نظم ملتقى الفكر التقدمي في محافظة رفح لقاءً حوارياً الخميس الماضي ضم مجموعة من الشخصيات الوطنية والأكاديمية والشبابية والنسوية، تناول فيه عنوان "الكيان الصهيوني بين مُمكنات زواله وشروط الانهيار" بما تفرضه الشروط الذاتية والموضوعية على كل طرف من أطراف الصراع.
وافتتح الرفيق أسامة صيدم اللقاء مرحباً بالحضور، داعياً إياهم للوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء الذين قضوا على طريق الحرية والاستقلال، مستذكراً الشهيد القائد جمال أبو سمهدانة الذي حلت ذكرى استشهاده في 8/6، وقدم نبذة عن حياته وظروف استشهاده.
كما ورحب بضيف اللقاء الرفيق عدنان أبو ضاحي مستعرضاً دواعي اختيار هذا العنوان المهم في اللقاء الـ 33 للملتقى، معتبراً أنه في الآونة الأخيرة أثيرت قضية زوال الكيان الصهيوني من زوايا دينية بحتة، أو ظهور علامات معينة لزواله "حسب ما طرح البعض، ولكن طرحنا من خلال زاوية علمية وتاريخية مرتكزة على العوامل الذاتية والموضوعية كما علمنا التاريخ".
وأضاف، إنّ "الكيان الصهيوني قام على فكرة فاسدة وباطلة ومجموعة من الاكاذيب وتزييف الحقائق، وسرقة الأرض والتراث، وعاجلاً أم آجلاً سنرى زواله، وتحدث الرفيق عدنان أبو ضاحي باستفاضة وموضوعية"، مستعرضًا "العديد من العوامل والآراء والظروف التي يمكن أن تحقق ذلك".
وفي مداخلته قال: "بكم ومعكم وبحضوركم استمر ملتقى الفكر التقدمي بتأدية رسالته، وقد يبدو من خلال العنوان في كلمة "نبوءة" أن الملتقى قرر الذهاب إلى منطقة ليست من مجال اختصاصه ولكن النبوءة من وجهة نظري تعني التقديرات التي تقوم على المعطيات والتقديرات على أرض الواقع، نحن نقدر أن ذلك سيحصل، ولكن كثر الحديث في الآونة الاخيرة حول نبوءات تكررت على السنة مؤرخين وعلماء آثار وأناس يعملون بالسياسة ومنهم قادة ومؤسسي لدويلة الكيان واحتلوا مراكز مهنة فيها، ويعيشون عقدة العقد الثامن للكيان، وفي البداية سنأتي على الدور الوظيفي لدولة الكيان، فقد زرع في المنطقة خدمة للاستعمار نظراً للأهمية القصوى التي تتمتع فيها، وتحديداً فلسطين، فهي قلب العالم القديم وملتقى الثلاث قارات، ونقطة الوصل ما بين شرق المتوسط وغربه، ومن هنا جاء اهتمام الغرب والاستعمار بضرورة زرع الكيان، وهذا هو السبب الحقيقي لوجوده، وقد تلقى الدعم الغربي وتواطؤ الأنظمة العربية، ولكن بدأ الكيان الصهيوني في البحث عن مبررات وركائز لتبرير ولقلب هذه الحقيقة لوجودها في المنطقة، وهي أنهم أصحاب الأرض، ومع ظهور الحركة الصهيونية والبحث عن إقامة وطن قومي لليهود ظهر المؤرخين والباحثين التاريخيين، في أواخر القرن التاسع عشر وهم بخلفية توراتية دينية اعتبروا أنهم أصحاب الأرض وطردوا منها مرتين، وبدأوا البحث في زمن الاحتلال البريطاني لفلسطين، أي قبل قيام الكيان الصهيوني، وكل ما وجدوه آثار كنعانية وبيزنطية واسلامية، ولم يجدوا حتى يافطة صغيرة تدلل على وجودهم، ف فلسطين تعاقبت عليها الحضارات والوجود اليهودي في فلسطين لا يمثل خيط رفيع في تاريخ فلسطين، ولكنهم تجاهلوا ذلك واصروا على أن فلسطين أرض الميعاد، وتنكروا لحقائق التاريخ وجاؤوا يحملون التوراة في يد والمجراف في يد، وفشلوا في ايجاد اي شيء".
وأردف: "كل مهمتهم كانت التاريخ الفلسطيني والتنكر له منذ زمن الكنعانيين، وفي رأسهم فكرة ثابتة أن وجود مملكة اليهود لا نقاش فيها، وأن هناك رابطًا بينها وبين إسرائيل الحديثة، والتوراة عندهم هي أساس التاريخ ولا يجب النقاش فيها والتسليم بما جاءت عليه، وبعد فترات من البحث والتنقيب انحاز الكثير منهم إلى علميته، ومنهم صهاينة متطرفين، وجاهروا بالحقيقة مثل نورث وبرايز وآلث، وأول واحد تحدث بجرأة عالم آثار اسمه طمبسون، وقال "إن التاريخ الغربي لإسرائيل والإسرائيليين هو قصص مأخوذة من العهد القديم وكلها من صنع الخيال وعلى اثر هذا القول تم فصله من الجامعة".
وقال عالم آثار اسمه جونثان تاون على إثر ذلك، إنّ "طمبسون تمتع بجرأة لم نتمتع بها نحن علماء الآثار"، وكارين كي وهي عالمة آثار أخرى قالت: إنّ "لعنة الكذب ستظل تلاحق الإسرائيليين، وفلنكشتاين وهو أبو الآثار الإسرائيلي، إننا لم نجد أي آثار تدلل على وجود الهيكل ولا "التيه"، وكل ما جاء هو عبارة عن قصص من وحي الخيال".
وأضاف أبو ضاحي قائلاً: "رغم التركيز على الحقب التاريخية التي ادّعوا وجودهم فيها على هذه الأرض، عالم آخر قال لو كانت ممالك اسرائيل حقيقية وموجودة لما استغرق البحث عنها وايجاد دلائل على وجودها أسبوعين فقط، لكن لم نجد شيء".
واستطرد قائلاً: إنّ "الساسة الصهاينة ومنذ عهد مبكر بدأوا يدركون زيف روايتهم وما بني على باطل فهو باطل، ويمكن أن يخدعوا العالم سنة سنتين، عقد عقدين ولكن لا يمكن أن يستمروا في خداع العالم إلى ما لا نهاية، وأن يراهنوا على هذه الأنظمة الصهيونية العربية وانحياز العالم الظالم لهم للأبد، فهم يعيشون في بحر من العرب وسقوط الآحاد أو العشرات أو المئات من المتخاذلين منهم لا شيء".
وقال أبو ضاحي: "هرتسل قال إن قيام دولة اسرائيل هو محصلة فشل اليهود في الاندماج في المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها، وبن غوريون الذي كان القائد العسكري لعصابات الكيان وارتكب وشارك وأشرف على مجازر عدة بحق شعبنا كان قد أسر لصديقه بسر اعتبره أنه سيدمر المرتكزات التي قام عليها الكيان الصهيوني، رغم الدعم الذي ذكرناه سابقًا واعتمادهم على الأساطير الدينية، وأنهم أصحاب هذه الأرض والتعامل مع الأغيار لطردهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، إذ قال لصديقه ناحام غولدمان "لا يوجد سبب يشجع العرب لإقامة علاقات سلام معنا وأنا لو كنت زعيماً عربياً لما وافقت على اي شيء مع إسرائيل، وإذ قمنا بالسطو على بلدهم وانتزعناه منهم، وصحيح أنه وعد من الله، ولكن ماذا سيرغمهم، إلهنا غير إلههم"، والصراع كما أشار الباحثون والنصوص تحاول أن تثبت أن الصراع على الأرض سيقلب الصورة، بأن اسرائيل دولة استعمارية وظيفية وجاءت لتأدية دور وظيفي، رغم كل المحاولات لإيجاد مصوغ أخلاقي وشرعي وقانوني لطرد أبناء شعبنا والاستيلاء على الأرض، وكان يشكك أيضًا في قدرة الصهاينة العرب على توريث الخيانة والعمالة، وأنه لا يمكن التحكم في الأجيال القادمة التي يمكن أن تثور عليهم وتعيد الاعتبار لكل المضطهدين، وكان واثق أن زمن الرفاهية لن يدوم، وهو قائم على تواطؤ العرب ومساعدة الغرب".
وأشار أبو ضاحي إلى أنّ "أصوات كثيرة بدأت تتعالى من صحفيين وكتاب وسياسيين تتحدث عن نهاية هذا الكيان بفعل العوامل الديمغرافية، والأخلاقية والسياسية والتاريخية، وبالتالي هناك تساؤل: ما هو المطلوب منا فلسطيناً لتعميق أزمات هذا الكيان، وهذا التساؤل مطروح للنقاش والتفاعل".
وخلال اللقاء، قدّم الحضور في مداخلاتهم العديد من وجهات النظر والتي بمجموعها تناولت عدة محاور، الأول: ضرورة تصليب الوضع الداخلي الفلسطيني لاستعادة الوحدة والتوافق على استراتيجية كفاحية تعتمد على طاقات شعبنا ومزاجه الكفاحي، وثانيًا: تعدد أشكال النضال من الكفاح المسلح حتى المقاطعة في مواجهة الكيان، وثالثًا: البناء على الانجازات التي تحققت في المواجهة الأخيرة في سيف القدس والتي وحدت الساحات وبددت أوهام العدو ومخططاته في تذوب الهوية الفلسطينية في الداخل المحتل، ورابعًا: تشكيل قيادة وطنية موحدة تقود انتفاضة شعبية عارمة تقلق مضاجع العدو وتعمق أزماته خاصة في الضفة الغربية بحكم وجود تغول الاستيطان فيها، وخامسًا: توظيف الإعلام في خدمة الرواية الفلسطينية وإبراز التخوفات التي يحملها قادة العدو لافتقار مشروعه للجانب الأخلاقي.