Menu

التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وأثره على القضية الفلسطينية (الجزء العاشر)

غازي الصوراني

(قراؤنا الأعزاء بدأنا من يوم السبت 11/2/2023، نشر وعلى أجزاء متلاحقة، آخر إصدار/كتاب؛ المفكر والباحث العربي الفلسطيني غازي الصوراني، الموسوم بعنوان: التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وأثره على القضية الفلسطينية. هذا الكتاب الهام والصادر في يناير من العام الحالي بعدد 228 صفحة، بحجم ورق من القطع المتوسط؛ نضعه بين أيدينا قراؤنا آملين أن تتم الاستفادة المرجوة منه في موضوعه المحدد وعلاقته المباشرة؛ بشعار/دعوة/مبادرة/ضرورة: "اعرف عدوك" وضرورة مواجهة تجسيداته العملية إلى جانب ما يسمى: راويته التاريخية..

نوجه شكرنا الكبير وتحياتنا العالية إلى الباحث والمفكر القدير غازي الصوراني، على جهده الفكري والمعرفي المتواصل، وعلى خصه بوابة الهدف بنشر كتابه على أجزاء عبر موقعها الإلكتروني).

 

 

التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وأثره على القضية الفلسطينية

(الجزء العاشر)

غازي الصوراني

حول الصهيونية والتيارات التي تفرعت عنها

ملحق رقم (3)

سنمضي في ملاحظة بعض الملامح العامة لانبثاق ظاهرة الصهيونية في الإطارين التاريخي والفكري العام؛ وما تفرع عنها من تيارات فكرية – ومنها تيارات اليمين – وكذلك سنمضي في معاينة المثال العملي لظاهرة اليمين، من خلال ما تحظى به من دور مهيمن على جدول أعمال الدولة والمجتمع في إسرائيل، في سياقين اثنين من المناقشة، هما:

السياق الأول[1]: الإطار التاريخي/ الفكري للصهيونية ارتباطاً بالأسطورة التوراتية:

يلمح هذا لسياق من البحث إلى الإطار التاريخي والفكري العام للصهيونية وما يظهر فيه مما يمكن تسميته بجدلية التنوع الثقافي والسياسي، لكن القائم على قاعدة الأسطورة التأسيسية المشتركة للصهيونية التي هي: نفي المنفي، والعودة إلى أرض إسرائيل، والعودة إلى التاريخ بدءاً بمرحلة طلائع الصهيونية، أو عرف بظاهرة المفكرين الأوائل ما قبل ثيودور هرتسل.

سنلاحظ في هذا السياق – على سبيل المثال- أن بعض الجذور الفكرية لليمين الصهيوني القومي والديني تمتد إلى أفكار كان قد طرحها عديد من الحاخامات في مرحلة انبثاق الصهيونية، وتتعلق بتحقيق الفرائض المنصوص عليها في التعاليم الدينية لجهة علاقة اليهود بأرض "إسرائيل" وواجب الاستيطان فيها. وقد تبلور هذا التيار وازداد قوة، وعرف فيما بعد باسم الصهيونية المتدينة، التي استمر مؤيدوها في إصدار الفتاوى الدينية، من حين لآخر عند الضرورة؛ بشكل سهل على اليهود المتدينين التعامل مع الصهيونيين العلمانيين، في مساعيهم لإقامة دولة يهودية في فلسطين[2].

وقد كانت تلك الفتاوى كافية لدفع كل منهم إلى عرض آرائه الخاصة؛ مما أسهم في تعميق الأسس الفكرية لنظريات الصهيونية المتدينة.

ويمكننا أن نلحظ – على سبيل المثال- أن كثيراً من الجذور الفكرية للصهيونية وما تفرع عنها تكمن في كتاب (التحرير الذاتي) للدكتور يهودا ليف بينسكر (1821 – 1891) قبل أن يكتب ثيودور هرتسل كتاب دولة اليهود.

وفي هذا السياق المتصل، سنتناول الجذور الفكرية لليمين الصهيوني المرتبط بأفكار زئيف جابوتنسكي (1880 – 1940) ورؤاه الملهمة لليمين الصهيوني حتى الآن؛ فقد طور جابوتنسكي أفكاراً اجتماعية وسياسية خاصة تحفظت على المفاهيم الطبقية التي كانت متداولة لدى حركة العمل العبري في عشرينيات القرن الماضي، وسجلت انتقادات للاعتماد بصورة كبيرة على الييشوف الاستيطاني كوسيلة أساسية من وسائل إقامة الدولة التي كانت تتبناها الصهيونية الاشتراكية في ذلك الوقت؛ منادياً باعتماد وسائل سياسية أكثر نجاعة من خلال الاعتماد على التحالف مع بريطانيا ومن خلال المزيد من القوة وهما الوسيلتان اللتان بمقدورهما وحدهما إرغام العرب على التسليم بالمشروع الصهيوني كواقع موضوعي.

في عام 1939 كتب جابوتنسكي: "يجب أن يخلي العرب المكان لليهود في أرض إسرائيل. وما دام أمكن نقل "transfer" شعوب البلطيق؛ يمكن أيضاً نقلا لفلسطينيين العرب.

السياق الثاني[3]: الظروف والأسباب لظاهرة تزايد هيمنة اليمين الصهيوني بمختلف أيديولوجياته:

إن الصهيونية باعتبارها ظاهرة جدلية لجهة الأفكار والمنهج العلمي، ولأن "إسرائيل" ظاهرة صهيونية موضوعياً وعملياً، ولأن اليمين الصهيوني بالمحصلة هو ظاهرة إسرائيلية أكثر من كونه أي شيءٍ آخر؛ فإن المناقشة في هذا السياق تستهدف:

معاينة الظروف والأسباب وكذلك النتائج السياسية العملية – وليس التجريدية- لظاهرة زيادة هيمنة اليمين الصهيوني ذات الأصوال المتنوعة آيديولوجياً.

وهنا ينبغي الإشارة إلى ملاحظة أساسية يراعيها البحث، وهي حقيقة أن ليس كل اليمين الصهيوني، يمين ديني أصولي، لكننا ومع ذلك؛ نجد أن تيار الصهيونية القومية الليبرالية والعلمانية، يتحالف – ربما إلى حد التطابق- في الواقع الموضوعي الإسرائيلي مع الصهيونية القومية الدينية، واليهودية الأرثوذكسية، وفق جملة من القواسم المشتركة آيديولوجياً وسياسياً وعلى قاعدة المصالح المشتركة.

فقد بدأت هيمنة اليمين وتجلياتها- وكما هو معروف وشائع – منذ عام 1977؛ حيث حمل الانقلاب السياسي الذي جرى حينها بفعل نتائج الانتخابات، حزب الليكود – المتأثر بأفكار زئيف جابوتنسكي- وتكتل الأحزاب اليمينية إلى جانبه إلى سدة الحكم، وأرَّخَ لبداية التحالف بين اليمين القومي العلماني أو الليبرالي الصهيوني وبين اليمين القومي الديني.

الإطار التاريخي والفكري العام. جذور اليمين وجدلية التنوع الفكري والمنهجي[4]:

إن تاريخ الصهيونية التي أنجبت دولة "إسرائيل"، بمفهومها السياسي والاجتماعي، وعلى الصعيد النظري على الأقل، يبدأ مع نهاية الثلاثينيات من القرن التاسع عشر.

ثمة أمثلة كثيرة مما يمكننا تسميته بظاهرة المفكرين الأوائل أو بظاهرة طلائع الفكرة الصهيونية، وهذه الظاهرة وجدت قبل المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في بازل عام 1897 بعدة عقود من الزمن، خصوصاً ما بين أعوام 1862 و 1884، وقد كان ذلك قبل أن يكتب ثيودور هرتسل أولى كتاباته المعبرة عن الفكرة الصهيونية المتمثلة بمسرحية "الغيتو الجديد" أو رواية "الأرض القديمة الجديدة" اللتين أفصح من خلالهما عن اتجاهاته الصهيونية لجهة إيجاد الحلول للمسألة اليهودية ومواجهة ظواهر اللاسامية في اوروبا، وقد كان ذلك قبل أن يكتب كتاب الدولة اليهودية عام 1896.

كانت أولى الشخصيات التي نادت بإقامة دولة يهودية في فلسطين الحاخام يهودا الكلعي (1798 – 1878) السفاردي الأصل، وهو حاخام الطائفة اليهودية في زيمون بالقرب من بلغراد في يوغسلافيا، والكلعي رغم أنه دعا إلى استيطان اليهود في فلسطين منذ بداية نشاطه، في أواخر الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، ونشر سنة 1829 كتاباً يشرح فيه آراءه الدينية.

وكأحد المبشرين بالحل الصهيوني للمسألة اليهودية، وكرائد من رواد الصهيونية، ودعاة "العودة" إلى صهيون و"أرض إسرائيل"، سبيلاً للتعجيل بخلاص الشعب اليهودي؛ نلاحظ -كما يقول رائد دحبور- أن الرؤى والتعاليم التي قدمها يهودا الكلعي كانت قد جمعت بين أفكار قومية ومسيانية، وفي وقت مبكر من المراحل الأولى لانبثاق الصهيونية؛ فنجده يقول:

"لقد أمر الله تبارك اسمه بأن تتم توبتنا عن طريق يقظتنا؛ لكي نزيد من قيمتنا لديه، وعندما يرى الله رغبتنا بالتوبة تمجيداً لاسمه، ولم تم ذلك بحجم خرم إبرة؛ سيرسل لنا نجدته ويفتح الباب على مصراعيه، ثم يزيد ويرسل إلينا المسيح الملك. وبعدها سنعود إلى صهيون الذي اتخذ منه إلهنا منزلاً له".

يعتبر الحاخام يهودا الكلعي، بسبب كتاباته؛ واحداً من رواد الفكر الصهيوني؛ فقد استطاع خلال فترة نشاطه التأثير على زملائه ومنهم "الحاخام تسفيه يرش كليشر" الذي أصدر سنة 1862 كتاباً بالعبرية بعنوان "دريشات تسيون" أو "البحث عن صهيون" طور فيه الآراء التي دعا إليها الكلعي.

كان الحاخام تسفيه يرش كاليشر (1795 – 1874) حاخام الطائفة اليهودية في مدينة تورين بألمانيا، خلال الأعوام الخمسين الأخيرة من حياته، من أوائل الصهيونيين المتدينين، الذي جاهروا بآرائهم وحاولوا العمل على تنفيذها.

بدأ كاليشر نشاطه منذ مطلع الثلاثينيات من القرن التاسع عشر؛ وفي عام 1862 نشر كتابه "البحث عن صهيون" الذي يدعو فيه لعقد مؤتمر عام لوجهاء اليهود؛ بهدف تأسيس جمعية لاستيطان أرض إسرائيل، تكون مهمتها الرئيسية تمويل عملية استيطان اليهود في فلسطين، وإقامة كيان لهم فيها.

كانت اجتهادات الحاخامين "كاليشر والكلعي" وآراؤهما بمثابة مرحلة أولى لتيار الصهيونية الدينية داخل الأفكار اليهودية، وهوتيار يستمد قوته من التعاليم الدينية التقليدية، ويمزج بينها وبين الوسائل السياسية الضرورية؛ لتحقيق ما يعتبرونه الفرائض المنصوص عليها في تلك التعاليم، من حيث علاقة اليهود "بأرض إسرائيل" وواجب الاستيطان فيها.

وقد تبلور هذا التيار وازداد قوة، وعرف فيما بعد باسم الصهيونية المتدينة، التي تزايد مؤيدوها في الانتخابات الأخيرة 2022[5].

في هذا السياق أشير إلى الأسطورة التأسيسية التي قامت في مناخ ما عرف بالمسألة اليهودية وضرورة إيجاد حل صهيوني لها ضمن توليفة قومية قائمة على أساس يوتوبيا دينية مسيانية، كإحدى روافع ودوافع الصهيونية ومشروعها وبما له علاقة وثيقة بمفاهيم مسيانية مسيحية بروتستنتية؛ قامت على أساس التفسير الحرفي للعهد القديم، حيث تبنتها ولفتت الانتباه إليها البروتستنتية المسيحية في القرن الثامن عشر؛ وحيث تحالفت كل من الصهيونية والبروتستنتية المسيحية المؤمنة بتلك الأفكار في سبيل التمهيد للخلاص ضمن مفهوم وعلى قاعدة ضرورة التعجيل بعودة الشعب اليهودي إلى أرضه الموعودة لاهوتياً كشرط من شروط تحقق الخلاص الإلهي بعودة المسيح في نهاية التاريخ. وتمثل هذه الرؤى الأرثوذكسية اليهودية والبروتستنتية المسيانية بالذات جذراً من جذور الفكر اليميني الصهيوني المؤثر حالياً في كل من "إسرائيل" والولايات المتحدة وجه الخصوص[6].

 

 

[1] رائد دحبور –الصهيونية وجدلية التنوع الفكري.. طبيعة الجذور الفكرية لليمين الصهيوني - قضايا إسرائيلية – العدد 69 – مدار المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – رام الله – فلسطين – ربيع 2018– ص63

[2] المصدر السابق - رائد دحبور – ص 63

[3] المصدر السابق – رائد دحبور-  ص 64

[4] المصدر السابق – رائد دحبور-  ص 65

[5] من المهم أن نشير الى أن التغيرات الديمغرافية في إسرائيل تشي بأن صعود قوة الصهيونية الدينية والتيارات الحردلية والمتزمتة والحريدية ليس حدثا عابرا. كان العلمانيون الأشكناز في العام 1948 يشكلون الغالبية العظمى من الإسرائيليين لكنهم اليوم أصبحوا 40% وأقل من اليهود الإسرائيليين، أما الحريديون والمتدينون الذين كانوا أقلية هامشية فقد أصبحوا قوة عددية ضخمة حيث وصل تعداد الحريديين في 2021 إلى حوالي 1.226.000 مقابل 750.000 في 2009 وارتفعت نسبتهم من 10 بالمئة في 2009 إلى 13 بالمئة في2021[26] فيما تجاوز عدد المستوطنين 720 ألف مستوطن.

من المتوقع أن تستمر نزعة صعود أقصى اليمين في ظل زيادة سيرورة التديين التي تغذيها التحولات الديمغرافية ويساهم في دفعها أيضا ما كشفته السنوات الأخيرة عن تصاعد انجذاب الجماعات الحريدية إلى أقصى اليمين الديني بما فيه الكهانية التي يتزعمها حزب “عوتسما يهوديت” بزعامة بن غفير. (هنيدة غانم – صعود أقصى اليمين الإسرائيلي – مدار – 10/11/2022.)

[6] مصدر سبق ذكره - رائد دحبور – ص 69