروسيا والموالية للغرب والنتائج التي تمخض عنها كما نراها اليوم.

وقبل الدخول في الأهداف والنتائج لهذه الأحداث، يجب أن نتناول بشكل سريع لماذا تم اختيار كازاخستان لتكون منطلقا لربيع في وسط أسيا لن يكون أقل سوءا من الربيع العربي، بل سيكون أسوأ منه.

تعتبر كازاخستان الدولة التاسعة في العالم من حيث المساحة الجغرافية، حيث تزيد مساحتها عن 2700000 كم مربع، إضافة لم تتمتع به من ثروات هائلة من الغاز والنفط، ووجود الكثير من المعادن وخاصة اليورانيوم، حيث تنتج أكثر من 40% من الإنتاج العالمي لليورانيوم، إلى جانب كل ذلك موقعها الجيواستراتيجي، ووجودها في وسط أسيا وارتباطها بحدود واسعة مع روسيا تزيد عن 7000 كم، وهي أطول حدود ما بين بلدين في العالم، كما تواجد نسبة كبيرة من السكان تصل إلى حدود ال 20% تقريبا من أصل روسي، وبالتالي فإن سقوطها في يد الغرب سيشكل كارثة حقيقية بالنسبة لروسيا. إلى جانب ذلك حدودها الطويلة مع الصين، كل هذا يجعلها محط انظار واهتمام الولايات المتحدة والدول الغربية من أجل السيطرة عليها وتضييق الخناق على روسيا بشكل أساسي وتوجيه ضربة للمشروع الصيني العملاق طريق الحرير، وتكون قاعدة انطلاق لتهديد روسيا والصين وإثارة المشاكل داخلها.

وقد حملت هذه الأحداث رسائل متبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث أرادت أمريكا أن توجه رسالة واضحة لروسيا من خلالها، تقول لن نسمح لكم بالعودة لتكونوا قوى عظمى وتعيدون أمجاد الاتحاد السوفييتي، وسنعمل على تقويض دوركم في الساحتين الدولية والإقليمية ونحاصركم من أوكرانيا وكازاخستان.. الخ. أما رسالة روسيا التي وجهتها من خلال هذه الأحداث للولايات المتحدة والغرب تقول أن أمن روسيا واللعب في مناطق نفوذها خط أحمر، كما قال بوتين، وروسيا لن تسمح بذلك ولن تقبل بتكرار تجربة أوكرانيا.

وقد جاء الرد السريع بإرسال قوات حفظ الأمن من قبل روسيا ودول المعاهدة ليؤكد ذلك، حيث تم إفشال المخطط بأسرع مما توقعت أمريكا التي أرادت استخدام هذه الورقة أيضا في الضغط على روسيا قبل المباحثات بين الطرفين بتاريخ 10/01/2022، وقد استطاعت روسيا أن تحول هذه الورقة لتكون بيدها بدلا من أن تكون ضدها.

في الختام، لا يمكن إغفال بعض المطالب الاجتماعية المحقة للشعب من زاوية إفساح المجال أمام الحريات، ورفع مستوى المعيشة، وإحداث إصلاحات ومحاربة الفساد، هذه المبررات التي يتم الاستناد إليها دوما كمسببات لتفجير الأوضاع في الدول التي لا ترضى عنها أمريكا، والنوافذ التي تطل من خلالها القوى التي تريد الإطاحة بالنظام.

لقد فشلت أمريكا ومن معها والقوى الداخلية التي اعتمدت عليها في تنفيذ مخططها بأحداث انقلاب ناجح كما حصل في أوكرانيا، إلا أن هذ الفشل ليس نهاية المطاف، وستظل الولايات المتحدة والغرب ومن معهم يعملون من أجل محاربة روسيا والصين ومحاولات اضعافهما، كقوى عظمى صاعدة تهدد نفوذ الولايات المتحدة في العالم وتنهي الأحادية القطبية والسيطرة الأحادية على العالم.

أمريكا لا زالت ترى في نفسها القوى المهيمنة، ولم تدرك أنها رغم قوتها إلا إنها في حالة تراجع اقتصادي وعسكري وثقافي وأخلاقي مقابل صعود قوى أخرى وهذا ما لا تعترف به أمريكا، ومؤشرات ذلك كثيرة لكنها تحتاج إلى مقالات أخرى.