Menu

صراع الشرق والغرب في الأزمة الأوكرانية

محمّد جبر الريفي

أعادت الأزمة الأوكرانية من جديد على المستوى الدولي، الصراع بين الشرق بقيادة روسيا السلافية الأرثوذكسية التي ورثت الاتحاد السوفييتي السابق، بكل مواقفه السياسية المناصرة للقضايا الوطنية التحررية في بلدان العالم الثالث، وكل قدراته العسكرية أيضًا، خاصة منها إمكانياته التسليحية النووية، والغرب الكاثوليكي والبروتستانتي،  بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، زعيمة المعسكر الرأسمالي الإمبريالي المعادية لتحرر الشعوب، حفاظًا بالدرجة الأولى على مصالحها الحيوية وعلى استمرار هيمنتها السياسية على المستوى الدولي. وفي وقت يتوهم فيه صانعوا القرار الأمريكي أن العالم كله أصبح رهن قبضتهم، بسبب ما يمتلكونه من ترسانة عسكرية جبارة وقواعد عسكرية موزعة جغرافيًا على النطاق العالمي... كل واحد من هذين القطبين الرئيسيين له حلفاء في إطار الأزمة الأوكرانية على المستوى الإقليمي والدولي: الصين وكوريا الشمالية وفيتنام وفنزويلا وكوبا، وقد تلحق بهما إيران و سوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية الوطنية واليسارية، مع القطب الروسي، ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج العربي مع القطب الأمريكي.

صراع سياسي وعسكري بين القطبين الروسي والأمريكي  على الأرض الاوكرانية وصل في هذه الأيام إلى ذروته، بسبب اعتراف روسيا بإقليميين انفصاليين أوكرانيين كدولتين مستقلتين وهو ما تعتبره واشنطن ودول الغرب، عملًا خطيرًا، باعتباره تدخلًا في الشؤون الداخلية للقارة الأوروبية لتجزئة دولها القومية إلى بلدان قزمية مفككة، كما كان حال ألمانيا وإيطاليا قبل تحقيق وحدتهما القومية، وبذلك تفقد الولايات المتحدة حليفها الاستراتيجي بشكله القائم على تعدد القوميات،  وهو الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يجب الرد عليه، مما ينذر بمواجهة عسكرية مباشرة هذه المرة بين أمريكا وحلف الناتو من جهة،  والقوات الروسية في أوكرانيا من جهة أخرى، حيث اقتصر موقف واشنطن والاتحاد الأوروبي حتى الآن من الحرب الروسية الأوكرانية على تقديم الدعم العسكري واللوجستي.. مواجهة مباشرة بين القطبين الروسي والأمريكي تهدد الأمن والسلم الدوليين، حيث هدد الرئيس الأمريكي بايدن الذي يغلب عادة على مواقفه السياسية، بأنها مواقف رخوة، مقارنة بالرئيس السابق ترامب الذي يغلب على مواقفه السياسية الشدة والتهور والتخبط وعدم الاتزان.. هدد بايدن على غير مواقفه السابقة بالتدخل العسكري المباشر في الأزمة الأوكرانية في مواجهة كبح سياسة بوتين الذي يصفه  بالدكتاتور وبالقيصر الذي يحاول السيطرة على القارة الأوروبية.

ترقب الأيام القادمة، تعيد للأذهان أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا في الستينات من القرن الماضي، والتي كانت تتسبب بحرب عالمية ثالثة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة، لولا أن أمر خروشوف في اللحظات الأخيرة، بالعدول عن نشر الصواريخ في الجزيرة الكوبية الواقعة على مقربة من الشواطئ الأمريكية... من المفيد أن نذكر في هذا السياق، أن الولايات المتحدة من طبيعتها القيام بالعدوان على البلدان الأخرى، وقد تقوم بذلك تحت غطاء الدوافع الإنسانية والأخلاقية كاستعمال الأسلحة الكيماوية أو امتلاك أسلحة الدمار الشامل أو حدوث عملًا إرهابيًا، وكانت هذه هي الذرائع التي سوقتها على مستوى الرأي العام الدولي لغزو كلا من أفغانستان والعراق... من الطبيعي أيضًا أن يكون للكيان الصهيوني، دورًا عسكريًا فيما لو أقدمت واشنطن وحلفاؤها الغربيين على تنفيذ تهديداتهم ضد روسيا وحلفائها، وفي حال الإقدام على ذلك، فإن إيران تجد نفسها أمام واقع لا يمكن أن تكون إلا جزءًا فاعلًا في هذا الصراع الذي سيقرر في نهاية المطاف اتجاه التطورات المستقبلية لعموم دول المنطقة والعالم.