Menu

التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وأثره على القضية الفلسطينية (الجزء الثاني عشر)

غازي الصوراني

غازي الصوراني

(قراؤنا الأعزاء بدأنا من يوم السبت 11/2/2023، نشر وعلى أجزاء متلاحقة، آخر إصدار/كتاب؛ للمفكر والباحث العربي الفلسطيني غازي الصوراني، الموسوم بعنوان: التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وأثره على القضية الفلسطينية. هذا الكتاب الهام والصادر في يناير من العام الحالي بعدد 228 صفحة، بحجم ورق من القطع المتوسط؛ نضعه بين أيدي قرائنا آملين أن تتم الاستفادة المرجوة منه في موضوعه المحدد وعلاقته المباشرة؛ بشعار/دعوة/مبادرة/ضرورة: "اعرف عدوك" وضرورة مواجهة تجسيداته العملية إلى جانب ما يسمى: راويته التاريخية..

نوجه شكرنا الكبير وتحياتنا العالية إلى الباحث والمفكر القدير غازي الصوراني، على جهده الفكري والمعرفي المتواصل، وعلى خصه بوابة الهدف بنشر كتابه على أجزاء عبر موقعها الإلكتروني).

 

صهينة الدين وتنامي النزعة اليمينية

ملحق رقم ( 5 )

في معرض توضيح العلاقة بين صهينة الدين وتديين الصهيونية، تحدثت العديد من المصادر عن الأحزاب الحريدية، حيث يبلغ عدد المتدينين الحريديين في "إسرائيل" 1175000 نسمة، وهم يمثّلون نحو 12.6 في المئة من سكّان إسرائيل. ونسبة التكاثر الطبيعي بينهم تصل إلى 4.2 في المئة في السنة، مقابل 1.9 في المئة، معدّل التكاثر الطبيعي العامّ في إسرائيل، ووفقاً للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية (IDI) فإن نسبة الصهيونية الدينية المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي ستنمو إلى 16% عام 2030 وستستمر بتسارع فيما بعد.

 وتاريخيًا، كان الحريديون غير مهتمين بالسياسة، بل كان تركيزهم ينصبّ داخل الكنيست في الضغط للحصول على حصة وازنة من موازنة الدولة وانتزاع تشريعات مرتبطة بحياتهم الدينية.

إلا أنّ تحولًا مهمًّا طرأ على حياة الجيل الثاني والثالث من أتباع الأحزاب الحريدية ممّن عاشوا في "إسرائيل" ونشأوا وسط حياة صهيونية، إذ إنهم تصهينوا بعد أن كانوا معادين للصهيونية، وأصبحوا جزءًا من الحياة الإسرائيلية وجزءًا من العنصرية الإسرائيلية، بعد أن كان اهتمامهم محصورًا في الدين، ولكن يبدو أنه في مناخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والتجاذبات السياسية، تصهين خطابهم وأصبحوا صهيونيين، وصار قسم منهم ينتمي إلى الصهيونية المتطرفة، وجزء منهم انضم إلى المستوطنات، ويقوم بدور عنصري عدواني تجاه قضية القدس .

شبح الثيوقراطية يخيّم على "دولة" العدو الإسرائيلي[1]:

الأحزاب الدينية بلغت مستوى النفوذ الذي بلغته حالياً بحصولها في الانتخابات الأخيرة، التي جرت في مطلع ديسمبر 2022 ، على نحو ثلث أصوات المقترعين، وعلى 32 مقعداً من مقاعد الكنيست، الأمر الذي يعني أن شبح الثيوقراطية يطارد العلمانيين" في دولة العدو، بحسب الصحافي الفرنسي في مجلة "ماريان" الأسبوعية جوليان لاكوري، الذي أشار إلى أن بنيامين نتنياهو "يستعد لتشكيل الحكومة الأكثر تديناً وتطرفاً في تاريخ البلاد"، ذلك إن أغلبيته ستعتمد على دعم حزبَي الصهيونية الدينية بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهما "ثنائي من المستوطنين من دعاة التفوق اليهودي"، وعلى دعم حزبين أرثوذكسيين متشددين آخرين، هما شاس ويهودات هاتوراه، اللذين "يؤيدان سيطرة أقوى للدين على الدولة".

إسرائيل ليست دولة علمانية:

إن مخاطر تحوّل "إسرائيل" إلى دولة ثيوقراطية، وتزايد تدخل رجال الدين في الفضاء السياسي بصورة عامة، وفي الدولة ومؤسساتها بصورة خاصة، كما يقول د. ماهر الشريف هي مخاطر جدية لأن العلمانية في "إسرائيل" "ليست مبدأً دستورياً راسخاً"، بل لا يمكن وصف "إسرائيل" بأنها دولة علمانية.

فالكاتب اليساري ميشيل فارشافسكي يرى أنه لا توجد في اللغة العبرية كلمة تترجم مفهوم العلمانية، بمعنى الفصل بين المجال الديني والمجال الدنيوي، وبالعودة إلى تجربتَي حزبَي "شينوي" و"ميرتس"، يقدّر فارشافسكي أنهما حزبان أرادا الحد من تدخل رجال الدين في المجال السياسي وتحقيق المزيد من الليبرالية، بينما يمكن "اعتبار العلمانيين الحقيقيين الوحيدين في "إسرائيل" هم المهاجرون الروس الجدد.

أما أستاذ العلوم السياسية دنيس شاربيت، فهو يعتبر أن "إسرائيل" لا يمكن أن تكون دولة علمانية في ظل إشارة "إعلان الاستقلال" لسنة 1948 إلى الكتاب المقدس وأنبياء إسرائيل، وسيطرة الحاخامات وقضاة المحاكم الحاخامية على الأحوال الشخصية، وتخصيص أجزاء من ميزانية الدولة لتمويل المؤسسات ذات الطابع الديني، وخصوصاً المدارس الدينية، وتدخل الأحزاب الدينية في إقرار القوانين داخل الكنيست، بحيث يمكن الاستخلاص بأنه ليس هناك فصل بين الدين والدولة في إسرائيل، بل تعاون بينهما.

وكان الكنيست قد أقرّ في تموز/يوليو 2018، كما يتابع التقرير، قانون أساس "الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي بموجبه يكون لليهود وحدهم "الحق في تقرير المصير" داخل أراضي الدولة، بينما يعرّض "العرب في "إسرائيل" للتهميش أو الحرمان".

ويلحظ يائير شليج، المحلل في معهد الديمقراطية ومقره القدس، أن القانون المذكور "لا يذكر في أي مكان أن "إسرائيل" دولة ديمقراطية"، ولا ترد فيه أي إشارة إلى "المساواة بين المواطنين"، بل ينوّه برموز الدولة اليهودية، أي "النشيد الوطني، والعلم، والشمعدان ذي الفروع السبعة، وكذلك التقويم العبري والأعياد اليهودية"، ويعتبر اللغة العبرية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة بينما هبطت مرتبة اللغة العربية، التي "كانت لها هذه المكانة في السابق، إلى مرتبة "لغة خاصة"، وهو يشجع على بناء المستوطنات وتطويرها في الضفة الغربية باعتبارها "قيمة وطنية".

حضور الدين والصهيونية الدينية المتعاظم في المدارس، والجيش، والإعلام[2]:

يزداد حضور الدين في المدارس الإسرائيلية، إذ صرّح الحاخام رافي بيرتس، الذي عيّنه بنيامين نتنياهو وزيراً للتعليم في حكومته في ربيع سنة 2019، في إحدى المناسبات أنه "في زمن الكتاب المقدس كانت هناك مدارس نبوة بدلاً من الجامعات"، مؤكداً عزمه على إعطاء الأولوية لتدريس التوراة في المدارس.

ومن ناحية أخرى، تأخذ الصهيونية الدينية مكانة متعاظمة في المجتمع، نجمت، في المقام الأول، عن نتاج عمل تعليمي مكثف، ففضلاً عن حضوره في شبكة المدارس العامة، يتمتع هذا التيار بحضور قوي في جامعة بار إيلان، بالقرب من مدينة تل أبيب، وأنشأ شبكة كاملة من المدارس الدينية، بعضها يجمع بين الدراسات التلمودية والخدمة الدينية.

كما يزداد حضور هذا التيار في الجيش، إذ بات من الطبيعي رؤية الكثير من قبعات الكيبا المحبوكة فوق رؤوس ضباط وجنود الجيش والشرطة وجميع الأجهزة الأمنية، وبدأ، منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، اندماج الصهيونيين المتدينين في وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي، بحيث صاروا يشكّلون اليوم أكثر من ثلث الضباط ونحو نصف الطلاب في دورات الضباط، كما تزايد حضور الدين في وسائل الإعلام، بعد أن كان مهمشاً فيها لفترة طويلة.

رغم كل ما تقدم، فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدعي أن العدو الإسرائيلي هي "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"؛ فهل يمكن أن تكون الدولة ديمقراطية من دون أن تكون علمانية، علماً أن العلمانية هي الوجه الآخر للحداثة؟

يجيب على هذا السؤال المؤرخ المناهض للصهيونية إيلان بابيه، حيث تقول: "على مدى الستين عاماً الماضية، لم يدخر الحقوقيون والأكاديميون ومسؤولو الدولة الإسرائيليون، وجميعهم من العلمانيين، الحركات البهلوانية اللفظية لتبرير التسمية المتناقضة في حد ذاتها لدولة "يهودية وديمقراطية".

واليوم، فإن القشرة الديمقراطية الرقيقة المستخدمة لإخفاء الطابع الديني بصورة أساسية لدولتنا آخذة في التصدع، وبينما ينتاب ما يسمى بالعالم المتحضر الفزع بصورة منتظمة من تصاعد نزعات التعصب الديني وجوانبه العدوانية، فإنه قد غض الطرف لسنوات عديدة عن التعصب الديني الذي يميّز دولة إسرائيل، "رأس حربة الحضارة الغربية"، كما يحب أن يقول عشاق إسرائيل".

ومن ناحية أخرى، هل يمكن الحديث عن دولة "ديمقراطية" في "إسرائيل" في ظل استمرار احتلالها للأرض الفلسطينية واضطهادها للشعب الفلسطيني؟

في الرد عن هذا السؤال، يكتب حجاي إلعاد، المدير العام لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية، ما يلي: "إن الاحتلال، إذ يدمر المجتمع الفلسطيني في إبادة اجتماعية بطيئة، فهو لا يترك المجتمع الإسرائيلي سالماً... فمن المستحيل الادعاء، في سيناريو واقعي، أن اضطهاد شعب آخر لن يكون له عواقب على مجتمع الشعب المضطهِد [بكسر الهاء] نفسه، وعلى هوية مجتمع الاحتلال. إن هذا مستحيل، ذلك إن السياق المعياري الذي تحتل فيه "إسرائيل" الفلسطينيين يتعارض بصورة مباشرة مع حقوق الإنسان ومع أي معيار ديمقراطي تدّعي "إسرائيل" التمسك به. إن تطبيق القواعد نفسها والقوانين نفسها على الجميع هو، في الواقع، أساس أي مجتمع حديث[3].

 

[1] ماهر الشريف – مخاطر تحول"إسرائيل"الى دولة ثيوقراطية – الحوار المتمدن – 30/11/2022

[2] المصدر السابق د. ماهر الشريف

[3] د. ماهر الشريف – مخاطر تحول"إسرائيل"إلى دولة ثيوقراطية – الحوار المتمدن – 30/11/2022.