(الأستاذ الدكتور محمد الأمين الناتي من مواليد عام 1959 في شنقيط بموريتانيا؛ حاصل على شهادة دكتوراه في الآداب العربية من جامعة محمد الخامس بتقدير “مشرف جدا”: 2008 (عنوان الأطروحة: “الثقافة الشنقيطية: مقاربة نسقية”)، وشهادة المتريز في اللغة الإنجليزية وآدابها – جامعة انواكشوط: 2003، ودبلوم الدراسات العليا (دكتوراه سلك ثالث) – جامعة محمد الخامس – الرباط – المملكة المغربية: 1997، وشهادة الدراسات المعمقة في الآداب – جامعة محمد الخامس – الرباط – المملكة المغربية (تخصص الأدب الأندلسي والمغربي): 1987، شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض – المملكة العربية السعودية: 1980، شهادة البكالوريا في الآداب العصرية: 1976، وله العديد من الدراسات والكتب المنشورة.
- عمل أستاذًا في المرحلة الثانوية من 1980 ـ 1986، وأستاذًا بجامعة نواكشوط من 1988 – 1992، إلى جانب عمله مدير ديوان كتابة الدولة المكلفة بشؤون اتحاد المغرب العربي سابقًا، ويشغل حاليًا موقع رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة نواكشوط.
- يعد من الشخصيات السياسية المرموقة موريتانيًا، ومناضلًا قوميًا عربيًا، حيث يشغل حاليًا: أمين عام اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين وعضوًا المؤتمر القومي العربي).
* عملُ الاستعمارِ على تغذية كلّ عوامل الفرقة والتجزئة والانقسام عربيًّا منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفي سبيل ذلك اعتمدت الخطط وصكّت الاتفاقيّات واستعمرّ الوطن العربي، وكنا أمام عمليّةٍ تاريخيّةٍ طويلة، على طريق تكريس الكيانات والهُويّات ال قطر يّة والفرعية: فهل فعلًا لم يكن رادٌّ لهذا المسار التاريخي الطويل؟ لماذا استطاع الاستعمار أن يصل بنا إلى واقع الحال هذا؟
** إنّ هذا السؤالَ جدليٌّ، علينا أن ندقّقَ في المفاهيم بدايةً، فنحن نقولُ إنّ الاستعمار عملَ بشكلٍ عامٍ على تغذية التجزئة والانقسام، وفي الواقع فإنّنا هنا نتحدّثُ عن سببٍ ونتيجةٍ في ذات الوقت، بمعنى أنّ الاستعمار وإن وجد الوطن العربي في واقعٍ إلى حدٍّ ما متخلّف، ومحكوم بالتجزئة بشكلٍ عام إلا أنّها ليست تجزئةً مقوننةً ومجسّدةً وفقَ حدودٍ تكاد تكون ثابتةً وقارّة؛ حيث إنّنا نجدُ بعض الأقاليم إلى حدّ ما كانت تحكمها عشائرُ أو قبائلُ أو شبه ممالك إلا أنّها لم تكن على درجةٍ من الصرامة في أنظمتها والصيغة التي تحكم بها؛ لم تجعل تلك البلدان معزولة كل الانعزال عما حواليها من أقاليم الوطن العربي الأخرى بشكلٍ عام، ناهيك عن أنّنا في فضاءاتٍ متّسعةٍ كما هو الحال، وأبرز مثال على ذلك أنّ التواصل الحميم، ظل إلى حدٍّ بعيد، بين الشعب العربي في المغرب العربي عمومًا والشام. هذه الفكرة الأولى التي يجب أنّ نؤكد عليها في سياق المفاهيم بشكلٍ عام، وينبغي أنّ نصحح المفاهيم وأن نتحرّر منها، خاصّةً أنها مفاهيم فرض علينا تعاطيها، وهي مفاهيمُ خاطئة، تأتي وفقًا للتفكير التقسيمي والتجزيئي والانفصالي إنّ جاز التعبير.
وفي هذا السياق أقول: كان متاحًا للشعب العربي، ولا أقولُ الشعوب، نوعٌ من حريّة التنقل ما أتاح له التواصل بين مختلف أقاليمه، حتى تلك التي كانت تبدو وكأنها ممالك أو دول منفصلة لم يكن لديها القدرة على أنّ توصد الأبواب في وجه التواصل الطبيعيّ والحميمي مع من حولها من الأقطار والفضاءات العربية الأخرى، وحتى أننا نجد هذا التواصل كان سائغًا لأسبابٍ دينيّةٍ على سبيل المثال، كما هو الحال في المملكة العربيّة السعوديّة بحكم احتضانها ورعايتها الأماكن الإسلاميّة المقدّسة؛ فلم يكن أمامها سوى أن تترك بلادها مفتوحة أمامَ العرب والمسلمين بشكلٍ عام، خاصّةً في مواسم الحج والعمرة، وإن بدا هذا النوع من التواصل إجباريًّا إلا أنّ التواصل بين مختلف الأقطار العربيّة ظلَّ هو الحالة السائدة، وإلى حدٍّ عام لم تكن الأنظمة أو الكيانات السياسية الحاكمة تملك القدرة بأن تفرض، على الشعب العربي فيها، أي نوعٍ من الانعزال أو القطيعة مع الأخوة والأشقّاء في الأقاليم الأخرى، وفي الحركة النشطة والقويّة، تاريخيًّا، بين بلدان الشام والمغرب العربي و مصر والسودان وما حواليها دلالة على ذلك، هذه هي الحقيقة التاريخية.
حين دخل الاستعمار إلى هذه المنطقة، كان هذا الواقع هو الساري، لكنه عمل على إنشاء ثم تعزيز عوامل التفرقة؛ بزرع الكيانات التي ترعى الحدود وتفرض واقع التجزئة وغذى عوامل التجزئة بمحتوى فكري وأيديولوجي وحوّل الاختلاف الطبيعي والإثني إلى هُويّاتٍ مصطنعةٍ وانتماءاتٍ انعزاليّةٍ مرتبطةٍ بأقاليمَ معيّنة، هذا توصيفٌ عامٌ للحالة، إلا أنّ الواقع، هذه الأيام، أكثر تعقيدًا خاصّةً في فلسطين، فقد اختار الاستعمار هذه البقعة الجغرافيّة ليزرع فيها كيانًا غريبًا في محاولةٍ لمنع التواصل الطبيعي بين الشعب العربيّ ويؤسّسُ عليه ثقافة الانعزال ومفهوم "الخصوصيّات" وستجدُ أنّ هذه السياسات الاستعماريّة أخذت شكلًا آخر، مع تراجع أشكال الاستعمار التقليديّة، وصعود الولايات المتّحدة الأمريكيّة وريثًا لهذا الاستعمار، وظهر ما يمكنُ أنّ نسميه "الاستعمار الجديد" بفرض الولايات المتحدة هيمنتها وأنموذجها الثقافي الذي هيمن وأخذ صيغته التي تسمى بـ"الكونية" أو "العالمية"،
إنّ ما نجدُهُ في الأقاليم/الأطراف هو ما جعل هذه الأقاليم تكاد تكون المجال الثاني للحركة الاستهدافيّة في الوطن العربي وتعزيز الفكر الانعزالي وإحياء الإثنيات والعرقيات والمفهوم العقدي والمذهبي ومنها جرى استهداف الوطن العربي بشكلٍ عامٍ وما تمثّله، إلى حدٍّ بعيد، طبيعة الجغرافيا في ما يعرف ب "حالة الجنوب" لأنّ هذا الجنوب يمثل، بشكلٍ عام، الطرف القصي من الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه، هذا الجنوب هو الذي يشكّلُ التواصل مع الآخر، سواء أكان أفريقيًّا أو آسيويًّا، وبهذا كان نوعًا من الإجهاز إن جاز التعبير على ذلك التفاعل الذي بموجبه
استطاع العربُ والثقافة العربيّة-الإسلاميّة أن تقدم نفسها ثقافةً مندمجةً وتقبل الإساغة والهضم والتجاوز وأقامت بذلك تواصلًا طبيعيًّا مع أفريقيا عبر نشر الإسلام، وكان هذا إلى حد ما المرآة التي يمكن أن يستدل من خلالها على الانسجام الثقافي وحتى العرقي، بغض النظر، عن مفهوم العرقية والإثنيات والأصول التي ليست عربيّةً كالأمازيغ أو زنجية أو كردية وما إليها.
إذن، وفق هذا كان توظيف العامل الثقافي، يخدم ويمكّن للسياسة الانعزالية والتشويش الذي أُحدث في النسيج الثقافي الذي ضمن الوحدة لأقطار الوطن العربي بشكلٍ عام وفي مختلف أقاليمه. ونحن ندرك جيدًا حقيقة المعطيات التاريخية؛ فرغم هذه الإرادة وحرص بعض الأنظمة على أن تحمي نفسها وتجسد وتكرس التقوقع في كياناتها بأبعادها الجغرافية وحدودها المصطنعة، فإنّ ما يسمى الفصل الثقافي لم يكن متاحًا في أي لحظةٍ من لحظاتِ تاريخنا العربيّ قديمًا وحديثًا، وهذا هو الخطر الذي أدركه الاستعمار الجديد، وفات حتى على الذين يروجون لثقافة الانعزال والاختلاف والتعدّد العرقي والإثني والهُويّات الانعزاليّة، هذه مثلًا تأخذ تجليها في العمل العربي الإبداعي على سبيل المثال كتابًا أو قصّةً أو مسرحيّة، يكتبها الكاتب في أيّ إقليمٍ من أقاليم الوطن العربي، فيصبح في متناول كلّ الشعب العربي بشكلٍ عامٍ وتتعاطاه النخبة، ورغم أنّ هذه الأعمال لا يتاح لها أن تأخذ مكانها في الأنظمة التربوية، حتى لا يُنشأ هذا النشء الاندماجي الذي يعزز الفهم الملتحم بطبيعته، النازع إلى الالتحام…لكن رغم ذلك فإنّ آثارها تبقى ولا تتوقف ولا تنتظر تأشيرةً للدخول إلى كلّ بيتٍ عربيٍّ وإلى كلّ متلقٍّ عربيٍّ؛ لتفعل به فعلها؛ وتبقى عاملًا أساسيًّا من عوامل وحدة الثقافة العربية. إنّ التقصي في هذا الجانب يتطلب حديثًا مطوّلًا، وبرأيي أنّ العامل الثقافي هو الذي يمثّل جوهر مسألة التجزئة والانعزال علّه أخطر شأنًا من العوامل الأخرى الاقتصاديّة والسياسيّة، أعتقد أنّ العامل الثقافي بصموده وقدرته على المغالبة يبقى تأثيره مستمرًّا في الذات العربيّة، وهذا يجعلُ كل الأحكام التي تطلق جزافًا على أنّ المفهوم الوحدوي الاندماجي متجاوزٌ، ليست صائبة، وأعتقد أنّ هذا النزوع الوحدوي نجده، الآن، في الوطن العربي بشكلٍ عامٍ يقوى كلما استشرت الهجمة على الذات العربية والثقافة العربية والفكر القومي والنزوع الوحدوي لتفتيته وإعطائه زخمًا نجدُهُ في كثيرٍ من المناسبات والتجلّيات، ولعلَّ التعبير الصارخ عن الإحساس القومي، الذي نلمسه في التظاهرات، وفي المؤتمرات والمناسبات العربيّة، خصوصًا المهرجانات الثقافيّة والأدبيّة، وأخيرًا الرياضيّة دالٌّ على ذلك أعمق دلالة وأصدقها.
* بينَ الهُويّات الفرعيّة والهُويّة الجامعة يتّسعُ ويضيقُ الاختلاف حولَ مفهوم الوحدة القوميّة، حيث عدَّ البعض استقلال الدول العربيّة مرحلةً انتقاليّةً نحو بناء الوحدة العربيّة، لكن الواقع جاء ليقول عكس ذلك، برأيك: هل المشكلةُ في فهم أولويّات الوحدة القوميّة في إطار الأبعاد الوطنيّة؟ أم إن التحفيز الكياني الوطني (القطري) كان بالأساس في مواجهة الوحدة القوميّة؟ وهذا بدوره ما يطرحُ سؤالًا حولَ صحّةِ فرضيّةِ الوحدة الاندماجيّة بعد فشل تجربة الجامعة العربيّة؟
** في الحقيقة الإجابة على هذا السؤال مرتبطةٌ بالإجابة على السؤال الأوّل؛ لأنّ ما غذّى الهُويّات الفرعيّة والقُطريّة وما أعطاها معنى هو الاستعمار والقوى الانعزاليّة بشكلٍ عامٍ، نعرف أنّ ثمة قوى داخليّة بطبيعتها انفصاليّة، وربّما تكون إلى حدٍّ ما، أنوية فكرها لم تكن قائمةً من قبل على النحو الذي نجده الآن واضحًا ويمثّلُ نسقًا فكريًّا واضحَ المعالم، لكن كانت موجودة، في أشكالٍ أخرى، وهو ما سمّاه الفارابي "النوابت الفكرية" إلى حدٍّ بعيد، بمعنى أنّها كأنويةٍ فكريّةٍ كانت موجودةً لكن بحدودٍ ضيّقة، وكان وجودها خجولًا؛ فجاء الاستعمار وغذاها هذه التغذية التي أنعشت، كما قلت من قبل، متمثّلةً في النزعة الأمازيغيّة، متّصلة في الدعوات المختلفة التي تهتمُّ بالأصول، ونحن فهمنا للثقافة العربية والقومية لم يكن يومًا مبنيًّا أساسًا على مفهوم "النقاء العرقي" ولا على الانتماء الذي تمثله السلاسل النسبية وما إليها، إنّ الانتماء في منطلقنا، واقعٌ ثقافيٌّ تؤدي فيه اللغةُ دورًا أساسيًّا في الإحساس بالانتماء إلى هذه الأمة، ومن ثمَّ فالعروبة واقعٌ ثقافيٌّ أكثر مما هي انتماء عرقيّ معتمدٍ على الأصول، بهذا المفهوم يكون الانتماء إلى الهُويّات الفرعيّة لا معنى له، أي من الهُويّات الفرعيّة اللغويّة يمكنُ أن توصف جزءًا من الشعب العربيّ، ولا يشكُّ في عروبتها وفقَ هذا المفهوم، ولا يخرجُ التعدّد اللغويّ الأقليات الأخرى من العروبة، لهذا فإنّ اللغة العربيّة تؤدي دورًا كبيرًا في صياغة الوجدان لشعوب المنطقة، وهذا ما يسمّى "الموجود الثقافي" و"الكيان الثقافي"، وهذا ليس العربيّ فيه أكثر انتماءً ولا أقوى وفق هذا المفهوم من الأمازيغي ولا من الذي أصله أفريقي، إذّا وفق هذا فهذه الكيانات التي كانت موجودةً من قبل وعززها الاستعمار لم يكن وجودها له معنى، والآن يأخذ شكل إنعاشها وتعزيزها شكلًا آخر من أشكال الصراع اللغوي، على سبيل المثال.
ولذلك قلتُ لكم عندما نحتفي في اليوم العالمي للغة العربية لا نحتفي بها لأنّها مجرد لغة إنّما هي ذات وكيان ووعاء ثقافي وفكري وهي إطار الانتماء ومحدد الهوية؛ لذلك فإنّ محاربتها جزء من السلاح الجديد الذي يستخدم لتفتيت الكيان العربي وهذا الوجدان الذي هو واقع معيش يراد التشويش عليه، ليكون ثمة أسباب للانعزال والانفصال عنه، فإذًا معناه أنّ أيّ نزوع قطري، بطبيعة الحال، هو نوع من التعارض مع الانتماء القومي إلى هذه الأمة بشكل عام، ولا يمكن أن يكون أصلًا حتى إذا أقمنا الكيان الجغرافي والسياسي الموحد وفق هذا الانتماء، ورافقه الوجود الجغرافي بأنّ أثنية أو عرقية معينة تحيا في إقليم معين داخله يمكنها وفق ذلك أن تتمتع بخصوصيتها وأن تمارسها بمعزل عن الهوية العامة دونما إحداث شرخ في الولاء أو الانتماء العام، وبحث لا يكون ممارسة هذه الخصوصية كنوعٍ من تعزيز الانفصال الاقتصادي والسياسي وإعاقة للوحدة والانسجام.
وهنا طبعًا لا يفوتني لفت الانتباه للبعض الذي ذهب إلى أنّ من الشعارات التي نادينا بها مثل: الحرية والاشتراكية والوحدة، عملت على تقوية هذا التعارض بين مسألة الانتماء إلى هُويّةٍ معيّنةٍ وإلى قطرٍ معيّنٍ، كأنّما كيانُهُ أصلب من الصلابة الذي يجعله يتعارض في الانتماء إلى أمّةٍ كاملةٍ يتحقّقُ فيها التكاملُ الاقتصاديّ والاجتماعيّ؛ لأنّ الثقافي لم يغب يومًا عن وحدتها، ولم تنل منه محاولات التشويش.
* يذهبُ البعضُ إلى أن التخلّف العام في الواقع العربي، تكمن بعض جذوره التكوينية الأساسية في حالة التفكّك الجيوسياسي العربي نفسها ابتداءً، ومن ثم استشراء التبعية وغياب السياسات المستقلة، وعليه سيادة النزعة القطرية الضيقة: أين تقف من هذا القول؟
** بكلِّ تأكيدٍ أنّ التخلّف بحد ذاته يتعارضُ مع النزوع إلى الوحدة العربيّة، وهو من أسباب وجود هذه "الكانتونات"، أي الأنظمة القطرية التي تحجب حيّزًا وجزءًا من الشعب العربي من أن يتفاعل مع مكوّناته تفاعلًا طبيعيًّا، بما يقتضيه التكامل بينه وبين إخوته وبين الشعب العربي بشكلٍ عامٍ حتى في مجال ما نسمّيه الآن "التجمّعات الاقتصاديّة الكبرى" وحريّة التنقّل وحريّة الرساميل والبشر والعمالة وما يرتبط بهما، وهذا المنع يضر حتى بالقطر المنعزل نفسه، لأنه لو انفتح على الأقطار الأخرى لكان سيجد من إمكانيات التطور وتحسين الأداء الاقتصادي وتكييفه مع مقدراتها، بما يؤدي إلى رفع الإنتاج وتنفيذ الخطط التنموية في سوق أكثر سعة في حال كان جزءًا من حالة تكامل مع الاقتصادات العربية الأخرى، باستيعاب عناصر أخرى غير موجودة في القطر الواحد، إذن، في هذا السياق يعد غياب الوحدة نوعا من التخلف؛ فالتخلف والتجزئة مترابطان. وعليه فإنّ التكامل الاقتصادي معطى ينتج عن التكامل الوحدوي في ضوء نظرة شاملة وتكاملية تنعكس على كل مقومات النهوض؛ بالقضاء على التخلف في التربية والتعليم وبالقضاء على الاختلالات في توزيع الثروة الوطنية كونها مظاهرا من مظاهر الأنظمة والاقتصادات القطرية، وتتعارض بشكلٍ أكيدٍ مع الرؤية والمنظور الشامل. ونظام الحكم الذي يمكن وصفه بأنه نظام حكم تقدمي يسعى إلى القضاء على الاختلالات التربوية والاقتصادية، وإتاحة الفرص الكاملة والحد الأدنى من التكافؤ بين المواطنين في الوطن العربي المتكامل.
* هناك الكثيرُ مما يقالُ حول نشأة الفكر القومي في الواقع العربي وتوزّعه بين تيّاراتٍ متعدّدةٍ تقليديّةٍ وحداثيّة، من يحاولُ أن يؤسّس له منذ ظهور الإسلام ومن يربطه بفكرة الأمة/الدولة.. بين الأصالة والمعاصرة وترسانة التراث العربي- والانتماء التاريخي: كيف بنا أن نؤسس لرؤية أكثر وضوحًا ورسوخًا للفكر القومي، ارتباطًا بدروس الماضي وتحدّيات الحاضر والمستقبل؟
** الإجابةُ على هذا السؤال تطلّبُ العودة إلى التمهيد الأوّل الذي أشرتُ إليه حول "المفاهيم". الأمور بعضها يؤدي إلى بعضٍ، وجميع المفاهيم التي ذكرتها في السؤال تربطها علاقةٌ جدليّةٌ واضحةٌ، وعليه أعتقد أنّنا حين ندعو إلى كيانٍ عربيٍّ لا بدَّ أن يكون كيانًا عربيًّا نحاولُ فيه أن نتمسّك بثوابتنا الحضاريّة ومقاوماتنا الروحيّة وهويتنا/لغتنا، هذه المركّبات هي الأساسيّة عندنا، ويجبُ أنّ ننظر إليها في الوقت ذاته نظرةً تكامليّة، وهذا ينشأُ في اعترافنا أنّ "الإسلام" هو دين الأغلبية في الوطن العربي، وحتى وإن كنا نعتقد أنّ إسلامنا يوحّدُ العرب، ونؤمنُ بذلك المفهوم الذي جعله إلى حدٍّ ما أمميًّا بقدر ما يكون فيه العرب يلعبون الدور المؤثّر، هذا يجعلُ الإسلام كما قلنا نواةً صلبةً في المشروع الحضاري الثقافي العربي لكنّه الإسلام التنويري، الذي ينظر إلى جوهره ولا يتثبت بالتطبيقات والممارسات التي لجأ إليها نظامٌ أو آخر في مرحلةٍ معيّنةٍ من التاريخ، ولا حتّى الإسلام الذي يقرّ ويصوغ له اختلافًا فكريًّا بين شيعةٍ وسنّةٍ أو مذهبيّةٍ داخل أحدهما، هذا المفهومُ الصحيحُ الذي يتجاوزُ كلَّ تلك المؤثّرات والخبرة التاريخيّة التي نبت فيها الخلاف وغاب فيها الانسجام العقدي، ليس هذا الإسلام الذي نعنيه بالإسلام الذي في جوهره يوحّد. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ اللغة العربيّة تؤدي دور الوعاء وكمحدد للانتماء إلى هذه الأمة، هذه –برأيي- الثوابت التراثية التي يجب أنّ نتشبّث بها، ونتمسّك، بعد ذلك نؤمن بالعلم والتطوّر وأنّ مسيرة التاريخ هي تراكم وتجاوز، وهذا علينا أنّ نطبقه على مفهوم الهُويّة، ونحن نتحدّثُ عن العرب في الفترة التي ظهر فيها الإسلام لكون وجودهم أساسا في شبه الجزيرة العربيّة، وفي بلاد الشام؛ وعليه فإنّ مفهوم الإساغة والتجاوز والهضم هو الذي جعل هذا المفهوم الديناميكي للهُويّة العربيّة، وهو الذي يجعلُ الوطن العربي الآن يمتدُّ من الماء إلى الماء، وجعل الانتماء إلى العروبة يقوم أساسًا على المشاركة الوجدانية واللحمة الثقافية وعلى هذه اللغة. وفق ذلك هذه هي الثوابت التي تحدد الانتماء وتجعل التمسك بالتراث والتشبث أساسيًا في ضوء النظرة الحداثية الديناميكية هذه، على أن تحكمها السماحة؛ استطعنا أن نحكم الأندلس، وتمكنت الأقليات الأخرى، غير المسلمة أن تستمر، في التعايش معنا وأن تلعب دورها في النهوض وأنشأنا مجتمعًا عربيًا يهوديًا - مسيحيا - مسلمًا قدّم نموذجًا وحضارة منفتحة للإنسانية، وأسهم إسهامًا كبيرًا في العلوم والثقافة والحضارة الإنسانية عمومًا. هذا المفهوم هو ما تقتضيه اكتشافات العلوم حتى في النهج السياسي، وخاصة الديمقراطية بمعناها الحقيقي "التشاور" وإتاحة الفرصة لكل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لممارسة دورهم في الحكم ومحاربة الفساد والمحسوبية، لكونها معطيات ونتائج للتخلف. قد يبدو حديثي ذا شجون، لكن أرى أنّ هذه هي الملامح الكبرى لأيّ مشروع تقدم ندعو إليه ونعتقد أنه آتٍ لا محالة، وستكون مقدمته تحرير الأرض المحتلة، خاصة في فلسطين وتحرير الأقاليم العربية بشكل عام من التبعية والأنظمة المتخلفة التي ليست هي أقل قسوة من الكيان الصهيوني الغاصب، ولا من كيد وتدبير الولايات المتحدة ونموذجها الثقافي الذي تريد أن تفرضه علينا. هذا هو معنى ومفهومنا للتحرر وحينئذ يأتي دور الإيمان بالعلم وحرية الإنسان وقدرته على الإبداع وبرسالته الإنسانية، ثم باستثمار مقدراتنا المتعددة نستطيع أنّ نضمن مستقبلًا زاهرًا.
* من أبرز القضايا التي واجهت حركة التحرر العربية وأحزابها، بعد ما سمي بمرحلة الاستقلال السياسي؛ مهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق الديمقراطية، والتصدي للمشروع الصهيوني التوسعي بعد احتلال فلسطين وتحقيق الوحدة العربية: أين الفجوة السحيقة التي تبدو بين الأطروحات النظرية وتطبيقاتها العملية في تجربة أحزاب وحركات التحرر العربية؟
** إذا أردنا أن ندعو إلى الديمقراطية الحقيقية؛ علينا أن نمارسها على ذواتنا، هذه المسألة محلُّ إجماع عند كثير من الدارسين في الحقل السياسي، ولذلك لعل من أخطر ما واجه الأحزاب العربية أولًا أنها لم تعتمد على الديمقراطية الداخلية، نهجًا وممارسة، وأنها كانت رهينة للأنظمة السياسية القائمة إلى حد ما، وتناغمها وتتعاطى معها، وكانت في جلها وفي كثير منها نوعًا من تسويق رؤية هذه الأنظمة الانعزالية والرجعية والتابعة والملحقة بالهيمنة والنموذج الذي تسوّق له الولايات المتحدة الأمريكية وترعاه، أي أنها بطريقة أو أخرى لم تكن أحزابًا ولا حركات، تمتلك مقومات التغيير الحقيقية ولا آلياته ولم تعمد عليه كنهج لرؤيتها وفي ممارستها، ومن ثمّ كان الخلل البنيويّ إلى جانب ما يسمى "اللوث الفكري" وعدم وضوح الرؤية – وفق ما ذكرنا أعلاه- وما ينشأ عن الانسجام الطبيعي بين رؤية تحافظ على ثوابتنا ومقوماتنا الحضارية والروحية ونزوعنا نحو التقدّم والتطوير والحداثة.
هنا أؤكد بأنه لا بدّ أن نوفّر شروط الحياة الكريمة، لو أخذنا على سبيل المثال حرية الرأي وحرية الاقتراع وربطناها في مقومات الحياة الأساسية؛ فما دام الإنسان لا يملك قوته اليومي ولا يملك شروط الحياة العادية، فإنه سيكون مرتهنًا، إلى حدٍ ما، لذلك الذي يوفر له حدًا أدنى منها، ولو أنّ المواطن انتبه إلى هذا الربط ووعاه ورأى أنّ ما يعطى إليه ليس إلا شئيًا زهيدًا، وهو حق له يجب أن يناله…وهنا تتأكد أهمية التكامل بين الحريات المختلفة، ولعل بدايتها تكون من معالجة الجانب الثقافي، أي أنّ نبدأ بصقل الوعي بالشكل الصحيح وبتحديد الانتماء على أسسه الثابتة، وأنّ ننهض ونهتم بالتربية والتعليم حتى نعد الإنسان الذي يستطيع أن يسهم كعضوٍ صالحٍ، ثانيًا يعي ويقدر على المواءمة بين حقوقه وواجباته وحينئذ ستكون التنمية الاجتماعية أو الحد الأدنى مما ينبغي أن يهيأ له نحو التقدم والتطور والحرية بأبعادها كافة.
وفي هذا السياق أؤكد أنّ العاملين الثقافي والتربوي عاملان أساسيان، يجب أن يمنحا الأولوية، على خلاف المقاربة التقليدية. إنّ الدليل على أنّ الأنظمة العربية لا تريد التنمية الحقيقية أنها تملك من المقدرات ما لو رصد 20 بالمئة منه ضمن عملية التنمية على غرار ما فعلت البلدان الأخرى في قطاع التربية والتعليم لكنّا على درجة من التطور العلمي والمعرفي ستقودنا بالضرورة إلى التخطيط السليم والتطوّر الذي نمتلك مقاومته وإلى استغلال قدراتنا ومواردنا الطبيعية وتوظيفها بالاستجابة لحاجاتنا الحيوية وإحداث تنمية متكاملة. إذن، وفق هذا يجب أنّ نتوجه إلى تطوير قطاع التربية والتعليم؛ لأنّ ذلك سيكون الطريق الصحيح، وشرط أساسي للتقدّم والتطوّر.
* اليوم هناك العديد من المنتديات واللقاءات والمؤتمرات القومية، إلى جانب الأحزاب والحركات والتيارات القومية أيضًا على مساحة بلدان الوطن العربي: فهل ترى أنها تقوم بالدور المناط بها أم تحولت إلى منتديات موسمية فاقدة لعمقها الشعبي؟
** بكل تأكيد لا نعمم كل التعميم إلا أنّ جلّ هذه المؤتمرات واللقاءات.. إلخ مرتهنة إلى الأنظمة التي تسوق لأطروحاتها وللآراء وبالتالي تشكل مصلحة الجماهير، وتعبئتها تعارضًا صريحًا معها وتهديد خطير لها، وأؤكد مرة أخرى أنّ هذا ليس حكمًا مطلقًا لكنني أتحدث هنا بشكل إجمالي، وفي هذا السياق ألا تجد أنّ النزوع إلى القومية والدعوة التحررية أصبحت ثقافة ومفاهيم ونهجا لا بدّ منه لإطالة عمر النظام، فالأنظمة تعمد إلى هذا الخطاب من أجل تحسين وجهها وصورتها حتى تظل مقبولة ولو إلى حين، ومن ثم توظّف هذه المنتديات بطريقة غير طبيعتها وما هو مأمول منها، فتتحول إلى وسائل لممارسة الضغط والاقصاء والتهميش ويحال بينهم وبين إمكانية التأثير، لكن الخير أبقى وإن طال الزمان به، وعليه فإننا نرى أنه بفعل التراكمات سيقوى صوت الفئات التي تفهم دورها جيدًا، وبعد المغالبة سيكون البقاء لها لكونها هي الأقوى والأصلح.
* سعى الاستعمار قديمًا وحديثًا إلى فك عرى العلاقة بين فلسطين جغرافيا وشعبيا عن عمقها العربي، منذ ما قبل سايكس بيكو وتصريح بلفور وصولًا إلى التخلي عن كونها القضية المركزية من قبل الأنظمة الرسمية العربية، فالتخلّي عن فلسطين كان مقدّمة لأي مشروعٍ قُطري، وصولًا للاندراج في سياق التطبيع والخضوع للهيمنة الغربيّة الأمريكية ومشروعها الشرق الأوسطي: فهل ستكون الأوسطي بديلا لاستيعاب المسألة الفلسطينية وتجاوز المسألة القومية وتعبيراتها المادية والمعنوية؟
** ذلك ما يظنونه ويسعون من أجله جاديّن، لكن في الحقيقة إنّ الأوسطية هي الوجه الآخر القميء والقبيح لما يسمى "التطبيع" وهو آليتها، وحتى تكون "إسرائيل" ليست غريبة، ومهما كانت "إسرائيل" قوية فإنها لن تقوى ومهما مكّن لها ستبقى معزولة في المحيط الذي يختلف عنها، وستظل امكانياتها معطلة عن التفاعل مع ما حولها، ولن تستمر في إطار السير الديناميكي للنشوء، وبالتأكيد إنّ منطق الصراع قائم، وفي هذا السياق لا بدّ أن نعود أيضًا، كما نعود دائمًا، إلى المشكلة الثقافية، وعليه يجب أنّ نظل نقاوم التطبيع، خاصة في الجانب الثقافي، لأنه أخطر من التطبيع السياسي.
حين وجد الشرق الأوسط الجديد تناسى القائمون عليه أنّ "إسرائيل" دولة غاصبة وأقيمت على أرض فلسطين المحتلة وأنها وجدت للحيلولة دون إمكانية التواصل بين أوصال الجسم العربي وأنها تعطيل لأيّ إمكانية وأي نزوع نحو التكامل؛ تعطله بحكم احتلالها للمركز لإعاقة التواصل الطبيعي، وفي هذا السياق جاء التطبيع ليخدم نسيان هذا الحقيقة ويتجاوزها، على أساس أنّ التواصل مع "إسرائيل" ظاهرة طبيعية لحذف حقيقة أنّ "إسرائيل" هي مجرد كيان صهيوني، لتسويغ مفهوم "الشرق الأوسط الجديد".
بكل تأكيد إنّ الشعب العربي، مهما كان وعيه وتحصيله العلمي، فإن موقفه التلقائي الذي ينمو ويقوى بعيد حين هو الرفض لهذا الجسم الغريب وهذا النوع من العلاقات معه ولهذه الثقافة البديلة عمّا داخل وجدانه وأصبح جزءًا منه وهو أنّ "إسرائيل" عدوّ لنا وأنّ وجودنا مرتبط بزوالها، ولطبيعتها لا يمكن أن تكون صديقًا للعرب، ومنطق التنافي هو الذي يحكم علاقتنا بها.
* لا يمكن تحميل واقع حال القضية الفلسطينية في ظل اللحظة الراهنة لبؤس الواقع الرسمي وغير الرسمي العربي وحده، بالتأكيد فقد وقعنا كحركة وطنية فلسطينية في جملة أخطاء ساهمت في الوصول إلى هذا الواقع واستمراره، برأيك: ومن منطلق رؤيتك القومية، ما هي أبرز الأخطاء التي وقعنا فيها وساهمت في إنتاج هذا الواقع البائس؟
** إنّ النخبة العربية وقوى التغيير في الوطن العربي انتابها نوع من الانكسار، وما نسقطه علينا، بحكم رؤيتنا القومية، نسقطه على إخوتنا في فلسطين، لكن الخوض في الأخطاء التي وقع بها الفلسطينيون ليست معزولة عن الأخطاء التي وقعت بها النخبة العربية عمومًا، وستبقى الأخطاء في فلسطين لها عذر – من وجهة نظرنا- بحكم صمود الفلسطينيين منقطع النظير، وبالتالي إننا ننظر إلى هذه الأخطاء على أنها أخطاء يسيرة مقارنة مع حجم التحدي الذي يواجهونه، ومع ذلك فإنّ أيّ استجابة لأيّ مخطط يميز ما بين فلسطين المقاومة والجسم العربي حولها الذي ارتبط وجوده بها بشكل عام. لا أريد أنّ أخوض بالتفاصيل، لكنني أجد التشرذم بين الفلسطينيين لا مبرر له، ويحكمه حدود معينة من الأنانية السياسية ونوع من ضيق الأفق، وما يجمع الإخوة هو المقاومة ورفض الاحتلال الصهيوني ويجب أن يكون هذا الاجماع هو ما يجمع لا ما يفرّق، ونأمل أنّ يتمكن الإخوة الفلسطينيون من تجاوز هذه الخلافات الخفيفة واعتبار الظهير العربي هو الظهير الحقيقي والاستراتيجي وأنّ البعد القومي العربي يجب أن يظل حاضرًا دائمًا في كل المجالات ولا بدّ من التصحيح في هذا المجال، والأجدر أن تكون الوحدة سواء في فلسطين أو مع العرب هي القائمة.
* في سياق مواجهة الاندفاعة الصهيونية الأمريكية نحو التطبيع مع العديد من الأنظمة الرسمية العربية تحت ما عرف بالاتفاقات الإبراهيمية، وبالتزامن مع الذكرى الرابعة والخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (العام الماضي)، دعت إلى تشكيل جبهة عربية لمواجهة التطبيع والتصفية، وها قد مر عام دون أن نصل لذلك: ما هو المطلوب لتحقيقها إن كنت ترى فيها ضرورة؟
** بكل تأكيد هي ضرورة، إنّ مقاومة التطبيع هي أحد أوجه الصراع والمغالبة مع العدو الصهيوني على مستوى الوطن العربي بشكل عامٍ، وإذا كان لهذا الطرح المتقدم جدًا، الذي طرح كفكرة منذ سنة أو ما يقرب منها، وما زالت لم تصل إلى نتائج معينة، فلا بد أنّ يمر عليها حين من الدهر كي تختمر ثم تشق طريقها وتصبح حقيقة واقعة.
وهنا في موريتانيا على سبيل المثال عندنا هيئات إقليمية وقطرية لمقاومة التطبيع كالهيئة المغاربية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني التي – أنا عضو فيها- وهي أيضًا تضم أعضاء من تونس والمغرب، ويقومون بدور مستميت، وفي هذا السياق نشير إلى دور الدكتور المغربي أحمد ويحمان الذي لا ينفك يحاكم ويسجن، وآخرون في الجزائر و ليبيا ، وهذا معناه أننا في كل يوم نسير على هذا الطريق، إلا أنّ الوصول إلى الإنجاز الملموس مشروع وبحاجة إلى صبر، وفي رأيي من المبكر أنّ نطرح أسئلة من هذا القبيل لنحاكم هذه التجربة، ونلفت إلى أنّ دعوة الشعبية هي مباردة مهمة وطيّبة ومن الأفضل في مثل هذه المبادرات تغليب النفس الطول.
* كقومي ومناضل عربي موريتاني وعضو في المؤتمر القومي العربي وكأمين عام اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين: كلمتك التي توجهها لشعوب أمتنا العربية ومنها شعبنا الفلسطيني؟
** رسالتنا إلى الشعب الفلسطيني، ناضلوا ونحن معكم وإلى جانبكم، ونأمل أن يأتي اليوم الذي نكون فيه قادرين على ممارسة دورنا في النضال كما تمارسون أنتم الآن دوركم، ونؤكد أنّ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وطبيعة هذا الكيان الصهيوني أنّه لا يمكن التعامل معه إلا بمنطق الاشتباك والاستئصال وأنّ الصراع معه صراع وجود، وعليه فإنّ دعوات السلام والتطبيع وما شاكلها مجرد أوهام، وندعو إلى نبذ الخلافات الداخلية وتحديد أولوياتنا، التي تؤكد أننا كلنا في الهم سواء وأنّ هذا هو قدرنا ونحن وإن عاقتنا المسافات والحدود سيأتي يوم، قد يكون قريبًا، يكون فيه الإنسان العربي قادرًا على ممارسة دوره النضالي من أجل فلسطين، ويقدم دعمه، بطريقة أو بأخرى، حتى يتحقق هدفنا باستعادة فلسطين السليبة، وحين تستعاد فلسطين لن تكون هذه إلا خطوة لمد جسور التواصل الطبيعي بين الجسم العربي، وهي مرحلة تتلوها مراحل أخرى وإنّ غدًا لناظره لقريب.