Menu

صنعاءُ لا تستجدي الهدنة وترفعُ قفاز التحدّي في وجهِ تحالفِ العدوان

عليان عليان

نشر هذا المقال في العدد 43 من مجلة الهدف الإلكترونية

رفضتْ حكومةُ صنعاءَ تجديدَ الهدنةِ للمرّة الثالثة، في ضوءِ رفضِ التحالفِ السعوديّ الإماراتيّ الامتثال للمتطلّبات الواردة في اتّفاق الهدنة، ممثّلةً برحلتين أسبوعيًّا من مطار صنعاء إلى كلٍّ من القاهرة وعمان، ووصول إمدادات النفط إلى ميناء الحديدة وفقًا لقرارات الأمم المتّحدة، ودفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، وفي ضوء عدم امتثال تحالف العدوان لوقف إطلاق النار، وارتكابه خلال فترة الهدنتين السابقتين عمليّاتِ قصفٍ أدّت إلى قتل وجرح عشرات المدنيين اليمنيين.

 فقد أدركت حكومةُ صنعاءَ بعد مرور ستة أشهرٍ على الهدنة الأولى، أنّ غاية تحالف العدوان الرئيسية هي تدمير اليمن، ونهب خيراته وثرواته، وإعادة الاستعمار عبرَ وجهٍ جديد، وتحت مسمّياتٍ جديدة، وأنّ تحالف العدوان بات يراهن على الضائقة الاقتصاديّة اليمنية، لتركيع الشعب اليمني ودفعه للخضوع للشروط السعودية الأمريكية، التي تجعل من اليمن مجدّدًا حديقةً خلفيّةً للحكم السعودي، ولا تشكّلُ خطرًا على الوجود الصهيو- أميركي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

ردُّ صنعاءَ الجازمُ بعدم تجديد الهدنة:

لقد ردّت صنعاءُ بقوّةٍ على محاولات تجديد الهدنة على لسان رئيس المجلس السياسي الأعلى "مهدي المشاط" "بأن صنعاء لن توافق على تجديد الهدنة ما لم يلتزم تحالف العدوان والقوى الضامنة للهدنة، بتلبية المطالب اليمنية  كافة"، وقال خلال لقائه المبعوث الأممي هانس غروندبرغ: إنّ "صرف مرتبات موظفي الدولة كافة، ورواتب المتقاعدين، ورفع الحصار مطالب أساسية للشعب اليمني"، محذراً من أنه "إذا لم يتحقق ذلك وتتحسن مزايا الهدنة، فلن نقبل تجديدها".

كما أعلن رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام، أنّ "الهدنة انتهت ولم  تمدد بسبب تعنت التحالف السعودي أمام المطالب الإنسانية والحقوق الطبيعية للشعب اليمني"، مشيراً إلى أنّ التحالف السعودي "يتعنت في فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة والاستفادة من ثرواته النفطية والغازية لمصلحة مرتبات كل الموظفين اليمنيين".

وأكد أنّ "السلام في اليمن غير مستحيل، لو تخلّت دول العدوان عن عقليتها الاستعلائية، وقدّمت مصالحها الوطنية والقومية على مصالح أميركا وبريطانيا، الدولتين المستفيدتين من استمرار العدوان والحصار على اليمن".

من جانبها أعلنت هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني في السابع عشر من شهر تشرين ثاني (أكتوبر) الماضي "أن المرتبات حقق مكتسب ولم يطالب اليمن بدفعها من الخزينة السعودية ،بل من ثروات اليمن النفطية والغازية المنهوبة"، منوهةً" بأنه يجب التوقف عن نهب ثروات اليمن، وتسخيرها لصالح خدمة التنمية، وبما ينعكس على تحسين الوضع الاقتصادي"، وأكدت أن هذه المطالبات مشروعة وليست مستحيلة كما يراها تحالف العدوان ولا متطرفة كما تقول الأمم المتحدة، واستنكرت "تناقض مجلس الأمن والأمم المتحدة والتعمد في المغالطة وتجاهل مطالب شعبنا، تحت وطأة إغراءات المال المبذول من تحالف العدوان بهدف قلب الحقائق".

تحالف العدوان لم يستوعب الدروس

  ويبدو أن تحالف العدوان لم يستفد من تجاربه في الحرب، بعد أن فشل على مدى سبع سنوات في تحقيق أي من أهدافه، بعد أن تمكنت القوات المسلحة اليمنية من الانتقال من وضعية  الدفاع إلى وضعية الردع الاستراتيجي، من خلال استمرار دكها للمطارات العسكرية السعودية، وللبنى النفطية  لكل من السعودية والإمارات، ما أصاب الاقتصاد السعودي في مقتل، ناهيك عن قدرتها على السيطرة على مساحات واسعة في مناطق نجران وجيزان ونهم في عمليات عسكرية نوعية، استسلم خلالها العديد من الجنود السعوديين ومئات والمرتزقة   وقتل  المئات منهم.

الوفد اليمني المفاوض في حكومة صنعاء، سبق وأن أكد بمناسبة انتهاء الهدنة، إنه خلال ستة أشهر من عمر الهدنة، لم تلمس صنعاء أية جدية لمعالجة الملف الإنساني كأولوية عاجلة ومهمة، وأن رهان دول العدوان أصبح على الورقة الاقتصادية، واستمرار الحصار بعد أن فشلت كل الرهانات الأخرى لتركيع اليمن.

كما بين الوفد المفاوض أن صنعاء التزمت باتفاق الهدنة طوال فترة الأشهر الستة الماضية وتغاضت عن الانتهاكات، بهدف الانتقال الى الخطوة التالية، أي مفاوضات تقود الى تسوية سلمية مستدامة على أساس إنهاء الحرب، والتجاوب الكامل مع المطالب الأمنية في رفع الحصار"، مشيراً إلى ان جميع هذه الأطراف كانت تراهن فعلا على استمرار التجديد لهذه الهدن ودون أي تحسين لشروطها، على أمل ان ترتخي عضلات المقاتلين اليمنيين وتضمر ويتعودوا على الهدنة وكأنها هبة وتفضُل من المعسكر الآخر.

الانتقال من الردع الاستراتيجي إلى الهجوم

الوفد اليمني المفاوض في مسقط حدد شروط صنعاء لتجديد الهدنة، ممثلة بوقف الانتهاكات العسكرية للهدنة، ورفع الحصار الاقتصادي عن ميناء مأرب بما يضمن وصول الامدادات النفطية، وفتح مطار صنعاء وتسيير رحلات منتظمة للقاهرة وعمان، ودفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، حيث تم إبلاغ المبعوث الأممي "هانس غروندبرغ" بهذه المطالب، وحمله مسؤولية عدم تحميل السعودية إفشالها المبرمج للهدنتين الأولى والثانية.

 ولم تتوقف صنعاء عند رفض تجديد الهدنة في ضوء ما تقدم بل انتقلت إلى خطوات أخرى ذات طابع تصعيدي أبرزها:

1- إعلانها عن جهوزيتها الكاملة لضرب العمقين السعودي والإماراتي بمئات الصواريخ الدقيقة والمسيرات الانتحارية، مؤكدة أن الجيش اليمني لم يغمد السيف، وبات على أهبة الاستعداد لمواصلة الرد على العدوان بعزيمة أكبر وبإمكانات عسكرية وتقنية عالية، كشفتها العروض العسكرية اليمنية غير المسبوقة منذ بداية الحرب.

2- إعلانها بأنه ليس بوسع دول تحالف العدوان الاستفادة من ثرواته النفطية، طالما أن الشعب اليمني محروم من ثروته النفطية التي تنهب يومياُ من قبل السعودية، ورفعها معادلة "الحرمان مقابل الحرمان"، وذلك في تهديد واضح بضرب وتدمير كافة المواقع النفطية من آبار ومحطات تكرير وموانئ التصدير... الخ.

3- التطور الأخطر تمثل في مطالبة كافة الشركات الاستثمارية الأجنبية النفطية وغيرها بمغادرة السعودية والإمارات، ما يعني شل الاقتصاد في كل من السعودية والإمارات.

4- مطالبة الشركات النفطية التي تستثمر في اليمن لصالح السعودية مغادرة البلاد تحت طائلة المسؤولية، حيث هددت حكمة صنعاء باستهداف الشركات والسفن المتورطة في سرقة النفط والغاز اليمنيَّين، واللذين يغطيان 80% من الموازنة العامة للدولة.

وكانت حكومة صنعاء قد أكدت في الرابع من يوليو (تموز) الماضي أن السعودية، تقوم بسرقة ثروات اليمن النفطية، بواقع يتراوح بين 2.2مليون إلى 2.5 ملي برميل شهريا وبينت وفق إحصائية يمنية موثقة أن السعودية نهبت من النفط اليمني منذ كانون ثاني (يناير) الماضي وحتى حزيران (يونيو) الماضي ما قيمته (813) مليون دولار.

وقالت وسائل إعلام يمنية في الخامس من شهر يوليو (تموز) الماضي، إن "قيمة ما تم نهبه من عائدات النفط الخام والغاز، خلال شهر أيار/مايو الماضي بلغت قرابة 180 مليار ريال يمني، وهو ما يكفي لصرف مرتبات موظفي الدولة لنحو ثلاثة أشهر"، في إشارة إلى أن موظفي الدولة لم يتقاضوا رواتبهم منذ أعوام.

العوامل التي دفعت صنعاء إلى تصعيد خطابها السياسي

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي العوامل التي مكنت وتمكن حكومة صنعاء من رفع وتيرة خطابها التهديدي لدول تحالف العدوان، في ضوء عدم استجابته لشروط الهدنة ومتطلباتها؟ وللإجابة على هذا السؤال نشير إلى ما يلي:

1- أن صنعاء- وفق العديد من الخبراء العسكريين - استثمرت الهدنة المعمول بها منذ 2 سبتمبر (أيلول) الماضي باتجاه تعزيز قدراتها العسكرية، التي عكسها العرضين العسكريين الكبيرين اللذان تم إقامتهما في كل من مدينة الحديدة الذي حمل اسم "وعد الآخرة"، وفي العاصمة صنعاء تحت اسم "ولهم الأمن" بمناسبة العيد الثامن لثورة 21 سبتمبر، واللذان كشفا حقيقة  أن صنعاء باتت قوة إقليمية كبرى يعتد بها، وأنها حققت معجزة في الصمود في مواجهة الحرب والحصار المطبق، وحققت معجزة عسكرية عبر بناء ترسانة صاروخية من الصواريخ الدقيقة،  وترسانة من المسيرات القادرة على ضرب أبعد النقاط في عمق دول تحالف العدوان.

ففي العرضين العسكريين المبهرين  للقوات المسلحة اليمنية، اللذان ضما عشرات الآلاف من الجنود المنتمين للقوات البرية والبحرية والجوية، وقوة كبيرة من المدرعات والدبابات كشفت القوات المسلحة اليمنية، عن أسلحة استراتيجية جديدة بعضها دخل الخدمة منذ فترة قريبة، وبعضها في طور التجريب، وأخرى لم تستخدم بعد، ومن ضمنها أنواع متعددة من الصواريخ  الدقيقة بمسميات مختلفة من صواريخ أرض – أرض، أرض -بحر وأرض -جو تصل إلى مدايات مختلفة، وأنواع جديدة من المسيرات ،بإمكانها أن تضرب أبعد النقاط في بر دول العدوان وفي البحر، وأن تضرب أيضاً ميناء إيلات الإسرائيلي.

وخلال عرضٍ صنعاء العسكري في ميدان السبعين، قال العميد يحيى سريع الناطق باسم القوات اليمينة: "أحذّر تحالف العدوان من أيّ تصعيد، وأحذره من تفويت فرصة الهدنة وأنّ الوضع اليمني ما بعد الاستعراض ليس كما قبله.

لقد شكل العرض العسكري اليمني في كل من الحديدة وصنعاء، رسالة لكل من يهمه الأمر في تحالف العدوان، بأنه إذا لم يتم وقف الحرب ووقف الحصار، فإن القوات اليمنية قادرة على حسم المعركة عسكريا ضد دول العدوان، للحفاظ على سيادة اليمن واستقلاله ووحدة أراضيه، وقادرة على ضبط الأمور في مضيق باب المندب بحيث لا يتحول إلى مضيق صهيوأميركي.

2- استناد حكومة صنعاء إلى عمق استراتيجي ممثلاً بمحور المقاومة، والذي تشكل اليمن جزءاً أساسياً لا يتجزأ منه، فصنعاء وهي تهدد دول تحالف العدوان، تستفيد بالتأكيد من تجربة المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، في إدارة معركته مع العدو الصهيوني للحفاظ على ثروة البنان النفطية والغازية في البحر المتوسط، عبر التهديد بقصف كافة المنشآت النفطية والغازية للعدو على طول ساحل فلسطين المحتلة، وباتت ترفع شعار حزب الله "الحرمان مقابل الحرمان".

3- استثمار حكومة صنعاء للمتغيرات الدولية لصالحها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  •  الأزمة الأوكرانية: فصنعاء تستثمر انشغال الولايات المتحدة بالأزمة الأوكرانية، التي باتت تمنحها أولويتها القصوى، من خلال دعم أوكرانيا بكافة أنواع الأسلحة وبمليارات الدولارات، في مواجهة العملية العسكرية الروسية.
  •  وتستثمر التباين السعودي الأمريكي بشأن التزام السعودية بقرار (أوبك بلس) الذي يقضي بخفض الإنتاج بحدود (2) مليون برميل يومياً.
  •  وتستثمر في الموقف الإيراني، والذي تشبث في حوارات بغداد مع السعودية بذات الشروط التي طرحتها صنعاء لوقف الحرب والبدء في مسيرة السلام.