مناسبتان هامتان أكتب عنهما اليوم: الأولى عيد الأم، وفيها أتقدم من كافة الأمهات الفلسطينيات والعربيات، بل وفي العالم أجمع، بأجمل التحيات وأحر التهاني، حيث هن رمز الكفاح ومنبع العطاء ومصنع الرجال ومدرسة الأجيال، وأخص بالذكر الأم الفلسطينية، شريكة النضال جنبا إلى جنب مع الرجل في مقاومة الاحتلال، ورفيقة الدرب في الدفاع عن الحريات والديمقراطية والعدالة والمساواة... التحية لأرواح شهيدات الثورة الفلسطينية، الشهيدة الأولى بعد حرب 1967: شادية ابو غزالة، والشهيدة دلال المغربي، التي أحيينا قبل عدة أيام ذكرى استشهادها ورفاقها في عملية كمال عدوان البطولية التي ارعبت العدو... التحية لكافة الأسيرات في سجون العدو وفي المقدمة منهن الأمهات الأسيرات.
إن الأم هي الركن الأساسي في بناء المجتمع، وهي المصنع الذي ينتج الرجال، والمدرسة التي تتربى فيها الأجيال، وقديما قيل: الأم التي تهز السرير في يمينها تهز العالم في يسارها.. وقال الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق، وقيل الكثير عن الام ودورها: الأم تزرع الأمل وتصنع المستقبل، ويكفي اليوم أن نرى الامهات الفلسطينيات وهن يودعن فلذات أكبادهن الشهداء؛ بالزغاريد ورفع رايات المقاومة، وهن يزرن أبناءهن في السجون وتوجه لهم الدعوات بالصمود وتشد من عزيمتهم، وتقوم بكل ذلك وهي رافعة الرأس وتفتخر كونها أم الشهيد والأسير.
في هذه المناسبة التي نحتفل فيها بعيد الأم اليوم، وكنا قد احتفلنا قبل أيام بيوم المرأة وعيدها العالمي، أقول: أن المرأة في مجتمعنا الفلسطيني والعربي ما زالت بعيدة عن نيل حقوقها والمساواة مع الرجل، وما زالت تخضع لهيمنة الرجل والمجتمع، وتعاني من ثقافة التخلف السائدة في مجتمعاتنا وهي تدفع الثمن، ففي الكثير من البلدان العربية المرأة ما زالت لا تملك حق الترشح والانتخاب، وفي البعض الآخر لا يسمح لها بالسفر دون مرافق أو سياقة السيارة.. الخ، هذا إلى جانب التمييز في الحقوق.
درج القول بأن المرأة نصف المجتمع – وهي أكثر من ذلك - ويجب أن تأخذ دورها كاملا، ولا خير في مجتمع يضطهد المرأة ولا يحترمها، ومن المعروف أن تقدم أي مجتمع يقاس حسب دور المرأة فيه، ولا يكفي أن يتم تخصيص يوم من كل عام للاحتفال بالأم والمرأة، بل يجب أن تكون كافة أيام السنة أعياد لها نقدم فيها الاحترام والتقدير لدورها، وعلينا أن ننبذ ثقافة التخلف وتتخلص من الموروث القديم الذي يقول: أن المرأة ضلع أعوج وناقصة عقل ودين. الحقيقة والواقع أن المرأة ليست كذلك، وهي تتقدم على الرجل في الكثير من المجالات إذا ما أعطيت الفرصة والتاريخ يشهد على ذلك. فالمرأة العربية ليست أقل كفاءة من المرأة الأجنبية في أوروبا وغيرها، وكما وصلت المرأة في تلك البلدان إلى أعلى المناصب، بما فيها المنصب الأول في بعض الدول، فإن المرأة العربية تستطيع أن تصل، وهي تملك من القدرات ما يجعلها تستحق ذلك وبجدارة المهم أن تتاح لها الفرصة.
لماذا تُحارب المرأة العربية وتُقتل تحت ذريعة الشرف؟ وهل يقتصر الشرف على المرأة؟ وأين شرف الرجل..؟ إن أية ممارسة مخلة بالأخلاق، أليس لها طرفان هما الرجل والمرأة؟ لماذا تحاسب المرأة ولا يحاسب الرجل؟!
علينا أن نغادر هذه الثقافة ونعطي المرأة حقوقها على قدم المساواة مع الرجل، وهذا يتطلب:
- إلغاء كافة القوانين في الدساتير وقوانين الأحوال المدنية التي تميز بين الرجل والمرأة.
- نشر ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة ومحاربة ثقافة الجهل والتخلف.
- أن يقوم الرجل بدعم وتأييد، بل ومشاركة، المرأة في معركتها من أجل نيل حقوقها وأن يمارس ذلك في البيت والعمل وداخل المجتمع.
- الأهم من كل ذلك أن تخوض المرأة معركة حريتها والمطالبة بنيل حقوقها في المساواة دون تمييز، من موقع أن المرأة عليها تحرير نفسها وعلى الرجل أن يدعمها في ذلك، الحقوق تنتزع ولا تقدم مجانا.
لا شك أن الكثير من الموضوعات يمكن تناولها حول المرأة ودورها وحقوقها، إلا أن هذه المقالة لا تتسع لذلك.
المناسبة الثانية التي أكتب عنها في هذه المقالة هي ذكرى معركة الكرامة الخالدة التي وقعت في نفس التاريخ ٢١/٣/١٩٦٨، وهي ذكرى عزيزة وغالية على قلوبنا وقلوب كل الوطنين العرب والفلسطينيين... إنها معركة المجد والبطولة والشهامة، ففي مثل هذا اليوم وفي هذا التاريخ، تقدمت قوات جيش الاحتلال الصهيوني وشنت هجوما واسعا ومفاجئا؛ استهدفت من خلاله قواعد الثورة الفلسطينية في منطقة الأغوار ومدينة الكرامة في محاولة منها لتصفيتها، كما استهدفت قوات الجيش الأردني التي ترابط في تلك المناطق في محاولة منها لهزيمتها واحتلال مرتفعات البلقاء وتهديد العاصمة عمان، ظنا منها أن هزيمة حزيران، ما زالت تُلقي بثقلها على معنويات الجيش الأردني وقوات الثورة الفلسطينية، وهنا كانت المفاجأة للعدو عندما تم التصدي له وإلحاق الهزيمة به وبجيشه، بعد بضعة أشهر على هذه الهزيمة، حيث فشل فشلا ذريعا، وخسرت قواته أعدادا كبيرة من جنودها ودباباتها، وانتصرت المقاومة والجيش الأردني، ولم يستطع العدو أن يتقدم في أي موقع من مواقع القتال، وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني التي تم فيها تجسيد مقولة وحدة الجيش والمقاومة والشعب.
لقد استطاعت قوات الجيش والمقاومة والشعب أن تنتصر وإعادة الأمل بعد الهزيمة، ولأول مرة تطلب قوات العدو وقف إطلاق النار على غير عادتها، حيث خسر العدو في هذه المعركة، والتي لا تقل عن عين جالوت وحطين الكثير وفيما يلي أهمها:
٢٥٠ قتيلا و ٤٥٠ جريحا، و 24 سيارة مسلحة و ٤٧ دبابة و١٨ ناقلة جند، وفقدت دولة العدو في هذه المعركة ٣ أضعاف ما خسرت في حرب حزيران، وهذا ما دعا رئيس الأركان في جيش العدو بارليف، أن يصرح قائلا: (اعتاد الإسرائيليون أن يخرجوا من كل معركة منتصرين؛ أما الكرامة فقد كانت فريدة من نوعها لكثرة الخسائر والاستيلاء على دباباتنا). أما المقدم أهارون بيليد قائد مجموعة القتال الصهيونية، قال: (لقد شاهدت قصفا شديدا عدة مرات في حياتي، لكنني لم أرَ شيئا كهذا).
أما خسائر الجيش الأردني كانت: ٨٦ شهيدا و ١٠٨ جرحى، و١٣ دبابة و ٣٩ آليه،
إلى جانب استشهاد وجرح عدد من الثوار الفلسطينيين اللذين قاوموا ببسالة منقطعة النظير وصلت إلى حد الالتحام مع قوات العدو بالسلاح الأبيض.
واليوم ونحن نتحدث عن معركة الكرامة، لا بد من التوقف عند أهم دروسها:
الدرس الأول: أثبتت هذه المعركة أن جيش العدو يمكن أن يهزم، إذا توفرت الإرادة والعزيمة على المواجهة.
الدرس الثاني: أهمية التلاحم بين الثورة والجيش والشعب؛ فهذا ما صنع الانتصار.
الدرس الثالث: أهمية التحلي بالشجاعة واتخاذ القرار في الوقت المناسب، وهذا ما فعله قائد الجيش الأردني مشهور حديثي الجازية، رحمه الله، دون انتظار، وكان له أثرا كبيرا في تحقيق هذا النصر الكبير.
-الدرس الرابع: أنه لا يوجد هزيمة للأبد ولا نكسة دائمة وأن الانتصار ممكن، وهذا ما حدث.
-الدرس الخامس: أثبتت هذه المعركة تلاحم جماهير شعبنا العربي مع الثورة الفلسطينية قولا وعملا، حيث فتحت الطريق لآلاف من الشباب ومن مختلف الأقطار العربية للالتحاق بالثورة الفلسطينية والانخراط في صفوفها.
وفي هذه المناسبة: نتوجه بتحية الوفاء والإخلاص لأرواح شهداء الثورة الفلسطينية والجيش الأردني وشهداء شعبنا الأردني والفلسطيني وللجرحى ولكل من شارك وساهم في هذه المعركة.. والتحية لصاحب القرار الشجاع مشهور حديثي ولكل المقاومين.