Menu

صدور رواية "تحيا حين تفنى" للأسير القائد ثائر حنيني

جنين - بوابة الهدف

صدر للقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير ثائر حنيني رواية " تحيا حين تفنى"، وقَدمّ لها المحامي الحيفاوي حسن عبادي. 

وتزين الغلاف الأول للرواية بصورة لقرية بيت دجن قضاء نابلس التي ينحدر منها الأسير القائد حنيني، ويسلط من خلال هذه الرواية الضوء على بطولات رفاق دربه ليفيهم بعضاً من حقهم، ويخص الشهداء الرفاق فادي وأمجد ويامن، مركزاً على سيرة الشهيد فادي البطولية.

وناقشت وزارة الثقافة بجنين بالتنسيق مع منتدى الأدبيات الفلسطيني بجنين الرواية في مركز الطفل الفلسطيني السبت الماضي، ونظمت أيضاً رابطة الكتاب الأردنيين بالتعاون مع الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين أمسية لمناقشة الرواية. 

وأهدى الأسير القائد حنيني هذه الرواية لروح الشهداء وخاصة الشهيد فادي حنيني، ولمن اعتنق العنف ثائراً مُحباً، وعبر البرزخ بين رصاصتين بجسد أنهكته الشظايا والمُطاردة والاشتباكات، ولمن فدا تراباً فكافأه باحتضانه، ولمن ترجل أخيراً عن صهوة الريح وقد تضرج جسده بالدم والعطر، ولروح أمه وجدته، وشكر من ساهم في إخراج النص للنور، وخاصة الصديق والرفيق الشاعر الأسير أحمد عارضة الذي أشرف وطالع مسودة النص وسجل ملاحظاته الهامة، ورفيق الدرب والمسير الأسير حكمت عبد الجليل الذي كان له الفضل في إنعاش ذاكرة الأسير حنيني واستحضار الماضي، ولابنة عمه الأستاذة نعمة حنيني التي ساهمت في عملية النسخ والتفريغ، والكاتب فراس حج محمد، والمحامي الحيفاوي حسن عبادي، ولعمه وائل حنيني الذي واظب على التواصل معه من سجن إلى سجن مقدماً كافة الدعم والعون الدائم.

وفي تعليقه على الرواية، أوضح الأسير القائد حنيني أنه اتخذ من كتابتة هذه الرواية وسيلة للإيفاء بقسط  من وعد قطعه لرفيقه الشهيد فادي الذي توافق هذه الأيام ذكرى رحيله المدوي، بألا ينساه أبداً وألا ينسى وصيته التي خطها بمداد دمه.

وقال حنيني " هذه التي تقرأوها بين دفتي كتاب كنص متوتر قلق مشحون غاضب وعاشق لكل شهداء هذا الوطن. هو كناية عن كل ما ارتقى متألقاً بدمه فداءَ لهذا الوطن العائق. ليتشابك مصيره بمصائر من سبقوه ومن لحقوه، لتلتحم أجساد الشهداء أسوةً بأرواحهم مُشكّلةً خارطة الوطن".

وتابع قائلاً: " النص هنا فعل وفاعل أكثر منه فعل كتاب. وسرد حاضر حي، فالشهادة هنا حاضر لا ماضي.. حياة من ضحى، وقد آثرت بكلمات بسيطة نبش ذاكرتنا بسيرة الشهداء بقلم وكل من يملكه الأسير في مقبرته، وهو يدرك أن محطة الأسر ليست للراحة وللركون إلى الانتظار، إنما لاستكمال مشوار النضال صوب الحلم الكبير بما يبتكر الأسير من اتاحات وفضاءات لصوته وكلمته، فالكتابة داخل الأسر ليست نوعاً من الترف أو هي تلبية لرغبة من صاغوا بها لميول أدبية. إنها ذلك النضج الشاق من بئر عميقة توشك أن تجف لولا ذكريات من أفنوا أنفسهم لنحيا نحن بفنائهم".

وتابع حنيني من داخل سجنه في ريمون قائلاً: " لم أعد أذكر ماذا احتوت تلك الصفحة التي مر على تدوينها قرابة العقدين، غير أن فحوى بعض ما جاء فيها بعد أن استشهد فادي حنيني ورفيقه جبريل عواد في تلك المعركة التي غدت حديث الناس لزمن طويل وغدت قوة مثال عمن يواجهون مصيرهم بشجاعة، وقد وقعت في احدى حارات البلدة القديمة لنابلس في الثامن عشر من كانون الأول لعام الفين وثلاثة، وكان قد مر بضعة أشهر على ذلك الرحيل المدوي عندما عثر الشهيد يامن فرج رفيق فادي وجبريل على حزام ناسف كان قد اعده فادي بغية تفجيره بين مغتصبي أرضه ولم يسعفه العمر لذلك، فقام بهذه المهمة يامن رداً على اغتيال رفيقه ذلك قبل أن يتم اغتياله هو الآخر".

وختم ثائر تعقيبه بالقول " هكذا فقط يغدو الموت، الفقد وسيلة للحياة ففادي وهو يرقد مطمئناً في قبره، استطاع أن يقلق نوم هؤلاء القوم الطارئين الذين غزوا وطنه وأحلامه وأزهار عشقه، فهنيئاً لك ولرفاقك هذا النوم المطمئن وتلك الميتة الفلسطينية".

من جانبه أكد المحامي الحيفاوي حسن عبادي في تقديمه للكتاب أن الأسير ثائر يسلط الضوء على بطولات رفاق دربه من شهداء رسموا خارطة الوطن بدمائهم الزكية، وأنه آن الأوان لكتابة سيرة كل من شهداء فلسطين، فهم يستحقونها دون أدنى شك.

وأوضح المحامي عبادي قائلاً: " ضمن مشروعي التواصلي مع أسرى يكتبون، التقيت ثائر ناجح توفيق حنيني " شدني اختياره لاسم سلوى" بطلة للرواية، ملازمًا لفادي وعشقه للوطن الذي استشهد من أجله، تلك المرأة التي سلّت عنه الكرب والهموم والاحزان في سنوات الأسر الطويلة، رافقه طيفها في رحلة العذاب، لتنسيه جروحه وتكون عزائه الجميل في عزلته عن فقده لفادي".

تجدر الإشارة إلى أن الأسير القائد ثائر حنيني وُلد في قرية بيت دجن لعائلة مناضلة قَدمّت التضحيات كغيرها من عائلات بيت دجن، شهداء وأسرى وجرحى، ودرس في مدارسها المرحلة الابتدائية في ظروف غاية بالصعوبة، وتكاد لا تخلو من المخاطر المحدقة جراء اندلاع انتفاضة الحجارة، قبل أن ينتقل وأسرته إلى الأردن ارتباطاً بظروف عمل والده، وما لبث وعاد لأرض الوطن يبدأ مشوار حياته ونضاله من داخل الوطن.

انتسب مبكراً إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أسوةً بعمه المناضل الشهيد فادي حنيني الذي قَدمّ حياته قرباناً على مذبح الوطن.

تأثر ثائر بشكلٍ كبير بعمه الذي تربطه به علاقة أشبه بالصداقة، وكذلك تأثر برحيله المدوي، وما كان عليه إلا أن يسلك دربه الشائك ذاته أسوة برفاقه الذين عاهدوه بالمضي نحو تحقيق الحلم الكبير مهما كلف ذلك من تضحيات.

ورغم الظروف المعيشية والمادية المريحة التي أحاطت ثائر إلا أنه وجد نفسه منحازاً للفقراء والكادحين من أبناء وطنه ولقضاياهم العادلة، وقد وجد في حزبه منصة للتعبيرعن هذا الانحياز المبدئي للشرائح الأكثر تضرراً في وجود الاحتلال، مترجماً عبر ذلك إمكانية بل وضرورة النضال الاجتماعي والديمقراطي إلى جانب النضال السياسي والقومي، فكان منحازاً للمرأة بقضاياها العادلة وحقها في تقرير مصيرها وحياتها بمعزل عن السلطة الذكورية في مجتمع لا تزال روح القبلية حاضرة به وبقوة.

اعتقل في تاريخ 1/7/2004 على خلفية مقاومة الاحتلال، بعد انضمامه لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى وحوكم بالسجن عشرين عاماً قضى منها ثمانية عشر ولا يزال قابعاً خلف قضبان الفاشية الجديدة، ثابتاً صلباً عنيداً بمواقفه مدركاً أن ساحة الأسر ليست إلا إعداداً وتعبئة وجاهزية لاستكمال مشوار النضال، فلم يثبط عزيمته الصلبة فاتخذ من الأسر ساحة جديدة للنضال مستكملاً ما بدأه خارج الأسوار، فخاض عدداً من المعارك غير المتكافئة عبر أمعائه الخاوية منذ السنة الأولى لاعتقاله، والتي تكررت عدة مرات مختلفة أبرزها ( إضراب أعوام 2004 + 2011+ 2012+2016+ 2017) والتي كان أشدها صعوبة في سابقاتها لتصيغ هذه التجارب شخصيته التي نضجت وتعمق وعيها عبر الاشتباك المباشر مع هذا العدو.

وهو ما كلفه في الكثير من المرات عدا عن المضاعفات التي خلقها الإضراب، ونقله التعسفي من معتقل إلى آخر بهدف اثنائه وردعه أمام الدور المؤثر الذي يقوم به في الساحة الاعتقالية، إضافةً لحرمانه من زيارة أهله، حيث يذكر أن ثائر وخلال الثمانية عشر عاماً لم تسمح له إدارة مصلحة السجون بزيارة أهله إلا بعدد قليل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. 

وكل ذلك لم تثنه هذه الممارسات من القيام بما يراه واجباً عليه، ولأن أشكال النضال داخل الاسر متنوعة فقد استخدم ثائر كل حيز متاح لاستكمال مشواره النضالي فعمل في أكثر من محطة وبجهد، ومضى إلى تثقيف رفاقه تحديداً من القادمين الجدد إلى المعتقلات، وعكف على تعبئتهم تعبئة وطنية بعيدة عن الفئوية والحزبية، وكذلك انتقل في ذلك إلى الحلقات التدريسية في الجامعة ليصبح من المدرسين المميزين في المعتقلات دون كلل أو ملل أو تذمر.

ولم يكتفِ بذلك طبعاً حيث حاول الوصول لأكبر عدد ممكن لإسماع صوت الأسير الفلسطيني عبر كتاباته ومقالاته الأدبية والفكرية والتنظيمية التي نشرت عبر المواقع الالكترونية وبعض الصحف العربية وتحديداً الجزائرية، معرياً بقلمه كل ممارسات هذا العدو الحاقد، محبطاً مخططاته التجهيلية والالغائية وكذلك مستثمراً الوقت الطويل بما يعود بالنفع عليه وعلى محيطه.

ومن يعرف ثائر عن قرب يلمس كما الطيبة في شخصيته فهو الزاهد بهذه الحياة وببهارجها وقشورها، رجل عملي بامتياز لم يترفع عن أداء أية مهمة تسند إليه، وهذا نوع من النضال الاعتقالي مختلف ليس من السهولة الجمع بينه وبين الابداع الكتابي.

غير أن ثائر بذكائه نجح في الدمج بين النضال الثقافي وبين العمل التنظيمي المتعب فشغل عدة مناصب قيادية مهمة آخرها كان عضوية في اللجنة المركزية الفرعية لفرع السجون وتوليه مهام ذات صلة وثيقة بالحقل الاعلامي، كما عبره يتم رفد العديد من المواقع الالكترونية التي تنشر كتابات وابداعات الأسرى داخل السجون دون أن يتوقف عن دوره عند هذه التفاصيل فقط.

أكمل دراسته داخل الاسر فحصل على شهادة بكالوريوس في التاريخ وأخرى في الاجتماعيات ويعمل الآن في التحضير لرسالة الماجستير في العلوم السياسية، ويطمح لما هو أبعد من ذلك ليقول للعدو المتربص بأحلامه إنّ سنوات الأسر الطويلة التي سُرقت منه لم تذهب هباءً، وها هو ثائر يثبت للكثيرين أن الانسان الفلسطيني يستطيع خلق معجزته بيده، أنه بامكانه على الدوام ابتكار جسر للتحليق خارج سجنه، والنظر بعيداً حيث تلتمع نقطة ضوء في آخر هذا النفق الطويل.