Menu

تحليلعودة لولا: لماذا لا ينامون في واشنطن؟

ترجمة خاصة _ بوابة الهدف

يقول كاتب هذا المقال إنّ حصول منظمة البريكس أو النسخة الجديدة لعدم الانحياز على زعيم مثل لولا دا سيلفا يقلق الولايات المتحدة، حيث إنّ الموقف من سياسة الولايات المتحدة والناتو بشأن أوكرانيا قد خلق أرضًا خصبة لتوسيع كتلة دول عدم الانحياز، مع وجود احتمال تقدمي على رأسها الآن. ولكن وجود دول رجعية مثل السعودية التي ترغب بالانضمام، أو الهند التي يحكمها حزب فاشي، يلقي بظلال من الشك حول نجاح لولا دا سيلفا.

فيما يلي ترجمة لمقال ستيف إيلنر بعنوان: أكثر ما يقلق الولايات المتحدة بشأن لولا.

كان جو بايدن، قد وعد بتهنئة لولا دا سيلفا في حال فوزه بانتخاباتٍ حرّة ونزيهة، وذات مصداقية على حد تعبيره، وبالفعل حافظ بايدن على وعده، مهنئًا دا سيلفا بعد دقائق من إعلان فوزه على جايير بولسونارو .

وقد فسّر المراقبون كلمات إدارة بايدن بشأن الانتخابات البرازيليّة على أنّها دليل على أنّها كانت تعبّر عن تفضيل للولا على خصمه، المعروف باسم " ترامب الاستوائيّة" هذا المنطق مضلل في أفضل الأحوال، إن لم يكن خاطئًا تمامًا. فأكثر ما يقلق واشنطن بشأن لولا هو عودة ظهور حركة قويّة غير منحازة واحتمال أن يكون تقدميًا مثل لولا على رأس القيادة، وهو كان قد قدّم نفسه خلال رئاسته السابقة كمتحدثٍ باسم جنوب الكرة الأرضيّة.

اقرأ ايضا: لولا دا سيلفا.. نصير الفقراء يُعيد اليسار لرئاسة البرازيل

الأوقات تغيّرت منذ ذلك الحين، وهناك عدد متزايد من الحكومات المتنوعة أيديولوجيًا، والتي كانت في السابق تابعة للولايات المتحدة وتتحدى الآن بجرأة إملاءات واشنطن، مما يخلق أرضًا خصبة لتوسيع كتلة دول عدم الانحياز التي أعيد تنشيطها بمعارضة موقف الناتو والولايات المتحدة في أوكرانيا.

لم تنضم الغالبية العظمى من سكّان العالم، من الصين والهند إلى أمريكا الجنوبيّة وأفريقيا، إلى نظام العقوبات المفروضة على روسيا وهم يتحدون تدريجيًا حول نظام اقتصادي ومالي وتجاري جديد وناشئ بديل للغرب.

علاوةً على ذلك، فإنّ العجز التام للقوى الكبرى في العالم، وتحديدًا الولايات المتحدة وأوروبا الغربيّة، عن التوسّط في اتفاق لإنهاء الصراع في أوكرانيا، يفتح المجال لزعيم مثل لولا، الذي تميّز طوال حياته المهنية في التفاوض مع السياسيين من مختلف التوجهات السياسيّة.

السياسة الخارجيّة في المقدمة

كانت عتبة فوز لولا يوم الأحد ضئيلة للغاية حيث حصل على 50.9 في المائة من الأصوات مقابل 49.1 لبولسونارو. تمامًا كما كان الحال خلال رئاسته السابقة (2003-2010)، سيسيطر الوسط واليمين، بما في ذلك الأحزاب المتحالفة مع بولسونارو، على الكونغرس. هذا التوازن غير المواتي للقوى سيُجبر بلا شك لولا على تقديم تنازلاتٍ على الجبهة الداخليّة، مثل تخفيف تعهّد حملته بفرض ضرائب على الأغنياء.

لكن فيما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة، سيكون تحت ضغطٍ داخلي أقل وهو مستعد للوفاء بوعد حملته بلعب دورٍ رئيسي في الشؤون الإقليميّة والعالميّة. وفي خطاب النصر الذي ألقاه في ساو باولو يوم الأحد، تعهّد بعكس وضع البرازيل الدولي "المنبوذ"، نتيجة ازدراء بولسونارو للدبلوماسيّة وتصريحاته الفاحشة، مثل إلقاء اللوم على الصين في قضية كوفيد وليوناردو دي كابريو في حرائق الأمازون في عام 2019.

وبعد وقتٍ قصير من وصوله إلى السلطة لأوَّل مرة في عام 2003، نظرت مؤسّسة واشنطن إلى لولا باعتباره معتدلًا موثوقًا به ومضادًا للمشاغبين مثل هوغو شافيز وإيفو موراليس ونيستور كيرشنر، وأشاد وزير خارجية المكسيك السابق، خورخي كاستانيدا، في كتابه الشهير بقايا الطعام: حكايات يساري أمريكا اللاتينية، بلولا ووصفه بـ "اليسار السيئ" لشافيز وشركاه الذين وصفهم بـ "الشعبوي" و"المناهض". -أمريكي.

لكن التوصيف الإيجابي للولا تغيَّر في عام 2010، ليس نتيجة لسياسات لولا الداخلية، بل بسبب سياسته الخارجيّة، وتحديدًا اعترافه بدولةٍ فلسطينيّةٍ على أساس حدود عام 1967. ثم حذت حذوه ست حكومات أخرى في أمريكا اللاتينية. في العام نفسه، على حد تعبير رويترز، "أغضب لولا واشنطن" بسبب محادثاته مع محمود أحمدي نجاد ودفاعه عن برنامج إيران النووي.

بعد ذلك، لم يعد لولا الرد اليساري البراغماتي على الشعبوية غير المسؤولة، بل تم تصويره على أنه شعبوي. ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً عن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2 أكتوبر، والتي وضعت لولا في المقدمة "الشعبوية تفوز بالانتخابات البرازيليّة"، وكتبت ماري أناستاسيا أوجرادي، محررة وول ستريت جورنال "الآن المرشّح لولا يعد مرة أخرى بالاعتدال. أكبر ميزة سياسية له هي صورته كشعبوي محسن".

الخطاب عنصر مهم في الشعبوية، ولكن في حالة لولا، فإنّ ما يُقلق الولايات المتحدة هو الإجراءات الملموسة التي قد يتخذها كرئيس وتتحدى الهيمنة الأمريكية. وينبع التهديد إلى حدٍ كبير من كتلة خمس دول قوية تشكل بريكس: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

ورفض المسؤولون والمحللون المتشككون في واشنطن اجتماعات القمة التي عقدتها المجموعة باعتبارها "حوارات" من قبل الحكومات التي ليس لديها سوى القليل أو لا شيء مشترك. وكان هذا هو جوهر "هل تذكرون دول البريكس؟ تغريدته عند مغادرته منصبه، حيث ألمح إلى أن خوف الهند والبرازيل من روسيا والصين جعل المنظمة عديمة الفائدة. والآن، بعد عامين بعد أوكرانيا وتعيين لولا كرئيسٍ منتخب، يبدو أن هذه الشكوك لا أساس لها من الصحة.

وسجن لولا في 2018 بناء على ما يقول أنصاره إنها تهم فساد ملفقة. وفي مقابلة أجريت معه في السجن عام 2019، أعلن أن "بريكس لم يتم إنشاؤها لتكون أداة دفاع، بل لتكون أداة للهجوم". وعززت إشاراته هذا العام حول مسار الحملة إلى بريكس، وكذلك المنظمات الإقليمية مثل مجتمع دول أمريكا اللاتينيّة ومنطقة البحر الكاريبي ((CELAC) التي انسحب منها بولسونارو واتحاد دول أمريكا الجنوبية (UNASUR)، هذه الرسالة وصلت، وبعد لقائه مع لولا في اليوم التالي لانتصاره يوم الاثنين، قال الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز: "مع لولا، سيكون لدينا الآن داعم في محاولتنا للانضمام إلى مجموعة البريكس".

تنظر واشنطن إلى توسّع بريكس باعتباره تهديدًا، يتفاقم بسبب عضوية روسيا والصين في المنظمة، وفي الأسابيع الأخيرة من الحملة الرئاسية البرازيليّة، كتب الصندوق الوطني للديمقراطية NED "مع مجموعة البريكس.. التي من المقرّر أن تتوسّع لتشمل الأرجنتين وإيران وربما مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا، قد تحصل روسيا على المزيد من الشركاء، الذين يمثلون معًا نسبة مئوية كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونسبة كبيرة من سكّان العالم".

ما مدى "حياد" لولا؟

لا يمكن لواشنطن أن تكون مسرورة على الإطلاق بموقف لولا من الصراع الأوكراني. أصر لولا على أن تلعب دول البريكس دورًا في البحث عن حلٍ تفاوضي، وهو ملتزم بمحاولة التوسّط في اتفاق سلام.. وقد صرح "يمكن التوصّل إلى السلام على طاولة بار، مما تسبب في عدم ارتياح في التمثيل الدبلوماسي لأوكرانيا في البرازيل".

ولكن ليس فقط الخوف من أنّ لولا أقرب إلى روسيا والصين منه إلى واشنطن (وهو كذلك) هو ما يُبقي صانعي السياسة الأمريكيين مستيقظين في الليل. على عكس واشنطن، اعترف لولا بشرعية الديمقراطية الفنزويلية، ووفقًا للصحفي بن نورتون، قال لوسائل الإعلام المحليّة إنّ الرئيس المعترف به من الولايات المتحدة خوان غوايدو هو "مجرم مروج للحرب ويجب أن يكون في السجن"، وعشية الانتخابات، قال لولا لمجلة الإيكونوميست: "يتحدّث الناس فقط عن نيكاراغوا وكوبا وفنزويلا، ولا أحد يتحدّث عن قطر ، ولا أحد يتحدّث عن الولايات المتحدة".

عملة البريكس

أصرَّ لولا، منذ أن فقد حزب العمال الذي ينتمي إليه السلطة في عام 2016، على أن العيب الرئيسي لبريكس كان فشلها في إطلاق عملة جديدة لمنافسة الدولار، وفي مقابلةٍ من السجن، يتذكّر لولا "عندما ناقشت عملة جديدة.. اتصل بي أوباما قائلاً لي: "هل تحاول إنشاء عملة جديدة، يورو جديد؟" قلت: لا، أنا فقط أحاول التخلّص من الدولار الأمريكي".

وتعد آفاق عملة احتياطي البريكس واعدة أكثر في عام 2022 والدول الأعضاء الخمسة وراء هذه الفكرة. في الواقع، تفوّقت عملات دول البريكس الخمس هذا العام على اليورو. ويتجاوز تسليح واشنطن السياسي للدولار تنافس القوى العظمى مع روسيا والصين، حيث تسببت العقوبات الدوليّة التي فرضتها الولايات المتحدة في بؤس شعوب الجنوب العالمي بما في ذلك كوبا وفنزويلا وإيران ونيكاراغوا.

قطب واحد ضد كثيرين

إنّ فكرة "العالم متعدد الأقطاب" التي طالما تذرّع بها لولا تصوّر ظهور تكتلات متنوعة بما في ذلك دول عدم الانحياز. يعكس مقال في عدد هذا الصيف من مجلة فورين بوليسي بقلم شيفشانكار مينونور، خبير الأمن القومي، تفكير الكثيرين في واشنطن الذين يتخوفون من عدم الانحياز، وهو يقول "عندما يفشل النظام الدولي أو يغيب.. فليس من المستغرب أن يلجأ القادة إلى عدم الانحياز. فكلما ضغطت الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو غيرها من القوى على الدول الأخرى لاختيار جانبٍ معين، كلما انجذبت هذه الدول إلى الحكم الذاتي الاستراتيجي، مما قد يخلق عالمًا أكثر فقرًا وقسوة حيث تقلل الدول من اعتمادها الخارجي وتوطّد واجهاتها".

كما يشعر البعض في اليسار بعدم الارتياح. الناشط السياسي منذ فترة طويلة جريج غودلز يسمي التعددية القطبية "فكرة ناقشها أولاً الأكاديميون البرجوازيون الذين يبحثون عن أدوات لفهم ديناميات العلاقات العالمية"، ويضيف "لا توجد ضمانات بأنّ الأقطاب التي تظهر أو تتحدى القطب الفائق بعد الحرب الباردة هي خطوة إلى الأمام أو خطوة إلى الوراء لمجرد أنهما قطبان بديلان".

مع العلم، إنّ وجود الحكومة العنصرية لناريندرا مودي الهندية في مجموعة البريكس ورغبة المملكة العربية السعودية في الانضمام إليها يلقي بظلال من الشك على تقدّم المنظمة، حيث إنّ القرار المفاجئ الذي اتخذته المملكة العربية السعودية مؤخرًا لمقاومة الولايات المتحدة من خلال رفض نداء بايدن لضخ المزيد من النفط للمساعدة في خفض الأسعار الدوليّة وإلحاق الضرر بروسيا لا يجعل البلاد أقل رجعية، لكن هذا بالضبط هو سبب أهمية قيادة تقدميّة مثل لولا على المستوى العالمي - وتسبب القلق في واشنطن.

تأسّست حركة عدم الانحياز الأصلية (NAM) في الخمسينيات من القرن الماضي من قبل قادة مثل جوزيب بروز تيتو، وجمال عبد الناصر، وكوام نكروما، وكانوا جميعًا يميلون ويلتزمون بالاشتراكية، ولعبت الحركة دورًا رئيسيًا لصالح إنهاء الاستعمار ونزع السلاح ومعارضة العنصرية والفصل العنصري.

ولا تزال حركة عدم الانحياز موجودة ولكن الاتحاد السوفيتي ذهب، وهي إحدى القوتين التي لم تكن الحركة متحالفة معها. فقط الولايات المتحدة باقية. لم يخف لولا انتقاداته للولايات المتحدة، حتى شكوكه في أن المحققين الأمريكيين تعاونوا مع المدعين البرازيليين في وضعه خلف القضبان، وهو اتهام تم توثيقه جيدًا من قبل منفذ الأخبار برازيلواير.

السؤال الحقيقي هو ما إذا كان لولا سيضع ذكاءه السياسي على المحك من خلال لعب دور قيادي لصالح علامة تجارية تقدميّة من التعدديّة القطبيّة في حركةٍ متناميةٍ في جميع أنحاء العالم تتحدى الهيمنة الأمريكيّة والتي تشمل الطيف السياسي - وكيف سيكون رد فعل واشنطن إليها.

المصدر: كونسورتيوم نيوز. ستيف إيلنر أستاذ متقاعد من جامعة أورينت الفنزويليّة ويعمل حاليًا محررًا إداريًا مشاركًا في برنامج وجهات نظر أمريكا اللاتينية. الآراء المعبر عنها هي فقط آراء المؤلف وقد تعكس أو لا تعكس آراء اتحاد الأخبار.