Menu

الاعتقالُ الإداريّ والحبسُ المنزليّ للطفلِ الفلسطينيّ

إلهام الحكيم

نشر في العدد 43 من مجلة الهدف الرقمية

في العرفِ الصهيونيّ!

كاتبةٌ فلسطينيّة/ تركيا

يتفننُ الاحتلالُ الصهيونيُّ بوسائلِ التنكيل والتضييق على الشعبِ الفلسطينيّ ضاربًا عرضَ الحائط بكلِّ الأعرافِ والاتّفاقيّاتِ الدوليّة، خاصّةً فيما يتعلّقُ بالمرأة والطفل؛ فهو يعمدُ لاعتقال الأطفال دون السنّ القانوني، مخالفًا بذلك المواثيقَ الخاصّةَ بالطفل "اتفاقيّة حقوق الطفل وبروتوكولاتها 1989 واتفاقيات جنيف الأربعة عام 1949 وبروتوكوليها عام 1977"، ويعرّضهم للبطش والقمع والتعذيب بكلّ أشكاله - كما الأسرى الكبار - بمخالفةٍ صريحةٍ لاتفاقيّة حقوق الطفل "المادة 1" التي تنصُّ على أنّ: "الطفل هو كلُّ إنسانٍ لم يتجاوز الـ 18 عامًا"... كما أنّ "المادة 16" تقول: "لا يجوز أن يجري أيُّ تعرّضٍ تعسفيٍّ أو غير قانونيٍّ للطفل في حياته الخاصّة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أيّ مساسٍ غير قانونيٍّ بشرفه أو سمعته، وللطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرّض أو المساس".

اعتقالُ الأطفالِ إداريًّا

لا يأخذُ الاحتلالُ بتلك القوانين الدوليّة كما لا يراعي حداثة سنّ الأطفال، خلال اعتقالهم أو محاكمتهم، فيمنع الأهل من حضور التحقيق مع أطفالهم، كما يبالغ بالتمادي بتجاوز القوانين بمنع المحامين من الحضور والدفاع عنهم... وفي تجاوزٍ خطيرٍ تتعمدُ سلطاتُ الاحتلال إحالةَ العديد من الأطفال إلى الحكم الإداري الذي يسمح للصهاينة باحتجاز الفلسطينيين مدة 3-6 أشهرٍ قابلةً للتجديد دون تهمةٍ أو محاكمة، وبجلساتٍ مغلقةٍ غيرِ علنيّة، ودون تحديد مكان الاحتجاز، ويوضعون بأقسامٍ منفصلةٍ عن بقيّة المعتقلين، وبظروفٍ قاسيّة، ترقى لاعتبارها جرائم حربٍ ضدّ الإنسانيّة. هذا النمط من الاعتقال اعتادت قوات الاحتلال على ممارسته مع البالغين منذ العام 1967، بالاعتماد على قانون الطوارئ الانتدابي البريطاني لعام 1945، ثم بدأته مع الأطفال بالقاصرَيْن "فادي العباسي ومحمد غيث وكلاهما بعمر 17 عاما" اللذين اعتقلا بتهمة إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال، خلال هبة القدس "تشرين الأول 2015"، وبعد فشل المحققين بانتزاع الاعترافات منهما تمَّ تحويلُهما إلى الاعتقال الإداري، وهذا أيضًا فيه تجاوزٌ للقانون الذي يمنعُ الاحتفاظ بالمعتقلين - تحديدًا الأطفال - دون محاكمةٍ أو توجيه تهمةٍ واضحةٍ وأدلّةٍ دامغة، لكن المحقّقين الصهاينة تجاهلوا ذلك واحتفظوا بالملفّ السريّ للتهم المزعومة، بحجة الحرص الأمني كما لم يسمحوا للمحامين بالاطلاع عليها!.. ثمَّ تواصل ذلك مع 39 طفلًا، اعتقلوا إداريًّا منذ 2015، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

- القاصر سليمان أبو غوش 17 سنة من مخيم قلنديا.. اعتقل إدارياً مرتين في عام واحد ثم تمديد الاعتقال عدة مرات.

- الطفل حافظ زيود 16 سنة من جنين اعتقال إداري عدة مرات.

- رشدي الخطيب من حزما بلغ سن 18 سنة خلال اعتقاله الإداري.

- محمد منصور أصغر فلسطيني معتقل إداري من جنين: اعتقل في نيسان 2021 وعمره 17 عاماً بعد الإفراج عنه من سجون السلطة، وتقول والدته: "ربطوا يديه للخلف برباط بلاستيكي، أحدهم أمسك بعنقه وآخر وجّه له الركلات، كما تعرض لضربة على رأسه لحظة الاعتقال مما أفقده النظر. مقهور لعدم متابعة دراسته وسجنه ظلماً.. موجوع بسبب التنكيل والاعتقال التعسفي بوحشية، حالته النفسية صعبة جداً، خاصة وأنه كلما اقترب موعد الإفراج عنه يتم التمديد".

لقد حدد الاحتلال سن الطفولة بالـ "16 عاماً"، إلا أنه يتجاوز قانونه أيضاً، ويعتقل الأطفال ممن هم دون ذلك، ويحتجزهم بظروف قاسية ويخضعهم للتعذيب النفسي والجسدي من خلال: "إجبار الطفل على توقيع على الإفادة المكتوبة باللغة العبرية، تحت التهديد بالقتل والاعتداء الجنسي، والإهمال الطبي كما حصل مع الطفل محمد مناصرة الذي اعتقل بعمر 13 سنة وبلغ العشرين معزولاً خلف القضبان، رغم تدهور حالته الصحية، إضافة إلى الضرب والتقييد بقيود بلاستيكية، والحرمان من الطعام، والاحتجاز المنعزل بمكان موحش وتسليط الكلاب عليهم...إلخ". كذلك لا يشكّل لهم محاكم خاصة بالأطفال، إضافة إلى حرمانهم من أبسط الحقوق التي كفلها لهم القانون الدولي.

الحبس المنزلي يحول الوالدين إلى "سجين وسجان" في آن معاً!

تتنافس محاكم الاحتلال بالتحايل على القوانين وتلجأ لأساليب توفر لها الحماية والتهرب من الانتقاد والتعرض للمساءلة؛ فتبتدع طرائق متعددة لاعتقال الأطفال ومنها "الحبس المنزلي"، بمعنى الإقامة الجبرية للطفل بأسلوبين كلاهما مُرّ:

1. إلزام المعتقل بالبقاء في بيته وعدم الخروج مطلقاً طوال فترة الاعتقال المحددة!

2. فرض إقامته في بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء بشكل قسري، بعيداً عن الأهل ومكان إقامتهم، مما يتسبب بالقلق والألم، نتيجة شتات العائلة التي ربما يمنع أحد أفرادها "خاصة أحد الوالدين" من زيارته إمعانا بالتعذيب النفسي!

يُفرض "الحبس المنزلي" غالباً على "الأطفال المقدسيين"، لكسر إرادتهم ومنعهم وأهلهم من المشاركة بالفعاليات الوطنية والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وقد تحولت الكثير من منازل القدس إلى سجون بحراسة الأهل أو الأصدقاء، مع شروط قاسية، ثم فرض عقوبات إضافية في حال مخالفتها، ويعتبر "الحبس المنزلي" أقسى وأشد من "الاعتقال الإداري" أو الحكم ببقائه خلف القضبان، كون "السجان" هو أحد الوالدين أو الأقارب، فالطفل ينظر لمن يحرسونه ويقومون على خدمته أنهم "سجانون"، ومع مرور الأيام تترك آثارًا نفسية صعبة اتجاههم، نظراً لتقييدهم حركته بناء على أوامر محاكم الاحتلال الجائرة، وقد بدأت ظاهرة الحبس المنزلي مع اندلاع هبّة الأقصى فصدر "60 قرار حبس منزلي خلال 2015، تزايدت في العام 2016 لتصل إلى 78 حالة، و 95 حالة عام 2017، ثم تجاوزت 100 حالة عام 2018 وأكثر منها عام 2019 وما بعده.. وفيما يلي بعض أسماء الأطفال المقدسيين الذين تعرضوا للحبس المنزلي: "رشيد الشلق، أمجد قواس، علي بلال طه، رائد طه أبو ريّالة، موسى كردي".

يقول محامي مؤسسة الضمير المختص بقضايا اعتقال المقدسيين "محمد محمود": إن الإفراج عن الطفل وتحويله للحبس المنزلي هو عقوبة أكبر من السجن الفعلي كونه يقيّد الطفل وكفلاءه، كما يحرم الطفل من حقه بالتعليم، ولا يسمح للمحامي بالتقدم للمحكمة بطلب إذن للسماح للطفل بالذهاب إلى المدرسة، إلا بعد شهر ونصف من الحبس وقد يُرفض الطلب، ويزيد الاحتلال من إدانة القاصر وتشديد العقوبة عليه، مما يقيّد الأهل ويقهرهم بتحويلهم لسجين وسجان في آن معاً، كما يرهقهم اقتصادياً، بسبب الغرامات المالية المرتفعة التي يوقّعون على دفعها في حال الإخلال بشروط "الحبس المنزلي"، إضافة لتقييد الطفل نفسياً واجتماعياً، حسب الخبير والمعالج النفسي "محمد الطويل" الذي يؤكد أن: "أبرز تأثيرات الحبس المنزلي على الطفل إصابته بحالة صراع نفسي بين معتقده بأن المنزل بيئة آمنة لا يمكن أن يصاب فيها بالضرر وبين الطبيعة الجديدة التي يفرضها الاحتلال، فتجعل تلك البيئة ضاغطة ومانعة له، من أن يعيش طفولته كما يريد، خاصة مع تحوّل أحد الأبوين أو كليهما لسجان، فتنتاب الطفل حالة من تشتت الانتباه والانطوائية أو العدوانية والتأخر الدراسي، يخالطه الترقب والخوف الدائم من مداهمة الاحتلال وتجديد اعتقاله مع انتظار قرار السجن الفعلي أو التبرئة".

هل يمكن لنا أن نتصور قبحاً أكثر من الجيش الصهيوني الذي لا يتوانى عن استدعاء الأطفال الصغار وانتهاك حرمتهم برفقة أهلهم "الطفل محمد عليان 4 سنوات، الطفل قيس عبيد 6 سنوات، الطفلة ملاك سدر 8 سنوات" والتحقيق معهم بتهمة إلقاء الحجارة على الجنود المدججين بالسلاح؟!

تلجأ قوات الاحتلال غالباً لتمديد الاعتقال الإداري أو الحبس المنزلي حتى يتجاوز الطفل السن القانوني للطفولة - 18 سنة - فتنزع عنه طفولته وتتعامل معه كشاب بالغ وتستمر بحبسه، ثم الحكم عليه بأحكام انتقامية طويلة الأجل، ومارس الاحتلال تلك السياسة بشكل ممنهج للتأثير على سلوك العائلات المقدسية تحديداً، ودفعها للقبول بالأمر الواقع، ومنعها طواعية من المشاركة بالمقاومة المشروعة ضد الاحتلال. وقد صدرت 800 حالة اعتقال للأطفال في العام 2019، لكن المقدسيين ما زالوا وسيبقون متمسكين بعاصمتهم المقدسة وبحقوقهم التي أقرتها الشرعية الدولية.

* المصادر: وفا – دنيا الوطن - الجزيرة - رصيف 22 – الضمير - نادي الأسير الفلسطيني.