Menu

عن التخلف الحضاري وطبيعة الانتماء في العقلية العربية

محمّد جبر الريفي

بوابة الهدف الإخبارية

المجتمعات العربية ما زالت تعيش مرحلة تخلف حضاري وبمظاهر متعددة، خلافًا لمجتمعات الغرب وبعض بلدان الشرق الأقصى كاليابان والصين وكوريا الدولتين الجنوبية والشمالية، ودول أخرى آسيوية، يطلق عليها في الإعلام بمصطلح النمور الاقتصادية التي قطعت جميعها أشواطًا كبيرة في عملية التحضر والتقدم الاجتماعي، خاصة وصولها إلى مرحلة عصر الثورة العلمية والتكنولوجية واستقلال غالبية الدول العربية عن الاستعمار الأوروبي، كان استقلالًا شكليًا مقتصرًا على الانضمام إلى عضوية هيئة الأمم المتحدة، بينما علاقات التبعية السياسية والاقتصادية مع المستعمر ظلت قائمة وبأشكال مختلفة الأمر الذي أفقدها في السياسة الدولية اتخاذ القرارات والمواقف المستقلة. أما ما يحدث الآن من صراعات داخلية في بعض الأقطار العربية كمظهر من مظاهر الفوضى السياسية والأمنية التي نتجت عن انطلاق ثورات ما سميت بالربيع العربي التي انحرفت عن تحقيق أهدافها المطلوبة، المتمثلة بتعميم العملية الديموقراطية عن طريق الانتخابات للوصول إلى السلطة السياسية، وأبرز هذه الصراعات الداخلية الأزمة السورية والصراع الدموي في اليمن ومحاولة إعادة الانقسام بين شطريه الشمالي والجنوبي، وكذلك ما يحدث في ليبيا ، من تناحر وضعف لهيمنة الدولة.. كل ذلك هو ناتج لهذا العامل: عامل التخلف الحضاري وأهم مظاهره الأساسية في الواقع هو طبيعة الانتماء بكافة أشكاله المتعددة، حيث الانتماء القطري والديني والطائفي والعرقي والقبلي والجهوي هو الذي يسود في العقلية العربية، رغم تشكيل الدولة الوطنية الحديثة.

لقد ألغى العامل القومي في الغرب كل هذا التعدد في الانتماء، وأصبحت الرابطة القومية هي الأساس في تأسيس الدولة العلمانية ونموذجها الأبرز الوحدة في ألمانيا وإيطاليا، حيث تشكلت الحدود السياسية لكلتيهما على أنقاض حالة التجزئة والتفكك الداخلي، وقد سهل أيضًا العامل القومي في تشكيل الاتحاد الأوربي من دول كانت تسود بينها علاقة عداء تاريخي كفرنسا وألمانيا عنوانه الأبرز أحقية الملكية على إقليم الالزاس واللورين، وذلك ليشكل هذا الاتحاد كقطب فاعل في السياسة الدولية، حيث الانتماء القاري الأوسع والأشمل في مواجهة القطب الأمريكي، وكذلك القطب الروسي الذي ورث القطب الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق.

لقد اختفت بقيام الاتحاد الأوروبي الحدود بين الدول الأعضاء في موضوع السفر وغيره، من العلاقات الاجتماعية والحياتية من بلد الى آخر، وبإمكان المواطن الأوروبي التنقل عبر القطار أو غيره من وسائل الاتصال بالبطاقة الشخصية، بينما في البلدان العربية تنتصب معابر الحدود وما يجري فيها من مظاهر إقليمية أمنية متشددة ( معبر رفح كمثال) كدليل على تعمق ظاهرة التجزئة السياسية الممنهجة والتقوقع والإنتماء داخل الحدود القطرية السياسية المصطنعة الذي رسمها الاستعمار.