Menu

عن مأزق الفكر السياسي الفلسطيني وزيارة بايدن

غازي الصوراني

حين يصل فكر ما إلى مأزق، فإن العَوْدَ عنه لا يكون بغير تغيير المقدمات والمنطلقات التي أفضت به إلى ذلك المأزق، ولا سبيل إلى خروج الفكر السياسي من انسداد طريقه أو من مأزقه غير خروجه من ذات الطريق التي أخذته إلى النهاية المقفلة، وعدم نفع عودته عن المقدمات ذاتها التي أسست لذلك المسار المسدود... فالفكر السياسي الفلسطيني تعرض منذ ما قبل أوسلو لمظاهر متنوعة من الأزمات وصولًا إلى الأزمة الأكبر، وأعني بها اتفاق أوسلو التي راكمت مزيدًا من الأزمات أودت بشعبنا وقواه السياسية والمجتمعية إلى المأزق الحاد الراهن، الذي لا يبدو أننا- كقوى سياسية – نستطيع الخروج منه بعد أن تلاشت فكرة الدولة المستقلة كاملة السيادة، وبعد أن بات المقرر الخارجي: الأمريكي والصهيوني والعربي الرسمي والإقليمي والدولي، متحكمًا رئيسيًا في حاضرنا ومستقبلنا المنظور.

والمأزق هنا هو مأزق المشروع الوطني الفلسطيني نفسه: المشروع الذي بدأ قبل أكثر من 70 عامًا على الأقل كمشروع تحرير لوطن اُغتصب، وتراجع أو تقزم عند مشروع سلطة حكم ذاتي محدود في إطار أوهام حل الدولتين! ولسنا نحتاج إلى كبير شرح لبيان أن موطن المعضلة في هذا المأزق هي فكرة الدولة التي تحولت إلى مقدمة فكرية سياسية جديدة، في الوعي السياسي الفلسطيني، بديلًا من فكرة الوطن!.. ثم تحولت الفكرة أو تقزمت إلى سلطة سرعان ما فسدت وهبطت وخيبت الآمال... فانفجر الصراع عليها وصولًا إلى لحظة الانقسام في حزيران 2007، حيث مسخت فكرة المشروع الوطني؛ لتصبح صراعًا على السلطة والمصالح بين فتح وحماس، وتم تغييب فكرة الوطن وأسدل الستار على فكرة الدولة بعد انقسام السلطة... كما تم تفكيك وانقسام مفهوم الهوية الوطنية إلى هويتين متضادتين وطنية هابطة يقابلها هوية إسلاموية تدعو للخلافة لا مستقبل لها... وبات لدينا اليوم مجتمع في غزة وآخر في الضفة وآخر في مخيمات المنافي وآخر في أراضي 48!!! وضاعت الأفكار التوحيدية الجامعة لشعبنا؛ لحساب الصراع بين قطبي الانقسام في ظل إحباط ويأس وانفضاض قطاعات واسعة من شعبنا عن النضال الوطني؛ لحساب لقمة العيش والقضايا المطلبية الصغيرة (البحث عن عمل في الداخل أو الهجرة رغم مخاطر إلى الخارج الموت؛ بحثًا عن الكرامة والحرية بعد أن سيطر شبح الخوف والاستبداد الداخلي في غزة والضفة، والبحث عن العمل وجرة الغاز والكهرباء والمياه الصالحة للشرب...الخ)، وللخروج من هذا المأزق البشع لا بد أن نجيب على سؤال لماذا هزمنا في كل المحطات...؟

الإجابة بوضوح - مهما كانت مؤلمة – هي أنه على كافة القوى السياسية الوطنية الفلسطينية والعربية عمومًا وأحزاب وفصائل اليسار الماركسي في مغرب ومشرق الوطن العربي خصوصًا؛ تأكيد الموقف الصريح ضد كافة الترتيبات الأمريكية الصهيونية العربية الرسمية التي تسعى _ بمناسبة زيارة بايدن _ إلى تمرير أوهام التفاوض مع العدو الصهيوني، بموافقة معظم دول ودويلات ومشيخات النظام الرسمي العربي، بذريعة التوصل إلى ما يسمونه إحياء عملية السلام وفق الشروط الصهيونية الأمريكية؛ لتحقيق التصفية الكاملة لقضيتنا الوطنية.

المسألة الثانية: يمكننا بالتأكيد صياغة رؤى استراتيجية وبرامج راهنة وإرادات طليعية وشعبية؛ تتصدى للانقسام وتدفنه وتستعيد الوحدة الوطنية التعددية؛ على أساس ثوابتنا الوطنية الكفيلة باستعادة وحدة شعبنا في الضفة وغزة والشتات و48 واستعادة النظام السياسي الوطني الديمقراطي الفلسطيني – في إطار م.ت.ف – وفق مواثيقها الوطنية وقرارات الإجماع الوطني الخاصة بإصلاح وإعادة هيكلة المنظمة وإعادة الاعتبار لدورها ووظيفتها التحررية وتنفيذ قرارات المجلس المركزي المرتبطة بإلغاء اتفاق أوسلو وكل ما ترتب عليه من جهة، ووفق اتفاقيتي المصالحة بالقاهرة 2011 و 2017 من جهة ثانية؛ كمخرج وحيد صوب مستقبل نضال شعبنا.