(قراؤنا الأعزاء بدأنا من يوم السبت 11/2/2023، نشر وعلى أجزاء متلاحقة، آخر إصدار/كتاب؛ للمفكر والباحث العربي الفلسطيني غازي الصوراني، الموسوم بعنوان: التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وأثره على القضية الفلسطينية. هذا الكتاب الهام والصادر في يناير من العام الحالي بعدد 228 صفحة، بحجم ورق من القطع المتوسط؛ نضعه بين أيدي قرائنا آملين أن تتم الاستفادة المرجوة منه في موضوعه المحدد وعلاقته المباشرة؛ بشعار/دعوة/مبادرة/ضرورة: "اعرف عدوك" وضرورة مواجهة تجسيداته العملية إلى جانب ما يسمى: راويته التاريخية..
نوجه شكرنا الكبير وتحياتنا العالية إلى الباحث والمفكر القدير غازي الصوراني، على جهده الفكري والمعرفي المتواصل، وعلى خصه بوابة الهدف بنشر كتابه على أجزاء عبر موقعها الإلكتروني).
الصهيونية الدينية وتطوراتها
ملحق رقم (4)
الصهيونية بالمعنى الديني: " تشير كلمة "صهيون" في التراث الديني اليهودي إلى جبل صهيون و القدس ، بل إلى الأرض المقدسة ككل، ويشير اليهود إلى أنفسهم باعتبارهم "بنت صهيون". كما تستخدم الكلمة للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والواقع أن العودة إلى صهيون فكرة محورية في النسق الديني اليهودي، إذ أن أتباع هذه العقيدة يؤمنون بأن الماشيح المُخَلِّص سيأتي في آخر الأيام ليقود شعبه إلى صهيون (الأرض – العاصمة) ويحكم العالم فيسود العدل والرخاء"[1].
انطلقت البداية الحقيقية للصهيونية الدينية[2] في العصر الحديث من أفكار الحاخام يهودا القلعي ( Alkalai) (1878-1798م ). فقد دعا إلى الخلاص بالعودة إلى التلمود وأساطير ( الكبالاه ) والعودة إلى فلسطين تحت قيادة زعامة بشرية ) دون أي انتظار للماشيح المخلص)، وإقامة المستعمرات على أساس تعمير الأرض الخراب وإحياء اللغة العبرية.
الحاخام كاليشر ( Kalicher) ( 1874-1795م) والذي رأى في الاستيطان أهم وصايا التوراة.
الحاخام موهيليفر ( elever ) ( 1824 - 1898م ) بالتعاون مع العلمانيين لدمج الأرثودكسية الدينية بالقومية اليهودية الحديثة من وحي الكبالاه والتلمود، وقام بتأسيس مستوطنة رحوفوت (Rohovot) جنوب تل أبيب، ويشهد له مساهمته في إقناع روتشيلد ( Rothschild ) بتمويل الاستيطان في فلسطين.
الحاخام مائير بار إيلان ( Mair Bar llan ) والذي سميت باسمه جامعة بار إيلان الدينية في بئر السبع، أحد مؤسسي حركة همزراحي، من أهم منظري الصهيونية الدينية، فقد أسهمت آراؤه في بزوغ منظمة "المزراحي" على يد الحاخام يتسحاق راينس (Yitzchak Reines)[3].
ينقسم اليهود من حيث علاقتهم بالدين (في الوقت الحالي ) إلى ثلاثة أقسام:
العلمانيون: 25-30%
التقليديون: 50-55%
المتدينون: 18 - 20%، وينقسمون إلى قسمين[4]:
- الحريديم يمتاز هؤلاء بارتداء القبعات والملابس السوداء، ويتوزع تأييدهم السياسي على حزبين رئيسيين هما يهدوت هاتوراه (يهودية التوراة) كحزب حريدي اشكنازي يمثل القادمين من أوروبا الشرقية وحزب شاس (حراس التوراة ) وهو حزب حريدي شرقي يمثل الذين قدموا إلى فلسطين من الدول العربية.
- المتدينون القوميون: ذوو القبعات المنسوجة، ينتظمهم بشكل أساسي حزب ( المفدال) سابقاً، وهو الحزب الأنشط في مجال الاستيطان، وما انبثق عن هذا الحزب من حركات وتجمعات وأحزاب راديكالية.
بعد عام 1967م، بدأ الاتجاه الإثني الديني يتغلب على الاتجاه الإثني العلماني حتى بدأ كثير من أعضاء النخبة الحاكمة في إسرائيل يدعون التدين ويستخدمون مصطلحاً إثنياً دينياً، لكنه مفرهاً تماماً من أي مضمون خلفي أو ديني، تماماً كما عكست ظاهرة مائير كهانا وموشيه ليفنغر" تلك الصورة.
حمل هذا الفهم بداية حزبي المزراحى وهبوعيل مزراحي (مطلع القرن العشرين)، ثم المفدال فغوش ايمونيم (منتصف سبعينيات القرن الماضي ( فأحزاب وحركات متطرفة لا زالت تتسلسل إلى وقتنا الحاضر، يبرز منها حاضراً حزب البيت اليهودي"، ومجموعات شبابية متطرفة جداً، وحركات جبل الهيكل ونحوها[5].
يسجل للتيار الديني الصهيوني القومي نجاحه في الدمج بين ( توراة وشعب وأرض إسرائيل )، غير أن الأولوية دائماً لأرض إسرائيل، وهذا يعني التضحية أحياناً بالتوراة والإنسان من أجل الحفاظ على الأرض. هذا النجاح كان في إيجاد إسرائيل ذاتها على أرض الواقع، ثم تبنى هذا التيار إصدار مجموعة من القوانين التي دعمت تعاليم التوراة، كما شارك في معظم حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ نشأته إن هذا التيار يتفاعل بصورة نشطة مع المؤسسات الكيانية في إسرائيل، وعدم الاستعداد بالمطلق للتنازل عن أي جزء من الأراضي المحتلة[6].
وفي معظم الأحوال، فإن هذه الصهيونية الدينية لم تتبلور أبداً – بالمعنى السياسي- حوالي 1800 عام منذ خروج اليهود على يد "هادريان" عام 136 حتى بداية القرن العشرين عموماً وهزيمة حزيران 1967 خصوصاً، حيث بدأت "الصحوة" الدينية التوراتية الصهيونية بصورة واضحة على أثر هزيمة العرب في حزيران 1967.
وفي هذا الجانب، أشير إلى أن نابليون كان أول من قام بغزو غربي للشرق العربي والإسلامي في العصر الحديث، وكان من المعادين لليهود، ومن أهم دعاة العلمانية، لكنه كان صاحب أول مشروع صهيوني عندما دعا الصهاينة إلى الاستيطان في ما أسماه "بلاد أجدادهم".
كذلك أصبح مفهوم الصهيونية مفهوماً سياسياً وأساسياً في الخطاب السياسي الأوروبي منذ عام 1841 عندما نجحت أوروبا في بلورة مشروعها الاستعماري، بعد أن هزمت مشروع محمد علي بالنسبة لتحديث وتطوير مصر وتوسعها آنذاك.
لكن تبلور المشروع الصهيوني بشكل واضح، تم في الفترة بين منتصف القرن التاسع عشر حتى عام 1880 على يد مفكرين أوروبيين صهاينة، من أهمهم اللورد شافتسبري ولورانس أوليفانت، حيث لخص شافتسبري مفهوم الصهيونية في عبارة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
أما أول تاريخ رسمي للصهيونية، فقد كتبه "ناحوم سوكولوف" بتكليف من المنظمة الصهيونية، ثم قام المفكر اليهودي النمساوي " نيثان بيرنباوم" بشرح معنى المشروع الصهيوني عام 1891، في مجلة "الانعتاق الذاتي"، ودعا إلى حركة قومية صهيونية علمانية، ثم شارك في المؤتمر الصهيوني الأول 1897.
بعد المؤتمر الصهيوني الأول (1897) في بازل /سويسرا، تجدد مصطلح الصهيونية وأصبح يشير إلى الدعوة التي تبشر بها المنظمة الصهيونية، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج مؤتمر بازل.
وفي عام 1902، تحول تيار الصهيونية الدينية إلى حزب سياسي باسم (همزراحي)، واتخذ الحزب شعارا له: (ارض "إسرائيل" لشعب "إسرائيل" بموجب شريعة اسرائيل)، وايضاً شعار (التوراة والعمل)، اي الايمان والعمل، ومن بين الآراء الاخرى التي نادوا بها: "ان اليهود أُمّة مميزة عن بقية الأُمم وذلك يعود الى ان الله بنفسه اوجدها، فهي – "الأمة اليهودية" - تخص الله، وان اتحاد الكيان اليهودي الحقيقي يكون فقط بتوجيه الفكر اليهودي نحو التوراة وفلسطين باعتبارهما ركنين مهمين للغاية في تاريخ وحياة "الأُمة اليهودية"[7].
تبلور وصعود الصهيونية الدينية:
جاء "التحول الفكري الأساس في الصهيونية الدينية مع صعود قوة الحاخام أبراهام يتسحاق كوك (1865-1935) الذي كان الحاخام الأشكنازي الأول في فترة الانتداب، وهو الذي أسس المدرسة الدينية المعروفة بأُم المدارس الدينية الصهيونية باسم "يشيفات هراف" في القدس في 1924، وهو يعتبر حجر الأساس للتيار الصهيوني الديني.
أعطى الحاخام كوك المشروع الصهيوني طابعاً خلاصياً دينياً، واعتبر أن الصهيونية حتى في صيغتها العلمانية هي تعبير وجزء من الخطة الربانية لتحقيق الخلاص المسياني، ورأى في الصهيونية رغم علمانيتها بداية الخلاص، واعتبر أن الدولة هي حالة تسام ربانية تتحقق من خلالها الإرادة الإلهية على الأرض، وأضاف أنه في هذه الدولة لا مكان للعلمانية، ذلك أن إقامة العلاقة بين العالم الإلهي والدهري هو أساس وجودها.
واستمر في تطوير وتوسيع البعد الديني الخلاصي الابن إسحاق كوك (1891-1989) الذي تحول إلى الاب الروحي والقائد الملهم للصهيونية الاستيطانية"[8].
قبل كوك الأب والابن، "كانت مشاريع الهيكل وأرض إسرائيل بمثابة أفكار مؤجلة، إما بحكم فصل الخلاص الديني عن العلماني أو بحكم الجغرافيا، لكن التغير الاستراتيجي في الخارطة الجيو- سياسية في أعقاب 1967 والتحولات الاجتماعية الفكرية في تيار الصهيونية الدينية، الذي أدى إلى بروز جيل جديد يتبني تنظيرات الراف كوك بدل راينس، زعزع هيمنة الصهيونية المؤسسة بزعامة حزب مباي (بن جوريون)، وشكل منعطفاً حاسماً ولحظة تحول هامة في تطور المشروع الصهيوني، وإعادة تديين قيمه القومية المعلمنة حول الخلاص وقداسة أرض إسرائيل، والدفع باتجاه تحويل ما كان هوامش الصهيونية من صهيونية دينية كوكية (نسبة للراب كوك) ويمينية تصحيحية قومية (حيروت/الليكود لاحقا) إلى مركز الحقل السياسي.
أدى احتلال الأرض الفلسطينية عام 1967 إلى ولادة صيرورتين مركزيتين: الأولى صعود القومية اليمينية والثانية إطلاق الشحنة المسيانية الدينية الصهيونية، وانتقلت الصهيونية الدينية نحو إعادة تأصيل الأساطير المعلمنة على أسسها الدينية. وتزامن هذا التحول مع تآكل هيمنة التيار المؤسس الصهيوني حزب مباي، على خلفية التحولات الديمغرافية العميقة وظهور نخب وتحالفات جديدة.
فقد خرجت من رحم المدرسة الصهيونية الدينية التي أسسها الحاخام كوك الأب، مجموعة صهيونية دينية باسم: طلائع حركة الاستيطان "غوش إيمونيم" التي تمردت على القيادة التقليدية للمفدال. خرجت هذه المجموعة وهي مسلحة بكل القيم الصهيونية الدينية المعلمنة عن "الطلائعية" و"الاستيطان" و"خلاص الأرض" و"اليهودي الجديد" لتعيد استكمال المشروع الخلاصي ليس كمشروع سياسي معلمن بل كمشروع سياسي ديني ذي طابع مقدس، وقلبت بذلك الأدوار التي وضعتها الصهيونية الأم من مشروع سياسي يخضع الثيولوجي لتصوراته إلى مشروع ثيولوجي يخضع السياسي لصهيونيته"[9].
" جدلت غوش إيمونيم، التي انطلقت غداة حرب أكتوبر 1973، مشروع الاستيطان بمفردات دينية توراتية وجاء في ندائها "أرض إسرائيل تناديكم" الذي نشرته بالصحف مقطع من سفر التثنية "ويكون أنك تأتي إلى الأرض التي أعطاك إياها الرب إلهك نصيبا، وترثها وتسكن فيها"، وأطلقت على مشروعها تسمية توراتية – هتنحلوت- نحلا/ ورثة، وذلك خلافا لمفردة هتيشفوت- التي استخدمت ما قبل 1948 لوصف المستعمرات اليهودية، وهكذا استعاد المستوطنون المفهوم الديني للخلاص من الصهيونية العلمانية التي وظفته وأعادوه إلى أصله الأول على سكة الخلاص الرباني الذين هم أدوات تحققه، هنا كانت بداية التشكل الحقيقي للصهيونية الدينية، ودورها في دخول اليهود إلى الأقصى، ومحاولات تفجير قبة الصخرة كما جرى عام 1948 من قبل مجموعة إرهابية سرية من المستوطنين المتدينين.
في أعقاب ذلك تحول موضوع الخوف والتحريم بالنسبة لدخول المسجد الأقصى إلى موضوع يحظى بدعم متصاعد من قبل المتدينين الصهاينة. وفي استطلاع أجري في 2014 بين جمهور المتدينين الصهيوني أجاب 75.4% أنهم يدعمون دخول اليهود إلى باحات الحرم وفقط 24% أعلنوا معارضتهم وأجاب 19.6% أنهم قد دخلوا الحرم وأشار 35.7% إلى أنهم لم يقوموا بذلك لكنهم ينوون ذلك"[10].
[1] د. عبد الوهاب المسيري – الموسوعة اليهودية – الجزء السادس – الطبعة الأولى – القاهرة – 1998.
[3] المصدر السابق – محمد فراج عيسى - ص 9
[4] المصدر السابق – محمد فراج عيسى - ص 12
[5] المصدر السابق – محمد فراج عيسى - ص 14
[6] المصدر السابق – محمد فراج عيسى - ص 21
[7] موقع ستراتيجيكس – مقال بعنوان: الصهيونية الدينية.. أين يتجه المشهد في إسرائيل؟ - 25/11/2022.
[8] هنيدة غانم – صعود أقصى اليمين الإسرائيلي – مدار – 10/11/2022.
[9] المصدر السابق.- هنيدة غانم .
[10] المصدر السابق.- هنيدة غانم .