Menu

وسائل إعلام عربية لصالح الموقف الغربي وحلف الناتو

محمّد جبر الريفي

تنحدر وسائل إعلام عربية في تغطيتها للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في تسويق للرؤية الغربية لدى الجمهور العربي في الدفاع عن أوكرانيا التي تتعرض لهجوم روسي له أهدافه السياسية الأمنية المعلنة، وهي مطالب ممكنة التحقيق وفق معطيات حقوق الجوار، أما أهمها فتتمثل في إبعاد حلف شمال الأطلسي "الناتو" عن الحدود الروسية وبرضى حكومة وطنية غير موالية للغرب، كما هي الحكومة الحالية التي يرأسها اليهودي الصهيوني زيلينسكي، وهذا شيء طبيعي يمكن تحقيقه في السياسة الإقليمية ووفق التفاهم المشترك.  ولكن أن تنبري وسائل إعلام عربية كقناتي الجزيرة ال قطر ية والعربية أيضًا تدافع  عن موقف  أوكرانيا وحقها في الانضمام لحلف الناتو وللاتحاد الأوربي، مما يشكل تهديدا مباشرًا للأمن القومي الروسي، فهذا هو الانحياز الكامل غير المستقل للموقف الغربي، ويتم ذلك بخلاف الموقف العربي الرسمي الذي لم يكن ذيليًا هذه المرة على خلاف عادته، حيث لم يساير الموقف الأمريكي بإصدار قرار يدين العملية العسكرية الروسية، وقد امتنعت عن التصويت دولة كالإمارات العربية المتحدة، وهي إحدى دول الخليج الموالية للسياسة الأمريكية، وقد اتضح ذلك جليًا في توقيع محمد بن زايد على اتفاقية تطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان ذلك بإملاء من الرئيس الأمريكي السابق المتصهين ترامب. كما امتنعت أيضًا الجامعة العربية عن إدانة روسيا، وهو موقف رسمي جديد خارج عن الرضى الأمريكي لمواقف الاعتدال الرسمية العربية الذي يتبناها عادة النظام السياسي العربي الرسمي التي تشكل دول ما توصف بالاعتدال أغلبية فيه، هذا في حين أن قناة الجزيرة القطرية بالذات، تغطي وقائع الأحداث الجارية عن الحرب الروسية الأوكرانية لصالح  الموقف الأوروبي والأمريكي الذي تجسد عمليًا في تقديم الدعم العسكري وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وبإغلاق الأجواء الأوروبية في وجه تحليق طائراتها وبإظهارها دولة معادية للديمقراطية وخارجة عن سيادة  القانون الدولي.

منذ اندلاع الحرب ووسائل إعلام عربية رجعية، تقف مع الغرب الاستعماري  وضد روسيا في مطالبها الأمنية، والتي حاولت تحقيقها بالوسائل الدبلوماسية، دون نتيجة تذكر، مما جعلها تلجأ للعمل العسكري، لكن هذه الوسائل الإعلامية المعروفة بتبعية دولها السياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي بقيادة واشنطن، تعرب عن تأييدها بدون تريث لأوكرانيا في حقها بالانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو "، على الرغم من موقفها السياسي السلبي من القضايا العربية، خاصة من القضية الفلسطينية، وكذلك دور الحلف نفسه في الفوضى السياسية والأمنية التي شهدتها المنطقة العربية، فيما تسمى بثورات الربيع العربي.

وبالتواطؤ مع  الإعلام الغربي الذي يشن حملاته على روسيا باتهامها دولة نازية توسعية، احتلت قبل سنوات جزيرة القرم وتعارض حق الشعب المسلم في الشيشان بالتعبير عن هويته الوطنية بالاستقلال، تستمر وسائل إعلام عربية، بترديد هذه الاتهامات باستمرار ممل، وكأن روسيا هي عدو للعرب وللمسلمين، في حين أن أوكرانيا والغرب أصدقاء لهم، وكأن الغرب لم يسبق أن قام في الماضي باستعمار بلدان الوطن العربي في المشرق والمغرب العربيين، والعمل أيضًا على تجزئتها، كما هو تاريخ الاستعمار البريطاني والفرنسي في  اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وإنشاء دولة الكيان الصهيوني العدواني على أنقاض الشعب الفلسطيني، وكأن أمريكا لم تحتل أفغانستان والعراق ويعترف ترامب الرئيس المتصهين السابق ب القدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني وبشرعية ضم الجولان العربي السوري له. كما لم يفوت الأمر على قناة الجزيرة القطرية في بثها المباشر عن وقائع الحرب الدائرة من إبراز حالة الصمود العسكري الأوكراني، في مواجهة جحافل الجيش الروسي وتكبيده خسائر بشرية بأرقام كبيرة.

موقف إعلامي رجعي رخيص تتخذه وسائل إعلامية عربية، كان عليها على الاقل اتخاذ موقفًا محايدًا وغير ذيلي، متوافقًا بذلك مع الموقف العربي الرسمي، وذلك لإبراز بداية تشكيل قوة إقليمية عربية مؤثرة في السياسة الدولية حيث كشفت أحداث أوكرانيا هزيمة سياسية للدور السياسي الأمريكي على مستوى الصراعات الإقليمية، حيث يتهم الساسة الأوكرانيين أمريكا بالتقاعس في الدفاع عن بلادهم، بتركها وحيدة في مواجهة الدب الروسي، وقد ينسحب هذا التراجع  في الدور الأمريكي مستقبلًا على الشرق الأوسط، وذلك بعدم تفعيل مساعيها السياسية لحل القضية الفلسطينية، حسب "مشروع حل الدولتين" الذي أعاد بايدن اعتماده كحل للصراع العربي الصهيوني، بعد أن تخلي عنه الرئيس السابق ترامب، والسؤال: لماذا معاداة روسيا التي لم يسجل التاريخ السياسي الدولي أن استعمرت أي قطر عربي أو احتلت أرضًا عربية؟ روسيا التي ورثت الاتحاد السوفييتي، صديق العرب الداعم لحركات التحرر والثورات الوطنية في بلدان العالم الثالث التي خضعت للاستعمار الغربي، لكن العملاء هم العملاء في كل الظروف والمناسبات.. لا يستطيعون في مجال السياسة والصراعات الإقليمية، إلا التعبير عن انتمائهم المصلحي الذي يدلل على تبيعتهم السياسية والاقتصادية.