Menu

وأطفالنا يقضم البرد أطرافهم..

تقريرعن التجارة بالعواطف.. أين تذهب أموال التبرعات؟!

أحمد نعيم بدير

غزة _ خاص بوابة الهدف

تتواصل منذ أيّام حملات التبرّع الفلسطينية لإغاثة اللاجئين في الشمال السوري، إذ أطلق فلسطينيون من الداخل المحتل حملة لجمع الأموال وتأمين مساكن بدلاً من الخيام لهؤلاء اللاجئين، إذ يجري التبرّع في هذه الحملة بعشرات الملايين من الشواكل، والقطع الذهبيّة، حتى أنّ بعض الأطفال تبرّعوا بحصالاتهم التي يدّخرون فيها مصروفهم اليومي.

هذه الحملة التي تحمل عنوان "بيت بدل خيمة" وامتدت إلى كافة ضواحي ومخيّمات الضفة المحتلة بما فيها القدس تقودها جمعيات ونشطاء من الداخل المحتل ومؤخرًا وزارتي الأوقاف في الضفة وغزّة! تزامنًا مع حملاتٍ إعلاميّة ضخمة ويجري جمع التبرّعات بسلاسةٍ كبيرة حتى في وسط مدينة القدس التي لو استطاع الاحتلال اعتقال الهواء ومنعه من الوصول لأي مقدسي لفعل ذلك، ويُحارب التجمّعات بحججٍ كثيرة منها الحد من تفشي فيروس "كورونا" عوضًا عن تهمة "جمع الأموال لجهةٍ إرهابيّة" في حال تدشين حملة لجمع التبرّعات لغزّة مثلاً والقائمين على هذه الحملات تجدهم الآن في السجون.

البرد لا يعرف التمييز

بكل تأكيد ليس هنالك من أحد ضد إنقاذ السوريين والتخفيف من آلامهم في ظل الأحوال الجوية القاسيّة التي تضرب المنطقة، ولكن، هذا البرد القارس هو ذاته من قتل الطفل أسامة السرسك من حي الشجاعية قبل حوالي أسبوعين، ودفعه للذهاب لمكب النفايات في منطقة جحر الديك بعد أن كَّفر بظروف عائلته وبالبرد الذي أكل أطرافه باحثًا عن أسلاكٍ نحاسيّةٍ أو قطعٍ بلاستيكيّة لبيعها وشراء "ترينج" ليحميه من هذا البرد، بينما قُتل الطفل سليم عمر النواتي في التاسع من يناير على أبواب مشافي الضفة، بسبب "عدم تغطية التحويلة الطبيّة التي حصل عليها بشق الأنفس بالمال"، إذ لا يوجد مشفى متخصص لعلاج السرطان في غزّة، وإذا جاء السرطان لأحد أطفالها، فربما يفقد حياته في انتظار التغطية الماليّة من وزارات السلطة التي دعت وزارة أوقافها لتدشين حملة التبرعات لدعم السوريين وفي كافة المساجد، وهذا بالإضافة إلى أنّنا نُطالع وبشكلٍ يومي مناشدات في وسائل الإعلام الفلسطينيّة من أجل التبرّع لأسرة لا تقوى على مواجهة متطلبات الحياة لوحدها ويتهدّدها خطر الطرد من المنزل لتراكم ثمن الايجار عليها، أو من أجل التبرّع لطالبةٍ جامعيّة لسداد الرسوم الجامعيّة التي لا تتجاوز الـ400 دينار فقط.

يؤكّد الناشط الحقوقي والقانوني ماهر أبو وردة لـ"بوابة الهدف الإخباريّة"، أنّ "هذه التبرّعات المحقّة ومع كامل الاجلال لمعاناة السوريين الذين شرّدتهم الحرب، يسأل عنها أيضًا أطفال حي الشجاعية وخزاعة الذين يقضم البرد أطرافهم كل عام جرّاء عدم بناء منازلهم إلى يومنا هذا بفعل الحروب المتكرّرة التي تُشن على القطاع، ويسأل عنها أطفال مُخيّم العروب وبلاطة وأهالي الشيخ جرّاح وسلوان وصور باهر والبلدة القديمة الذين تهدم منازلهم وتُصادر محلاتهم ويُطردون في الشوارع من جيش الاستعمار الاستيطاني يوميًا، فأين هم من تمكين المقدسيين؟ وإذا قال البعض أنّ الاحتلال يمنع جمع التبرّعات لغزّة أو يتعذّر إرسال الأموال بسبب السلطة نتاج الانقسام الفلسطيني وتأثيراته، فأين هؤلاء المتبرّعين من أهالي الأسرى والشهداء الذين يهدم الاحتلال منازلهم؟".

نُشير هنا إلى ما جرى مع عائلة الشهيد مهند الحلبي، إذ كان والد مفجّر ثورة السكاكين معرّض للطرد من منزله الجديد الذي عُرض في المزاد بسبب 30 ألف دينار فقط! بعد أن تم تدشين حملة تبرعات استمرت أسابيع لإعادة بناء المنزل، لكنها لم تجمع ثمن المنزل الجديد، إلى أن تم التدخّل من عدّة جهات وحل الأمر بعد أن وصلت القصّة إلى وسائل الإعلام على هذا النحو: منزل عائلة الشهيد مهند الحلبي سيعرض في المزاد قريبًا!".

الخطورة في الشق السياسي

وبقدر حساسيّة الملف يكتسب السؤال خطورته، أين تذهب أموال التبرعات؟ يُكمل أبو وردة: "الخطير أنّه سيتم بناء مُخيّمات بأسماء مدن فلسطينيّة مثل "يافا البرتقال!"، ومن حقنا أن نسأل أيضًا: هل هذه الأموال ذاهبة لدعم مشروع سياسي معيّن؟ وأيضًا هناك علامة استفهام حول التسهيلات الكبيرة الممنوحة لجمع كل هذه الملايين، وللأسف شعبنا عاطفي للغاية وإذا لم يستطع دعم أهل غزّة والقدس، فأين هو من دعم أهالي الشهداء والأسرى والجرحى ومستشفيات السرطان؟" لافتًا إلى أنّ "التخوّف الأكبر هو في الشق السياسي، خاصّة وأنّ هذه التبرعات ستذهب إلى الشمال السوري أي مناطق الاحتلال التركي للأرض السوريّة، ولو افترضنا حسن النوايا فلا مناص في ذات الوقت من السؤال حول ما هي الضمانات لعدم تثبيت هذا الاحتلال، تمهيدًا للانفصال من خلال بناء منازل للاجئين وتوطينهم، بدلاً من إعادتهم إلى منازلهم الأصليّة وعدم استخدامهم كورقةٍ سياسيّة بين الحين والآخر لابتزاز الدولة السوريّة".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، شدّد أبو وردة على ضرورة "قيام التنظيمات الفلسطينيّة بدورها في توعية الناس التي تغلب عليها العاطفة قبل التفكير بعقلانيّة تجاه كل هذه الأموال ومن وراء جمعها وإلى أين ستصل في نهاية المطاف؟ ومن أجل ماذا؟ وعلى حساب أي حق من حقوق هؤلاء اللاجئين؟ والأهم أن تكون هذه الأسئلة المحقّة دائمًا حاضرة في أذهاننا جميعًا".

أسئلة مشروعة

يقول لؤي الخطيب عضو المكتب السياسيّ ل حركة أبناء البلد بالداخل المحتل: "لا أستطيع إلّا أن أنظر بعين الريبة والشك تجاه حملات إغاثة اللاجئين السوريين الذين تألمنا ونتألم جميعنا على أحوالهم كما غيرهم من المعذّبين في الأرض، ولكن أن تتم إدارة هذه الحملات بهذه الطريقة وتحت أعين أكثر من طرف إقليمي ساهم بصنع هذه المأساة، ويسهل الآن عملية التوطين التي طالعتنا عدّة تقارير إعلاميّة تحدّثت عن محاولات لفرض واقعٍ ديمغرافي جديد ونسف ما كان عبر استهداف المناطق الكردية التي هُجر أهلها بفعل الحرب على سورية ومنح اللاجئ الفلسطيني مكان لجوء جديد".

ورأى الخطيب في تصريحٍ له، أنّ "المطلوب من الحركات والأحزاب الثورية ألّا تستكين تحت كثافة الضخ والتسويق الإعلامي والجلوس بدور المتفرّج أو المتردّد من البوح بما يدور في نفسه من تساؤلات، بل إنّ دورها يجب أن يكون قراءة الحدث وحيثياته والاضاءة على ذلك ونشره للناس، لأنّ السكوت وعدم طرح الأسئلة المشروعة يعني الانسياق وراء مشاريع مشبوهة لا نعلم بالضبط من يُديرها من دول وأجهزة مخابرات، فالعمل المنظّم هذا وسلاسة تنفيذه يضع العديد من علامات الاستفهام والسؤال، فلطالما كان استغلال الظروف الإنسانية بوابة لفرض مشاريع مشبوهة بل تصفويّة، وحين تتباكى إسرائيل على اللاجئ السوري وتسهّل عملية إسناده، فمن هنا يجب أن نبدأ ونسأل ونستفسر ونتساءل؟؟".

أجندات وتوظيف سياسي

أمّا الكاتب والمختص بالشأن المقدسي راسم عبيدات، رأى في هذا الجانب أنّ "البعض يُحاول تجيير معاناة أطفال سوريا واستغلالها سياسيًا، ومسألة اختيار دعم الأطفال في المناطق التي لا تسيطر عليها الدولة السوريّة تحديدًا ليس صدفة، بل هناك مخاطر كبيرة، ونؤكّد قبل كل شيء أنّنا نقف إلى جانب معاناة الشعب السوري وإلى جانب كل من يُعاني من أطفال أمتنا العربيّة سواء في سوريا و اليمن والعراق ولبنان، ولكن في إطار عملية جمع التبرّعات التي تجري في القدس والداخل الفلسطيني من الواضح جدًا أنّ هناك أجندات وتوظيف سياسي لهذه القضية".

وشدّد عبيدات خلال حديثه مع "الهدف"، على أنّه "لو جرى نصب طاولة في القدس لجمع تبرّعات لأطفال غزّة أو أطفال اليمن أو منازل الشهداء والأسرى وتكون ملاصقة للطاولة التي تجمع للأطفال السوريين فسيُجن جنون الاحتلال وسيُصادر هذه الأموال على الفور ويعتقل كل من يقف وراء هذه الحملات، لذلك نؤكّد أنّنا كشعب فلسطيني معاناتنا كبيرة ونقف إلى جانب كل معانيات الشعوب خاصّة الناتجة عمّا يُسمى بالربيع العربي أو بما يُسمى بالعشرية السوداء التي اجتاحت سوريا والدول العربيّة، لذلك فإنّ أبناء شعبنا، وخاصّة في قطاع غزّة هم أولى بكل هذه التبرّعات، وأطفال اليمن الذين يُحرقون ليل نهار بالصواريخ هم أحق بهذه الأموال مع احترامنا الكامل لمعاناة الأطفال في الشمال السوري".

وأشار عبيدات إلى أنّه "لا يجوز بأي شكلٍ من الأشكال توظيف معاناة الأطفال والأسر لخدمة أجنداتٍ سياسيّة، وهذه الحملات ليست بريئة، والأخطر من كل ذلك أنّهم يعلنون عن بناء قرى في منطقة الشمال السوري في محاولة لاقتطاع جزء من الجغرافيا السوريّة لصالح الاحتلال التركي الذي يحتل الأراضي السوريّة، أي لتعزيز مشروع الانفصال في الشمال لصالح العثمانيين الجدد".

وفي الأثناء، قال الباحث والمحاضر في جامعة بيت لحم وسام رفيدي، إنّها "حملات تبرّع لأغراضٍ سياسيّة مشبوهة ومعاديّة"، مُستذكرًا حادثة حصلت معه شخصيًا، يقول: "تحويل مبلغ مالي من حسابي في البنك العربي لحساب بناتي في بنك القدس استغرق فحص وتدقيق 7 أيام وتم التحويل بعد (طوشة وصياح)، مع أنّ المعروف أنّ التحويل يحتاج فقط من يومين إلى ثلاثة، وأعرف أن العديد من أجهزة المخابرات تراقب كل مبلغ يمر عبر البنوك وما الأخيرة سوى مندوبي تنفيذ لتلك الأجهزة".

وتابع رفيدي في منشورٍ له على "فيسبوك": "أعرف أيضًا أنّ بنك البريد في القدس يرفض تحويل مبالغ لكانتين الأسرى، ويقبل استلام مبالغ المتبرعين للاجئين في سوريا، وأعرف أيضًا أنّ جمع التبرعات في القدس علانيةً لبيت مهدوم مثلاً أو لأسرة شهيد هي خطوة محفوفة بالملاحقة والتحقيق، وربما الاعتقال من قبل الصهاينة ومخابراتهم، ومع ذلك وبمعرفة المخابرات الإسرائيلية، وأيضًا بتسهيلاتها عبر عدم تدخلها، تجري عمليات جمع الأموال للاجئين في سوريا، وبمعرفة المخابرات الإسرائيلية والتركية، يجري تحويل الأموال عبر البنوك لجهات في تركيا "، مُؤكدًا أنّ "اللاجئون موجودون على أرض سورية ومحتلة من الغزو التركي، وتحويل مخيم اللجوء لحواضر سكنية ثابتة مبنية بالحجر يعني أن وراء الأكمة ما وراءها: هذا مخطط لبناء حاجز ديموغرافي ثابت في ظهر سوريا الوطن وبترتيب صهيوني وتركي، يكون بمثابة خنجر في الظهر السوري لصالح المتأسلم أردوغان التركي، فلا تتلطوا خلف الموقف الإنساني الذي يستوجب التعاطف مع اللاجئين، فهذا لا يليق بكم، فمن خلق مشكلة اللجوء في سوريا هم حصرًا الإرهابيين المتأسلمين ومشغليهم من أتراك وخليجيين ومن خلفهم الراعي الرسمي واللوجيستي: الاستخبارات الأمريكية".

وفي ختام حديثه، أردف: "أمامكم العديد من الذين يستحقون التبرعات في مواقعهم: في غزّة والمكبر والشيخ جراح وعرب الرماضين والأغوار والنقب ومخيم اليرموك، ولكن إن فعلتم فعليكم أن تتمتعوا ببعض الجرأة، فالمخابرات الإسرائيلية لن يعجبها هذا النشاط الوطني، ويبدو أن القائمين على التبرعات لم يسمعوا بهذه المواقع، فتلك مشكلة انتماء ومشاعر. الهدف مشبوه والمخطط مشبوه والمتبرعين ساذجون يجري استغلالهم، وهذا موجز القصة باختصار".

تركيا وهلال الشمال!

المُتتبّع لمسار الأحداث في سوريا يعي جيدًا ما تفعله تركيا وما تنشد إليه في نهاية المطاف، إذ تسعى من خلال العديد من المؤسسات التي تجمع التبرّعات إلى بناء 7 قرى نموذجية لتوطين المقربين من مسلحي "غصن الزيتون" في منطقة عفرين، وستتوزع على بلدة كفر صفرة، وجنديرس، وجبل شوتي، وطريق جبل قازقلي شمالي بلدة كفر صفرة، والشيخ الحديد، وقرية حج حسنا وشيروا، فيما يعتبر هذا المشروع أكبر مشروع توطيني تشهده سوريا ويستهدف منطقة عفرين، بحسب بحثٍ أجرته قناة "الميادين".

وبناء على المعطيات سيستوطن في هذه القرى عوائل لمسلحين أيغور من "الحزب الإسلامي التركستاني" ذوي الأصول الصينيّة، كما تعمل تركيا على توطين التركمان من السوريين في هذه القرى، وبنظرة سريعة إلى الخارطة يتبيّن أنّ هذه القرى تبعد عن الحدود مع تركيا بين 4 – 9 كم، وتتوزّع من أقصى شمال جنوب غرب مدينة عفرين إلى أقصى شمال شرقها، على شكل أقرب للهلال يمتد على طول حدود منطقة عفرين شمال غرب حلب مع إقليمي كلس وهاتاي "لواء اسكندرون" داخل تركيا، أي تسعى تركيا لتوطين جماعات مسلحة تركمانية "من السوريين" وفصائل مسلحة من الأيغور الصينيين في هذه المنطقة، لضمان حدود تشكل خطاً فاصلاً بين منطقة عفرين والأراضي التركية، فيما يحقق لتركيا تحييداً لهواجسها تجاه المنطقة الكردية وكرد سوريا، كما جاء في البحث.

معاناة السوريين ليست بالجديدة، حيث أُجبر هؤلاء اللاجئين على الخروج من منازلهم من قبل عصابات الإرهاب خلال الحرب الكونية التي فرضها الاستعمار على سوريا، ولكن الجديد هو الاستمرار في استغلال واستثمار هذه المعاناة لخدمة أهدافٍ وتوجهاتٍ سياسيّة، ومن منطلق أنّ "الدين يدغدغ عواطف الناس"، تصدح المساجد في الداخل والقدس والضفة وغزّة، استجلابًا واستجرارًا للعواطف وجمع التبرّعات، ليرد طفلٌ من أطراف مدينة رفح ومعه من يزامله في البرد والمعاناة في مُخيّم جنين ويردّدا معًا: باب النجار مخلوع.. كما يُقال في المثل الشعبي.