تطلّعاتُ الكيانِ الصهيونيّ - تاريخيًّا - للهيمنة على البحرِ الأحمرِ - كجزءٍ من مساعيه للهيمنةِ على المنطقة - اكتسبت زخمًا إضافيًّا في العقودِ الأخيرة، على نحوٍ شكّلَ سياسةً عدائيّةً نشطةً في معظم الدول المشاطئة للبحر الأحمر، تضافر مع ذلك تطوّرُ التحالف بين العدوّ والعديد من نظم الخليج المشتركة في العدوان على اليمن، حيث شكّلت الحربُ على اليمن نموذجًا أوّليًّا عن السياقات المستقبليّة لعمل هذا التحالف، رغمَ وفرةِ الأعتدةِ في الترسانةِ العسكريّة لكلٍّ من السعوديّة والإمارات، لكن المؤكّد أنّ هذهِ الجيوشَ تعاني بشكلٍ عميقٍ من عجزٍ في ساحة الحرب الحقيقيّة، ناهيك عن أزماتها التقليديّة المتعلّقة بتشغيل النظم القتاليّة الحديثة والمعقّدة وصيانتها، التي تحتاجُ دائمًا إلى دعمٍ تقنيٍّ غربيٍّ يكلّفُها مليارات الدولارات، وهي أزمةٌ تبدو سهلةً قياسًا بما واجهته هذه الجيوشُ مع خوضها قتالًا حقيقيًّا ضدَّ خصمٍ متمرّسٍ في خلق التعقيدات.
لنعد قليلًا للعوامل التي تؤسّس لتطوير التحالف بين العدوّ والنظم الخليجيّة في هذه المرحلة، لفهمِ أبعادِ دورِ الكيان الصهيونيّ في المغامرةِ العسكريّةِ الخليجيّة في اليمن، فلدى نظمِ الخليج التي تشخّص حركات المقاومة عدوًّا لها، وترى ذاتها خطًّا متقدّمًا للمنظومة الغربيّة في المنطقة، فإنّها تنظرُ للكيانِ لا كعدوٍّ لأعدائها وحسب، ولكن تنظر له طرفًا خبيرًا في الحروب ضدّ مثلِ هذه القوى، وشريكًا ضروريًّا لتشغيل القدرة العسكريّة المعطّلة لهذه الدول، وتوفير مواردَ نوعيّةٍ للمنظومات الأمنيّة والاستخباريّة، التي تسلّطها هذه الدول على معارضيها وشعوبها، وهذه - تحديدًا - الصورةُ الذي يقدّمها الكيانُ الصهيونيّ عن دوره في الإقليم والعالم؛ طرفًا خبيرًا ومجرّبًا في قمع حركات التمرّد الشعبيّة ومحاربتها، وحراسة المصالح الغربيّة في الشرق الأوسط، وعدوًّا لشعوب المنطقة، لا يعوّل على صداقتها، لكن يجيد خلقَ الأدواتِ والمداخل لاختراقِ بُناها وضربِها وتفكيكِها؛ خبيرًا في القتل والعقاب والتجسّس والإخضاع، وهذا قد يلائم كثيرًا أسرَ حاكمةً تسعى لإدامةِ تسلّطها على شعوب المنطقة، وحفظ دورها وتوسيعه في خدمة المنظومة الغربيّة التي باتت تواجه هذه النظمَ شكوكٌ عميقةٌ بشأن جدّيّتها في حماية عروشٍ عاجزة. هذا التصوّر صاغته – سياسيًّا - رؤيةٌ أمريكيّةٌ معلنةٌ منذ عهد إدارة باراك أوباما حولَ تشكيل ناتو شرق أوسطيّ، يضمُّ تحالفًا من نظمٍ عربيّةٍ والكيان الصهيوني، ويشكّل أداةً لحراسة المصالح الأمريكيّة والغربيّة في المنطقة ومواجهة خصومها.
التدخّلُ والطموح:
رغمَ عدمِ الإعلانِ رسميًّا عن تدخّلٍ عسكريٍّ للكيان الصهيوني في الحرب على اليمن، إلّا أنّ مصادرَ صحفيّةً نشرت تباعًا عن الأدوار المتعدّدة التي أدّاها الكيانُ في دعمِ حلفائِهِ الجددِ ضمنَ هذهِ الحرب، ورغمَ محدوديّةِ هذا الدعم، إلا أنّه تركّز في جوانبَ محوريّةٍ لسدّ الثغرات الخليجيّة فيما يتعلّق بإدارةِ الحرب، ومعلومات استخباريّة، وتقنيّات تتعلّق بجوانبِ نقصٍ في القدرة العسكريّة الخليجيّة، وتدريب على تشغيل المرتزقة والقوّات النظاميّة في حربٍ من هذا النوع.
لا تعوز الكيان البُنى التحتيّة لتقديم مثل هذا الدعم، فمن حيثُ التموضعُ الجغرافيُّ امتلك الكيانُ قواعدَ عسكريّةً في جيبوتي وارتيريا، وتشيرُ مصادرُ صحفيّةٌ إلى أنّ الكيانَ ينقلُ إمداداته العسكريّة من ميناء عصب الاريتيري إلى قاعدة خميس مشيط في عسير، التي يوجد فيها عددٌ من الضبّاط والجنود الإسرائيليّين، ويشاركون من خلال غرفة عمليّاتٍ في إدارة العدوان على اليمن، وحسب المصادر ذاتها توجدُ قوّاتٌ للعدوّ أيضًا في ميناء مصوع المطلّ على البحر الأحمر، كما قامت باستئجارِ جزرٍ محيطةٍ بالميناء، وكشف موقع awd news أنّ وزيرَ الخارجيّة السعوديّ عادل الجبير طلب من الملك سلمان الموافقةَ على دعم العدوّ ومساعدته في الحرب على اليمن، وفي السياق نفسه كشف موقع liberty fighters البريطاني أنّ "إسرائيلَ شاركت بسربٍ جويٍّ من الطائرات لدعم القوّات السعوديّة". وبحسب واشنطن بوست فإنّ "شركات الإنترنت الإسرائيليّة وتجار السلاح ومدربي حرب الإرهاب وحتّى القتلة المأجورين؛ تديرهم شركةٌ مملوكةٌ لكيان الاحتلال، وهم شركاء في الحرب في اليمن".
رغمَ أنّه لا يمكن الذهابُ نحو تحديدٍ دقيقٍ للدور الذي يؤدّيه الكيانُ في هذهِ الحرب، خصوصًا فيما يتعلّق بالوجود المباشر، إلا أنّ رغبات العدوّ من هذه الحرب، كما من تحالفاته الخليجيّة، تتّضح من خلال المشاريع المشتركة خصوصًا مع الإماراتيّين عسكريًّا واستخباريًّا، حيث تتّجُهُ هذهِ الشراكةُ لإنشاءِ قاعدةٍ عسكريّةٍ واستخباريّةٍ في جزيرة سوقطرة اليمنيّة الواقعة تحت الاحتلال الإماراتي، وبجانب القواعدِ العسكريّة للكيان في دول البحر الأحمر والقرن الأفريقي، تولّت الإماراتُ وضعَ موطئِ قدمٍ للكيان في السودان ، كما أنّ مشروعَها لفصلِ جنوب اليمن والسيطرة على سواحلِهِ ينصبُّ في خدمةِ هذه الهيمنة المشتركة على البحر الأحمر ومدخله للخليج. فمشروعُ الهيمنة البحريّة للكيان الصهيونيّ على البحر الأحمر بات له شريكٌ خليجيٌّ كفيلٌ بمدّ الحضور البحريّ للكيان إلى الخليج العربيّ، والاتّفاق مع البحرين على الوجود العسكريّ الصهيونيّ لا يمكن النظرُ له إلا في سياقِ استحضارٍ للكيان في معادلة الخليج.
المآلاتُ وصراعُ المستقبل:
ارتداداتُ الحرب على اليمن؛ امتدّت لتطالَ عواصمَ الخليجِ وبُنًى استراتيجيّةً في السعوديّة والإمارات بضرباتٍ يمنيّةٍ موجعةٍ بواسطةِ الطائرات المسيّرة والصواريخ، كان أبرزُها الهجومَ النوعيَّ على منشآت شركة أرامكو - عملاق الصناعة النفطيّة السعوديّة - ورغمَ ذلكَ فإنّ النظمَ الخليجيّةَ المتحالفةَ مع الكيان لا تُبدي نوايا في التراجعِ عن تحالفِها مع الكيان. فالمسارُ الأساسيُّ لتعامل نظم الخليج مع التهديدات التي استجرتها بحربها على اليمن، هو الاتجاه لمزيدٍ من التعاون مع العدوّ، وما الاستثمارُ في الصناعات العسكريّة الصهيونيّة بعشرات مليارات الدولارات إلا تعبيرٌ عن تصميمٍ على ربطِ مصيرِ هذهِ النظم بمصير الكيان. وبينما يسعى هذا التحالفُ لبناءِ مصالحَ اقتصاديّةٍ مشتركة، تعبّر عنها شبكاتٌ لنقل الغاز والنفط، فإنّ امتداداتِ هذه الشبكة عبرَ الأراضي العربيّة، تعني توسيع مساحة الاشتباك مع العديد من القوى المعادية للمشروع الصهيونيّ.