Menu

الأخلاق والسياسة ومصير القضيّة الوطنية!

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

لا نبالغُ لو قلنا: إنّ مصيرَ العلاقاتِ الوطنيّةِ وأبعدَ من ذلكَ القضيّة الوطنيّة برمّتها، قد تقرّر في تلك العلاقةِ التي نشأت بين الأخلاقِ والسياسة، وفهم الأخيرة خارجَ نطاق الأولى، إنْ لم يكن نقيضًا لها. نسجّلُ ما تقدّمَ ربطًا بفهمِنا المحدّدِ للسياسةِ التي هي الوصولُ لهدفِ الصراع - انطلاقًا من الخصوصيّة الفلسطينيّة - وليس حفظَ البقاءِ في السلطة بعد الوصول إليها. والصراعُ - كما نفهمُهُ - ليس مع العدوّ فحسب، بل التحدّي مع الذات أيضًا في مسعًى إلى رفعِ طاقتِها وكفاءتِها كممرٍّ إجباريٍّ لتعظيم القوّة على طريق تحقيق التوازن المطلوب، أو تعديل ميزان القوى الشامل مع العدوّ الذي يعملُ باستمرارٍ دونَ بلوغِنا لهدفِ الصراع، بمعنى تقصير كُلّفة الوصول إلى التحرّر الوطنيّ.

فمنذ أن أتيحَ لحركة فتح الاستفراد بمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، عملت بكلّ قوّتها على الاستئثار بها والهيمنة عليها، وتسخير مواردها لمصلحتها الفئويّة وتوجيهها في مصبّ مشروعها السياسيّ الخاص. وعليه، لم تكن ترغب أو تعمل في أن تشكّل قاعدةً للشراكة الوطنيّة الحقيقيّة، حيث عملت على تغييب الأنظمة واللوائح التي تحكم العلاقةَ داخلَ "مؤسّسات" المنظّمة، والمثول لشرعيّة "التنظيم الأكبر"، مترافقًا ذلك مع توسّل الانتهازيّة طريقًا، وتعميم منظومةٍ قيميّةٍ تقوم على الكذب والخديعة والإفساد الممنهج، التي رسمت حدودَ العلاقة التي استمرّت في الانحدار بين الشعب الفلسطينيّ ومؤسّساته الوطنيّة أو مؤسّسته الوطنيّة الأهمّ: منظّمة التحرير الفلسطينيّة، حيث كان على الشعب الفلسطينيّ أن يدفع من تاريخه ومستقبله، بل من وجوده، ثمنَ الخطيئة الفكريّة في التباسِ العلاقة بين الأفراد وعلاقتهم بالسياسة والأخلاق، خاصّةً لجهةِ وعي أن القوّة أو الضعف هي الحصيلةُ الإجماليّةُ لطاقات المجتمع أساسًا، التي لا يمكنُ أن يجريَ الاستثمارُ الجيّدُ فيها، في ظلّ سياسةِ الاستئثار بالمؤسّسة وتهميشها وتغييبها وصولًا للانقضاض عليها، وهذا ما لم يكن لولا أن بعض الأفراد/القيادات عملوا طوال الوقت على تغييب المأسّسة، لحساب تقوية ذواتهم المريضة وشهوانيّتهم للسلطة، التي كانت على حساب المشروع الوطنيّ التحرّري الذي بات بمستوى القامات القصيرة، من عديمي الكفاءة والأخلاق والوطنيّة.

نعم، لقد تقرّر مصيرُ القضيّة الوطنيّة مبكّرًا، تقرّر منذ ذلك الوقت الذي انفصلت فيه الأخلاقُ عن السياسة، وهذهِ مسألةٌ لا تتمُّ دونَ سبب، فما هي إلا الوجه الآخر للتبدّل الذي طرأ على هدف السياسة نفسها، وعمّا إذا كان الهدفُ حفظَ البقاء في السلطة أم الوصول عبرَها إلى هدفِ الصراع النهائيّ، أي التحرير.. فما بالُنا إذا باتت مفاتيحُ هذهِ السلطةِ كلِّها بيدِ الاحتلال، فما هي الحصيلةُ المنطقيّةُ لوضعٍ كهذا؟!

فمن المعروف، أنّ مجتمعًا أو فردًا لا يؤمنُ بشيءٍ أو هدفٍ سامٍ/قيميٍّ؛ هو في حالةِ تحلّل، وأنّ من يؤمن بكلِّ شيءٍ ويتكيّف معه؛ هو في حقيقةِ الأمر انتهازيٌّ لا يؤمن بشيء، فإذا كانت مسألةُ الواجب والقاعدةُ الأخلاقيّة تُملي على الفرد العاديّ ضرورةَ اتّخاذِ موقفٍ ما تجاهَ القضايا الخاصّة أو العامّة، التي تهمّ الآخرين؛ فإنّ مسألةَ الواجب والقاعدة الأخلاقيّة في هذه الحالة ترقى لمستوى البديهيّة باعتبارها ركنًا لأيّ عملٍ سياسيٍّ ثوريّ، الذي هو في الجوهر موقفٌ أخلاقيٌّ إيجابيٌّ من القضايا الفئويّة والوطنيّة.

إنّ الاحتمال/المسار الطبيعيّ – المنطقيّ لمن يسعى لاستمرار الاحتفاظ بالسلطة والهيمنة على المؤسّسات الوطنيّة، أن يعمل على صنع شروطٍ جديدةٍ لتجديد "شرعيّته"، التي لا يمكن أن تُؤسَّس أو تتأسّسُ إلا باستمرار الانفصام بين السياسة والأخلاق، وتوظيف كلّ وسائل الخداع المتاحة وأدواته؛ لكن يبقى السؤالُ المنطقيُّ أيضًا: هل بالإمكانِ ممارسةُ سياسةِ الخديعةِ إلى ما لا نهاية؟!