Menu

المشروع الصهيوني في حال الاشتباك

محمّد جبر الريفي

في مؤتمر بازل بسويسرا الذي انعقد برئاسة الصحفي اليهودي النمساوي تيودور هرتزل، تم الحصول على موافقة الحركة الصهيونية العالمية على اختيار فلسطين من بين مناطق، لتكون وطنًا قوميًا لليهود. وبعد الحرب العالمية الأولى، رسمت اتفاقية سايكس بيكو حدود فلسطين التاريخية لممارسة حدود إبادة وتشريد، وليس حدود استقلال وطني، كما هو الحال بالنسبة لسوريا ولبنان والأردن.. ومن ذلك الوقت والاشتباك قائم، بين الفلسطينيين والمشروع الصهيوني العنصري الذي يعمل في كل لحظة على شحذ سكين الاستيطان، لتحقيق أهدافه التوسعية التي تتعدى المساحة الجغرافية لفلسطين إلى أبعد من ذلك، كما تشير إليها العبارة المكتوبة على بوابة الكنيست الإسرائيلي.

بعد قيام الكيان الصهيوني عام 48، بدعم من حكومات الانتداب البريطاني كجزء من مخطط استعماري كبير، يستهدف تشويه هوية المنطقة العربية، عمل الزمن وما جرى فيه من أحداث ومتغيرات لصالح هذا الكيان، فانهار مشروع الوحدة المصرية السورية وهزيمة يونيو/حزيران 67 وهي هزيمة قاسية للكرامة العربية، أما الثورة الفلسطينية التي كانت هي الرد السريع على تلك الهزيمة، فقد فقدت قاعدتها الرئيسية في الأردن ثم في لبنان وتوزع مقاتلوها في بعض دول الشتات العربي، مما دفعها لانتهاج طريق التسوية التي بدأته مصر السادات بالتوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد، وقد أفضى ذلك الطريق إلى توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير وحكومة رابين، مما أربك المشروع الوطني، بما أحدث من أفكار سياسية مختلفة لحل المشكلة الفلسطينية، كان من بينها مشروع حل الدولتين الذي وصل إلى طريق مسدود، بسبب تعنت الكيان الصهيوني وعدم استعداده لدفع استحقاقات السلام العادل، مدعومًا بالموقف الأمريكي الذي يسعى لتمرير ما يسمى بصفقة القرن.

إن الوقائع السياسية السالفة، أصبحت في ذمة التاريخ، لكن ما يستدعي التأكيد عليه الآن، هو أن المشروع الصهيوني الذي أقرته الحركة الصهيونية العالمية في مؤتمر بازل بسويسرا، رغم النجاحات التي حققها وقد وصلت إلى درجة متقدمة الآن، بميل أطراف عديدة في النظام السياسي العربي الرسمي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي وقت لم تتحقق فيه التسوية السياسية، اعتمادًا على فكرة أن السلطة الفلسطينية نفسها قائمة على أساس التطبيع، إلا أن ذلك لا يلغي القول: بأنه ليس هناك على المدى البعيد، مستقبلًا للكيان الصهيوني في بلادنا فلسطين، ذلك أنه مهما امتلك هذا الكيان الغاصب الدخيل من قوة عسكرية، بسبب تحالفه مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الاستعمارية، فإن ذلك لن يوفر له الأمان والاستقرار في العيش والبقاء على الأرض التي أقيم عليها بالقوة المسلحة، تحت غطاء من الحجج والذرائع الدينية التوراتية والتلمودية الخرافية، لأن المتغيرات السياسية التي تجري في المنطقة وإن بدت في ظاهرها الآن، تحدث لصالح إسرائيل، بسبب الصراع الدموي الذي تعيشه بعض دول المنطقة على السلطة السياسية، وهو صراع لم يعد له أهداف وطنية وقومية، وحتى خارج نطاق الدعوة لتعميم الديمقراطية، وقد كان مردوده من الناحية السياسية على القضية الفلسطينية؛ التهميش والتراجع، من حيث الأولوية، وذلك باهتمام الشعوب بالقضايا المعيشية المطلبية على القضايا السياسية، فإنها، أي المتغيرات السياسية هذه، لن تبقى على حالها من صراعات وحروب في إطار الفوضى السياسية والأمنية بين دول إقليمية ودولية بالوكالة، وسوف تفرز في المستقبل نقيضها، بحكم قانون التناقض الذي يحكم تطور الأشياء المادية في الكون؛ سوف يأتي اليوم الذي تنتصر به إرادة الشعوب العربية وينهض بذلك المشروع القومي الديموقراطي من جديد، ويعود الصراع في المنطقة إلى جذوره الحقيقية، صراع بين الأمة العربية، بقواها التحررية الوطنية والديمقراطية، وبين الكيان الصهيوني العنصري وقوى الغرب الرأسمالية الإمبريالية الطامعة في نهب ثروات ومقدرات المنطقة؛ فالتناقض بين هذين المعسكرين هو التناقض الرئيسي الذي يبقى قائمًا في المنطقة، وما غيره من صراعات هو صراع لاستمرار التخلف والتبعية وإعادة إنتاج مزيد من الأنظمة الاستبدادية العربية التي تمارس الظلم السياسي والاجتماعي.

لقد فشل الكيان الصهيوني حتى الآن، رغم الأعوام الكثيرة التي مضت على تأسيسية عام 48، ورغم اتفاقيات الصلح المنفردة الذي توصل إليها مع مصر والأردن ومنظمة التحرير في أن يضفي على نفسه اعترافًا شرعيًا من شعوب المنطقة، لأن الشعوب العربية ليست كالأنظمة السياسية، فلم تجد إجراءات التطبيع مع الكيان التي قامت بها دول عربية عديدة، وكذلك لم تستطع آراء ومقالات ومقابلات بعض المثقفين والنخب السياسية العربية وغالبيتهم من دول الخليج العربي، ممن يحملون في عقليتهم السياسية والفكرية ثقافة رجعية قبلية متخلفة، تقوم على الانبهار بحضارة الغرب البرجوازية التي يتصف بها الكيان الصهيوني، باعتباره امتدادًا لها؛ في تغيير نظرة الشعوب العربية الملتزمة بموقف الرفض لهذا الكيان الغاصب الدخيل في أن يبقى قائمًا في المنطقة.