عشرات العائلات يواجهون خطر الهدم، ليلاً ونهاراً يباغتهم جيش الاحتلال ومستوطنوه بالهراوات وقنابل الغاز والرصاص الحي، تمهيداً لتحقيق رؤيته الاستيطانية التي تهدف لطرد سكان أصلاء وأصحاب ملكية خاصة على أرضهم في مدينة القدس داخل حي الشيخ جراح، وإعادة إحياء مسلسل نكبتهم للمرة الثانية ولكن بطريقة أبشع، حيث يحدث ذلك امام أنظار العالمَين العربي والغربي، وخطوات داخلية رسمية تضامنية خجولة دون تحقيق أي ضغط يحدث اختراقاً واضحاً في الملف الذي تستمر صفحات معاناته بالامتلاء منذ عقود زمنية متلاحقة.
وفي شهر مايو الماضي، نشبت اشتباكات بدأت بتوترٍ بين متظاهرين فلسطينيين وشرطة الاحتلال، على خلفية قرار المحكمة الصهيونية العليا بشأن إخلاء 7 عائلات من منازلها في حي الشيخ جراح في الجانب الشرقي من البلدة القديمة، واستبدالهم بمستوطنين "إسرائيليين"، مما أدى إلى تصاعد الأحدث وتفجرها بدخول كافة مناطق الوجود الفلسطيني بما فيها دخول غزة على خط المواجهة ورد المقاومة بإطلاق صواريخها على البلدات المحتلة معلنة بدء مواجهة مفتوحة ريثما يتراجع الاحتلال عن إجراءاته في القدس وحي الشيخ جراح، وخلال ذلك استمرت الاقتحامات الاستفزازية مخلفة آلاف الاصابات والاعتقالات، إلى أن الاشتباكات انتهت بوقف لإطلاق النار بين الاحتلال والمقاومة غزة، وعودة الوضع إلى ما كانت عليه قبل أي توتر.
ولم ينتظر الاحتلال كثيراً حتى عادت استفزازاته وبشكل تدريجي ومتفاوت في الحجم والكيفية، على أهالي الحي بالقدس، حتى تبدأ موجة جديدة متكاملة تحمل دروساً من أخطاء مايو وما قبل ذلك، وبصورة أكثر فعاليةً سياسياً وإعلامياً واجتماعية، مستغلةً كافة الأدوات التي يمكنها تشكيل الضغط الشعبي طردياً أمام ما يتناسب مع المرحلة الحالية، آخذين بعين الاعتبار وقائع وأحداث وتطورات المرحلة وكافة متطلباتها لردع الاحتلال وإفشال خطط ومحاولات تنفيذ سياسة وضع اليد التي تنتهجها محاكم وقوات الاحتلال.
وبرغم كافة البدائل المضادة لعنجهية الاحتلال في الشيخ جراح وغيرها من مناطق الضفة المحتلة، إلا أن موجة الانتهاكات والاعتداءات مستمرة وبشكل متصاعد، ولمزيد من القراءة للأحداث تواصلت بوابة الهدف الاخبارية مع عدد من المحللين السياسيين والكتاب، والذين أكدوا حساسية الموقف ومصيرية المعركة في ظل قرارات الاحتلال وحالة التشتت الفلسطينية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، إن ما يجري الان في القدس وخاصة في حي الشيخ جراح شكل من أشكال تداعيات وتأثيرات الحرب الصهيونية الرابعة على قطاع غزة، عندما وحدت بتفاعلاتها الكل الفلسطيني لصد العدوان، بينما شملت المواجهة كل الأرض الفلسطينية.
وأضاف حبيب، في حديثه لبوابة الهدف، أن "هناك جملة من الاعتبارات كشفتها الحرب الأخيرة أولها أن وحدة الأراضي الفلسطينية انتهت بانتهائها فكل من وقف دفاعاً عن الشيخ جراح أساساً وغزة وباقي الأرض ترك الحي يواجه مصيره وحده بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فيما كان يفترض استدعاء كافة الأطراف للمشاركة في استمرار الدفاع عن الشيخ جراح بدلاً من الاكتفاء بالشعارات".
وتابع "الاعتبار الثاني معركة الشيخ جراح تكشف ان اليمين الصهيوني المتطرف يأخذ دولة الاحتلال إلى حرب جديدة لحسابه، بمعنى أن اليمين الديني والذي صعد في الانتخابات بعد دعمه لأقصى أشكال العنصرية، يريد ما يساعده لزيادة جماهيريته بين المستوطنين على حساب اليمين التقليدي وخصوصاً بعد نجاح بينت بتشكيل حكومة وضم طرف فلسطيني متصهين إلى حكومته، ما يعني زيادة التعارض بين اليمين المتشدد واليمين المتطرف واليمين التقليدي، وعلى كل حال هذه المعركة مفتوحة".
وأردف: "لكي ننتصر في هذه المعركة يجب توفير أدوات فلسطينية تترجم الاقوال إلى أفعال والشعارات إلى تضامن حقيقي، بالرغم من وجود مواجهة حقيقية إلا أن هناك تراجعا في قدرة المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والأهلية، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الفلسطيني الداخلي المنفصل والمنقسم".
وأشار إلى أنه وبالرغم من قيام الاعلام الفلسطيني بدوره في فضح ممارسات الاحتلال في كافة مناطق الضفة والقدس في جوانبها الانسانية والسياسية، إلا أنها لم تثمر بالشكل المطلوب في فضح كافة أشكال العنصرية، مع الاخذ بعين الاعتبار أن هناك دورا رسميا دوليا من قبل النشطاء وأهالي الحي إلا أنه يبقى خجولاً أمام آلة التضليل الصهيوني.
وأوضح أن الجانب الانساني لم يتم توظيفه بالشكل الصحيح للحصول على مناخ اقليمي ودولي لاتخاذ بعض القرارات تصب في مصلحة المواجهة الشاملة.
وبيّن أن القضية الفلسطينية ككل هي قضية سياسية بدرجة أولى وهذا مبلغ أهميتها، والاحتلال يحاول وضعها في الجانب الديني بعض الاحيان، مضيفاً "تعتبر العناصر الأخرى بالغة الأهمية ولكن تظل اقل اهمية أمام الجانب السياسي، ويجب أنت توظف كافة الفئات الاجتماعية على كافة اتجاهاتها واهتماماتها لخدمة القضية عموماً والحرب المفتوحة في الشيخ جراح".
ومن جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، إن "هناك ما هو ثابت في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، وهو الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض في مدينة القدس خاصة و فلسطين عامة، ومواصلة الاستيطان بلا توقف، واعتباره ثابت من ثوابت مرتكزات الفكر الصهيوني".
وأكد عبيدات، في حديثه للهدف، أن ما يحدث في حي الشيخ جراح وغيرها من المناطق بالمدينة المقدسة بشكل مستمر، يندرج تحت استراتيجية "اسرائيلية" تقوم على مصادرة الأراضي المحيطة بالمستوطنات، والأراضي الفلسطينية في المواقع الاستراتيجية عامة لما يسمى بالمصلحة العامة، لخدمة المشاريع الاستيطانية والمستوطنين والجمعيات التلمودية والتوراتية.
وأضاف "المصلحة العامة لا تعني إقامة مدرسة أو متنزه أو روضة أو ملعب لسكان الحي أو أصحاب الأراضي، بل خدمة لتوسع المستوطنة ومرافقها العامة، كما حدث في الشيخ جراح، حيث جرى مصادرة قطعة أرض في المدخل الرئيسي للحي مساحتها حوالي 4 دونمات تخص عائلات عبيدات وعوده ومنصور وجار الله لما يسمى بالمصلحة العامة، إقامة متنزه وحديقة عامه، إلا أن الهدف الحقيقي تحويلها موقف لحافلات وسيارات المستوطنين القادمين لزيارة ما يسمى بقبر شمعون الصديق، ومقدمة للسيطرة على حي كرم الجاعوني - القسم الشرقي من الحي".
وتابع أن "الاحتلال الأن بدأ بالتعامل مع قضية الشيخ جراح وغيرها من قضايا مدينة القدس، ضمن ما يعرف بسياسة القضم التدريجي، بهدف اجهاض وإنهاك المقدسيين وتشتيت جهدهم، ومنع حصول اشتباك شعبي واسع ومتواصل، عبر منع إقامة أي خيمة تضامن واعتصام، أو اعتصامات وتجمعات مفتوحة، وبما يقلل من حجم ردود الفعل الدولية وإدانتها لما يجري ويرتكب من أعمال قمعية وتنكيليه وطرد وتهجير، ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب".
وبما يخص أي تقدم على المستوى القيادي والرسمي الفلسطينية، أكد عبيدات، أن الاحتلال يتقدم في مشاريعه ومخططاته الاستيطانية، وهناك من هو منفصل عن الواقع أو يعيش في غيبوبة سياسية، ويراهن على أن المجتمع الدولي والأمريكان "سيجلبون له الزير من البير"، وهو يدرك تمام الإدراك بأن المجتمع الدولي طوال 73 عاماً من الاحتلال لم ينجح في إزالة حجر مستوطنة واحد، والأوروبيين الغربيين الذي يشكلون الوجه الناعم للسياسة الأمريكية، يبيعون شعبنا الوهم والكذب والخداع والتضليل.
وأردف: على القيادة عدم الارتهان لتبدل الإدارات الأمريكية وتغير الحكومات، ومغادرة هذا النهج والخيار، وأن تفتح القرار والخيار الفلسطيني على أرحب فضاء عربي- إسلامي، واخراجه من تحت عباءة عربان المطبعين والانهزاميين أمام كيان الاحتلال.
وشدد على أن "قضية الشيخ جراح واحدة من قضايا الصراع المركزية في الصراع مع المحتل حول حسم السيادة على مدينة القدس والتي يسعى المحتل للسيطرة والإجهاز عليها في إطار الخطة الممنهجة لحكومة وبلدية الاحتلال، لإقامة قوس من الكتل الاستيطانية، يربط البؤر الاستيطانية في تلك المنطقة الممتدة من حي جورة النقاع كبانية أم هارون إلى حي الشيخ جراح الشرقي "كرم الجاعوني" ومن ثم أرض مشتل فخار السلام التي جرى تجريفها والاستيلاء عليها.
وأضاف أن "الاحتلال يعتمد مع المقدسيين في إطار الحرب الشاملة التي يشنها عليهم، خطة واستراتيجية ممنهجتين تقومان على الإنهاك وتشتيت الجهد، بحيث ينقلهم من معركة إلى أخرى، أو أكثر من معركة في آن واحد، معركة الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي، مع معركة مجازر الحجر واللتان تلتقيان وتصبان في نفس الهدف، تغيير الواقعين الجغرافي والديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين، وتثبيت رواية يهودية تلمودية توراتية مصطنعة على حساب الرواية الحقيقة لأهل وسكان المدينة الأصليين".
وأكد وجود تحول ولفت انتباه للكثير من دول العالم إعلامياً وسياسياً على مدار أكثر من هبة داخل الحي، مع استمرار الاعتداءات والانتهاكات بحق كل إنسان موجود داخل الحي، ما أدى لاختراق الفضائيين الإعلامي والثقافي العالمي، إلا أن ذلك لم يمنع دول عربية من استمرار عملية التطبيع لتصل الأمور حد توقيع معاهدات واتفاقيات دفاع عسكري وأمني مشتركة مع الكيان، كما هو الحال مع المغرب و البحرين .
وختم عبيدات كلامه قائلاً، ما يحدث بالقدس يحتاج إلى رسم خطط ورؤى واستراتيجيات فلسطينية شمولية، لكيفية مواجهة مشاريع ومخططات الاحتلال الاستيطانية التهويدية، بعيداً عن ردات فعل عاطفية.