Menu

ألمانيا ضد فلسطين

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

لم تتكفل الهزيمة الساحقة للنازية وتحالف الفاشيات الأوروبية في نهاية الحرب العالمية الثانية بنهاية مشروعها الوحشي، فقد تقاسمت واستدخلت حكومات ما بعد الحرب أجزاء من هذا المشروع الذي لم يكن منفصلًا كليًا عن تطلعات ودعم كتل أساسية في المعسكر الرأسمالي، وعمليًا ورث هذا المعسكر الجهاز الأمني النازي، الأداة التنفيذية لمشاريع التطهير ومعسكرات الإبادة الجهنمية التي قضى فيها ملايين من البشر.

الحكومات المتعاقبة في ألمانيا الغربية أو ألمانيا الاتحادية بعد الوحدة وسقوط جدار برلين، دأبت بشكل ثابت على استنكار الإرث النازي، وإدانة وحشيته وعنصريته، ولكنها أيضًا واصلت إدارة سياسات عدائية تجاه العديد من شعوب العالم. ألمانيا بعد الحرب كانت أضعف، وأكثر خضوعًا للمعسكر الرأسمالي، وموصومة عن استحقاق بالجرائم التي ارتكبتها في العهد النازي، وهو ما جعل سياساتها أكثر هدوءً وأقل صخبًا، وميل لمعالجة إرث تلك الحقبة من خلال سياساتها وعلاقاتها، وفي هذا الجانب كان سلوك الاعتذار تجاه يهود العالم، على اعتبار أنهم أبرز ضحايا المحرقة مفتاح مهم، لكن هذا سرعان ما تحول لأداة لاختزال المعالجة الضرورية والعميقة لمنطلقات السياسة الألمانية، وكأن رسالة ألمانيا ما بعد الحرب سنواصل العدائية، ولكننا نستثني منها اليهود. لم يعد بوسع ألمانيا أن تحرق اليهود مجددًا، ولكنها لا تتورع عن إرسال قواتها أو أسلحتها للعدوان على شعوب أخرى.

وحتى في صميم الاعتذار والتصحيح الواجب للسياسات الألمانية ضد يهود العالم وغيرهم من الشعوب والمجموعات السياسية ومعارضي النازية؛ سرعان ما اختزلت ألمانيا هذا العنوان وحصرته في دعم الكيان الصهيوني، أي دعم مشروع استعماري استيطاني هجّر شعب بأكمله وتسليح قوة احتلال ترتكب يوميًا جرائم من كل نوع بحق الشعب الفلسطيني، فيما اتخذت السلطات الألمانية من العداء للفلسطيني وهويته ونضاله وكفاحه وخطابه وسرده؛ عنوانًا للتطهر من جرائمها الوحشية ضد يهود العالم وضد البشرية.

لم ولن يقتل الشعب الفلسطيني اليهود، لكنه قتل صهاينة محتلين غزاة سلحتهم دول العدوان والغزو الاستعماري، أما بالنسبة لليهود فقد آوت فلسطين كثير منهم عبر تاريخها وسكن كثير منهم أيضًا أرض فلسطين كجزء من شعبها قبل تكّون المشروع الاستعماري الصهيوني، وما زال كثير منهم من أنشط المدافعين عن الحقوق الفلسطينية والمعادين للمشروع الصهيوني. ما يدركه القانون الألماني وصناعة تلك الصلة بين ألمانيا الحالية والمشروع الصهيوني والإرث النازي، لذلك تحرص الحكومة الألمانية ومشرعي القوانين على تجريم التشبيه بين الصهيونية والنازية، والحقيقة أن المقارنة بين القتلة والمحتلين ليست وظيفة الضحايا وليست موضوع ذي صلة جوهرية بكفاح الشعب الفلسطيني لأجل وجوده وحريته واستقلاله، ولكن الصلة هي بين قوى العدوان والوحشية والغزو وحرصها على تزييف التاريخ وشطب الوجود الإنساني وتجلياته الحية وقدرته على سرد روايته ضد أعداء الإنسانية.

لدى ألمانيا حكومتها، شعبها، قواها السياسية، ما تعتذر عنه لشعب فلسطين، ولكل شعوب العالم، أما الفلسطيني ضحية العدوان الصهيوني، فلن يعتذر عن فضح هذا العدوان، ولن يتوسل في خطابه تشبيه هذا العدوان بالمحرقة النازية أو غيرها، ربما على ألمانيا دراسة ذلك والبحث فيه جيدًا، أما ما على الفلسطيني فعله فهو التمسك بهويته وروايته وكفاحه، وعدم التفريط بذرةٍ واحدة أمام هذه السياسات الإرهابية. نحن لم نرسل الغواصات والمدرعات والدبابات والمدافع وأنظمة التسليح لبرلين وهامبورغ وميونخ ودسلدورف، ولكن ألمانيا من أرسلت أدوات ومنظومات الحرب الوحشية هذه إلى أرضنا وسماءنا ومياهنا، وسلحت بها عدونا لقتلنا، مع إدراكها المسبق والتام لدور هذا السلاح في المجازر المرتبكة ضد شعب فلسطين. لتعتذر ألمانيا أو تصمت، لكن شعب فلسطين لن يخضع لهذه العصبة من الوحوش المعادين لكل ما هو إنساني.