سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل..سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل...سنطردهم من هواء الجليل، محمود درويش.
46 عاماً مضوا على يوم الأرض الخالد ، الذي شكّل محطة نضالية هامة في مسيرة شعبنا نحو الحريّة والاستقلال، يوم أن باتت الأرض الفلسطينية جحيماً للصهاينة وناراً تشتعل تحت أقدامهم ،قبل ستة وأربعين عاماً أثبت فلسطينيو الدّاخل المحتل أنهم جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الشهداء على مذابح الحريّة والاستقلال، في النّقب والجليل وسخنين وعرابة انتفضت الجماهير الفلسطينيّة رفضاّ لقرار العدو الغاصب بمصادرة 21 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، بصدورهم العارية واجهوا مدرعات العدو ومجنزراته، لتروي دماء الشهداء أرضنا التي ستلفظ الصهاينة آجلاً أم عاجلاً لا محالة.
رغم احتلال أراضينا المحتلة عام 1948، وإفراغ البلدات الفلسطينيّة من سكانها الأصليين، لم تتوقف الأطماع الصهيونية في التغول على الأراضي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، حيث تتواصل أطماعه الاستيطانية وتتوسع رقعتها يوماً تلو الآخر، في معظم أجزاء الضفة المحتلة ومدينة القدس .
وللحديث بشكل أوسع عن السرطان الاستيطاني في الأرض الفلسطينيّة، تواصلت الهدف مع مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية الدكتور خليل تفكجي الذي أوضح أنّ الفلسطينيون الذين كانوا يملكون 96% من الأراضي قبل عام النكبة باتت ملكيتهم لا تتعدى 4% من أراضيهم التاريخيّة، وانسحبت سياسات التوسع الاستيطاني عام 1967 على أراضي الضفة المحتلة ومدينة القدس، حيث كان هناك برنامج "إسرائيلي" تركز على الاستيطان داخل القدس وفي مناطق "غوش عتصيون" المنطقة التي يعتبرها العدو له فيها أحقيّة تاريخية عندما أنشئت أول مستعمرة صهيونية فيها عام 1925، كما جاء مشروع "ألون" في العام 1970 الذي تكلم عن القدس والأغوار من ناحية أمنيّة كجزء من منطقة دفاعية، وكثف من عملياته الاستيطانية فيها.
وتابع: " ما بين العام 1977 والعام 1988 جاءت حكومة الليكود التي حملت رؤية مختلفة تماماً والتي ترى بأن الضفة الفلسطينية جزء من الدولة العبرية والظهير لمنطقة الساحل، وبدأ الاستيطان يتركز حول المدن الفلسطينيّة وحول "الخط الأخضر"، بالإضافة إلى تغيير الأسماء بمعنى أن الضفة أصبحت يهودا والسامرا ضمن العقيدة الليكودية، حيث بدأ بإزالة "الخط الأخضر" بإقامة مستعمرات داخل "الخط الأخضر" وفي الضفة المحتلة، ثم نشأت خطة النجوم التي تبدأ من منطقة "اللاترون" وتنتهي عند منطقة أم الفحم"
ولفت تفكجي إلى أنّه في العام 1979 وٌضع مشروع مليون مستوطن في داخل الضفة المحتلة، الذي طرحه موتتياهو دروبلس، والذي يقضي أيضاً بعدم إقامة دولة فلسطينيّة بين النّهر والبحر، وعام 1983 جاء الأمر العسكري رقم 50 للطرق الذي يقر إنشاء شبكة من الطرق الالتفافيّة التي تخدم المستعمرات وفي نفس الوقت تضيق الخناق على المدن الفلسطينيّة.
واشار إلى أنّ عدد المستوطنين بلغ حتى توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 مئة وخمسة آلاف مستوطن في الضفة المحتلة ، وصل عددهم اليوم إلى ما يفوق الخمسمئة ألف مستوطن، منوّهاً إلى أنّه بعد عقد اتفاقية السلام بدأ العدو بتنفيذ كافة مشاريعه الاستيطانية في داخل الضفة".
وبين تفكجي أنّ هناك فرقاً بين المناطق المبنية من المستوطنات والمناطق التي تضم البؤر الاستيطانية، فالمناطق المبنية لا تتجاوز ال 1.9% من مساحة الضفة، بينما المخططات الهيكليّة لهذه المستعمرات تبلغ 6% من مساحة الضفة، ومناطق النفوذ تصل إلى 60 % من مساحة الضفة.
وعن صورة الاستيطان الحالية في العام 2022 نوّه تفكجي إلى أنّه يتركز حول المناطق الاستراتيجية الصهيونية وبالأخص في منطقة الأغوار التي يستخدمها العدو لأسباب اقتصادية، وكذلك لوضع التجمعات الفلسطينية بين "فكي كماشة" من الناحية الشرقية الغور الذي يعادل 27% من مساحة أراضي الضفة، ومن النّاحية الغربية الجدار الذي تمت إقامته، وتابع: " ما بين الشرق والغرب بدأ العدو في إقامة الشوارع الالتفافيّة العريضة".
ووفقاً لتفكجي يحمل الاستيطان أهداف عديدة من بينها أسباب أمنية لمحاصرة المدن الفلسطينية، وعدم السماح لسكان المناطق الشماليّة بالتوجّه للمناطق الغربيّة ومنع النمو السكاني، إضافة إلى السيطرة على المياه الجوفيّة، وتحقيق مكاسب اقتصاديّة.
ويرى تفكجي أنّ الكيان الصهيوني يسعى لإنشاء دولة داخل دولة عبر إنشاء دولة مستعمرات صهيونية التواصل بينها تواصل جغرافي، مقابل تجمعات فلسطينيّة التواصل بينها عن طريق الأنفاق والجسور،وأضاف القول " إنّ الزيادة السكانية في المستوطنات التي اقتربت من تحقيق هدفها والوصول إلى مليون مستوطن في الضفة، جعلت الفلسطينيون يواجهون معركة جديدة حيث يتحدون عنصرية المستوطنين المقيتة وإرهابهم الذي يتجلى في الاعتداء على المزارعين وحرق السيارات والمنازل".
من جانبه قال منسق اللّجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان،صلاح الخواجا، "نعتبر أن يوم الأرض هو رمزاً ليوم النصر والتحدي والبطولة ، عندما توحد الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وأماكن تواجده للتوحد ضد سياسة التطهير والتهجير والاستيلاء على مزيد من الأراضي في منطقة الجليل والمثلث وعرابة في شمال الأراضي الفلسطينية التاريخية، حينما استخدم العدو كافة المحاولات لكسر القرار الفلسطيني بمنع الإضراب الشامل والحراك الشعبي للتصدي للاحتلال، ووضعت سياسات الاغلاق ومنع التجول والاعتقالات والاستدعاءات".
وعلى صعيد آخر، اعتبر الخواجا أنّ إجراءات الاحتلال في عمليات القمع والتنكيل والظلم ضد أبناء الشعب الفلسطيني كانت سبباً لتفجير الوضع القائم، حيث كلما زاد القمع وزاد التنكيل زادت احتمالية الانفجار في وجه العدو، ولهذا تصاعدت في الآونة الأخيرة العمليات البطولية المشرفة لأبناء شعبنا، مشدداً على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة العملية النضالية بكافة أشكال الكفاح والمواجهة.
ولفت الخواجا إلى أنّ الحالة العربية الهشة ومسارات التطبيع التي تتهافت إليها بعض الدول العربية، تتطلب حشد الشعوب العربية وكافة القوى ضد الرجعيّات العربية، مشيراً إلى أنّ العام 1973 الذي توحدت فيه الدول العربية في مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية وكل من دعم الكيان الصهيوني، عبر اتخاذ قرار بوقف تصدير النفط أخضع أمريكا للإرادة العربية.
وتابع: " اليوم بعض التنظيمات العربية تشهد انهياراً خلقي ووطني يتمثل في التهافت على التطبيع مع الكيان لوجود أوهام بأن العدو قادر على الحفاظ على عروشهم المتهالكة،وللأسف شكّل ذلك ضرراً كبيراً على القضية الفلسطينية، ورهاننا يبقى على شعوب هذه الدول التي لا يمكن أن تصمت طويلاً عن هذا التخاذل المشين".
لقد أثبتت أحداث يوم الأرض الخالد عام 1976 صوابية الّنهج الذي اتخذه أبناء شعبنا في مواجهة العدو الصهيوني، نهج الدفاع والنضال والمقاومة، الذي نحن أحوج ما نكون إليه لمواجهة الهجمة الصهيونية المتصاعدة في الآونة الأخيرة بحق أراضي النقب والضفة والقدس.
وتبقى الأرض هي المعركة الرئيسية في المواجهة مع الاحتلال، ولا يوجد خيار أمامنا كفلسطينيين إلا أن نؤمن بأنّ انتصار شعبنا لرفض عمليات التهويد في الجليل كانت بوحدة شعبنا ونضاله وعلينا أن نستفيد من هذه التجربة التاريخية في المواجهة ضد سياسات التوطين والتهجير في كافة المناطق الفلسطينية.