تعريف: "الاتّحاد العام للمرأة الفلسطينيّة منظّمةٌ فلسطينيّةٌ غيرُ حكوميّةٍ تأسّس عام 1965 منظّمةً تنضوي تحت مظلّة منظّمة التحرير الفلسطينيّة، ويعدُّ إطارًا لمنظّمات المرأة غير الحكوميّة في فلسطين، ويسعى لتعزيز مكانة المرأة الفلسطينيّة ورعاية المنظّمات النسائيّة غير الحكوميّة في فلسطين، مقرّاته في غزّة ورام الله، وله فروعٌ في العديد من الدول العربيّة". انتهى الاقتباس.
عقد الاتّحادُ مؤخّرًا المؤتمر التأسيسي له في السويد "مؤتمر شيرين أبو عاقلة" ويطمحُ لتوسيع وجوده في مختلف مناطق اللجوء والشتات، خاصّةً بعد التغريبة المستمرّة للشعب الفلسطيني، وتوسّع رقعة لجوئه وشتاته.
مرَّ الاتّحاد بالعديد من المحطّات كما هو حال "م. ت. ف" ومؤسّساتها، حيث نشط حينًا وتعثّر أحيانًا، خاصّةً بالفترة المفصليّة المتّصلة بانتقال مركز ثقل العمل الوطني إلى الوطن بعد اتفاقيّات أوسلو1993، وانبثاق السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، ثمَّ الانقسام الكارثي بينهما، ومن ثَمَّ التأثير على الهيئات والمؤسّسات الفلسطينيّة كافةً، التي مازالت انعكاساتها وتجلّياتها حتّى اليوم.
لمزيدٍ من الإضاءة على مشهد الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وواقعه؛ توجّهنا لعددٍ من الأخوات والناشطات في صفوف النساء للإجابة على بعض التساؤلات المشروعة في الشارع الفلسطيني.
الاتّحاد من موقعٍ وطنيٍّ واجتماعيٍّ مرموقٍ إلى ضحيّةٍ لأوسلو والانقسام:
قالت الدكتورة مريم أبو دقة القياديّة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين : إنّ نشأة الاتحاد العام للمرأة ارتبط بنشوء منظمة التحرير الفلسطينية، وكان أحد الأركان لها، إلى جانب اتّحاد العمال واتّحاد الطلبة، ويعدُّ قاعدةً من قواعد منظمة التحرير الملتزمة بميثاقها، وينضوي فيه ممثّلات الأطر النسوية التابعة لمنظمة التحرير، ويعبّر ويمثل النساء الفلسطينيات في الداخل والخارج، وأينما وجدت المرأة الفلسطينية، وكان للاتحاد دورٌ وطنيٌّ مهمٌّ سياسيٌّ واجتماعيٌّ وإعلاميٌّ واحتلَّ موقعًا مرموقًا بين الاتّحادات النسوية العربيّة والعالميّة، وتختلف إنجازات الاتّحاد بعد اتفاق أوسلو وحدوث الخلافات والانقسامات السياسية على أثر هذا الاتفاق الكارثي، ونشوء السلطة أيضًا وبروز الحركات الإسلاميّة والانقسام بين الضفة وغزة، الذي عكس نفسه على الاتّحاد.
الداخل والخارج: التعارض أم التكامل؟!
من جهتها عدَّت الأخت ريما كتانة نزال عضو الأمانة العامة للاتحاد: أن عودة قيادة الاتحاد العام للمرأة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ممثلًا بأمانته العامة إجمالًا وأكثرية عضوات المجلس الإداري، بعد توقيع اتفاق أوسلو مكّن عددًا محدودًا من الفلسطينيين والفلسطينيّات من العودة وفقَ اتفاق أوسلو الموقّع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وعليه، كان من الطبيعي العمل على تجديد البرنامج السياسي والاجتماعي وتطويرهما للاتحاد وكذلك نظامه الداخلي؛ لأن البرنامج المعمول بهما يناسب السياق الذي يعيشه شعبنا في الخارج مستوعبًا واقع الوجود الفلسطيني في مخيّمات اللجوء والشتات، بينما كانت الصيغة التي كان يُعمل بها في الداخل سرّية؛ بسبب اعتبار الاحتلال وتصنيفه ضمن المنظمات المحظورة؛ بسبب تبعيته لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما أعاق العمل على تظهير طبيعته الشعبية، والتوجه إلى تنسيب النساء كما كان يجري في الخارج. لذلك اتخذ العمل في الوطن طابع التنسيق بين مندوبات الأطر النسوية والمستقلات من خلال هيئةٍ تمَّ تسميتها بفرع الداخل، ترتبط بها هيئةٌ في الشمال تتابع التنسيق في محافظات الشمال، وأخرى في الجنوب لمتابعة محافظات الجنوب، واتّصفت مهامّها بالطبيعة السياسيّة، وبوجهٍ خاصٍّ إصدار بيانات ومواقف... بينما تمثّلت مندوبات الداخل في المؤتمر العام للاتّحاد من خلال أخواتٍ فلسطينيّاتٍ ومبعداتٍ يعشن في الأردن بواقع 15 عضوة. لذلك ما بين عام 1994 و2009 انخرطت الأمانة العامة في الجهد التنظيمي ومواءمة الوثائق "فتح باب التنسيب الفردي"، وصولًا إلى عقد المؤتمر الخامس في أيار 2009، الذي جاء تتويجًا لعقد مؤتمرات الفروع بعد عملية تنسيبٍ واسعةٍ تمَّ انتخاب 16 فرعًا منها 5 في قطاع غزّة و11 في الضفة، فلم يعد الداخل فرعًا، بل هو الوطن وانقلبت الآيّة ليتحوّل الوطن إلى مركز ثقل العمل التنظيميّ للاتّحاد... بعد نقل مركز الثقل إلى داخل الوطن.
ما سبق كان خطوةً نحو تطوير وثائق الاتحاد وأدبيّاته وفق سياقٍ جديد، خطوة بعد اختبارها على الأرض ظهرت نواقصها وثغراتها، بسبب نسخ سياق الخارج على سياق وخصوصية تجربة الداخل مع إجراء تعديلات وتطويرات تنظيمية وبرنامجية، لكنها كانت قاصرة على الارتقاء لطبيعة الاحتياجات والمتطلّبات التي يجب تلبيتها بما يحفظ للاتحاد صفته التمثيلية كما كان في الخارج وتشكيله مظلّةً فعليّةً للمكوّنات النسائيّة العديدة في الوطن، التي ملأت الفراغ أثناء العمل السرّي وعملت على دعم صمود المجتمع وتماسكه وتعزيز الوعي، كما أسجّل على التجربة نقص الهيئات الوسيطة التي يمكنها التفاعل مع القاعدة العريضة المنسّبة بما يخدم فعالياتها وحيويتها واستقرارها، فلم يكن بإمكان هيئات الفروع القيام بمهمة التشغيل والتواصل دون هيئات أخرى أقرب للقاعدة في القرى الكثيرة المتباعدة والمخيمات دون تشكيل مناطق ومحليات.
الاتّحاد والسلطة الفلسطينية: أية علاقة؟!
وعن التغيرات التي جرت في الحالة الفلسطينية، وفي سياق ردها عن العلاقة القائمة بين السلطة والاتحاد، أوضحت "نزال" أن: التغيير الذي جرى على هوية الاتحاد بخصوص علاقته بالسلطة الفلسطينية وتبعيته لرؤيتها الاجتماعية وصمته على تردد الحكومة في الإيفاء بالتزاماتها تجاه قطاع المرأة الذي يعادل نصف المجتمع، وأخذ مصالحه ومطالبه على محمل الجدّ وإقرار القوانين اللازمة على قاعدة المساواة، وفقًا لإعلان الاستقلال، والقانون الأساسي. عوضًا عن الدور المدافع عن حرية العمل السياسي والتجمّع والتظاهر، فقد صمت الاتحاد على اعتداء الأجهزة الأمنيّة على المتظاهرات من ناشطاتٍ وصحفيّاتٍ بالضرب والملاحقة ومصادرة هواتفهنّ واحتجاز عددٍ منهن إثر التحركات التي وقعت لرفض واستنكار قتل الناشط نزار بنات وللدفاع عن حرية التعبير وضد ضغط الحريات العامة ورفض تأجيل الانتخابات العامة، هذه الحوادث شكّلت محطة باعدت ما بين الاتحاد والمكونات النسوية من أطر نسوية معارضة ومؤسسات المجتمع المدني النسوية لتشكّل أزمة ثقة.
أكملت "نزال" بأنه: لا بدَّ من ملاحظة اختلاف ساحة الوطن عن باقي ساحات العمل الوطني على صعيد وجود عدد واسع من المكونات النسوية إلى جانب الأطر النسوية التابعة للأحزاب التي تأسست عام 1978 التي تشكّلت للقيام بمهام تخصصية قانونية وتربوية وصحية واقتصادية تكرس دورها من خلال قيامها بحماية المرأة والمجتمع ودعم صموده التي كان من الطبيعي اندماجها في بنية الاتحاد ليصبح المظلّة للحركة النسائيّة فعليًّا بعيدًا عن السيطرة والاحتواء.
العلاقة بين الهيئات القياديّة والوسيطة والقاعدة النسويّة: أين وصلنا؟!
لقد تعدّدت أشكال الأزمة التي عصفت الاتحاد، وبرزت أول ما برزت على مستوى العلاقات الداخلية فيه، وأرجعت "ريما نزال"، ذلك لعددٍ من الأسباب، أبرزها:
- ضعف قيادة الاتحاد: أسهم غياب دورية عقد المؤتمرات وتجديد قيادات الاتحاد إلى شيءٍ من التكلّس وعدم القدرة على العطاء في ظل نظام كوتا الفصائل المعتمد في تشكيل هيئات الاتحاد.
- ضعف القاعدة: بسبب تقاليد تشكيل الهيئات بالاستناد إلى عدد التنسيبات التي يقوم بها كل إطار ومن ثم الغياب عن القاعدة المنسّبة وعدم تشغيلها بمهام من جانب، وعدم استيعاب القاعدة لبرنامج الاتحاد ومحاكاته هموم المنسّبات المعيشية، لم تشكّل القاعدة مصدر قوة عبر مشاركتها في الشارع حاملة مطالب الاتحاد المختلفة ذات الطابع الديمقراطي كتعزيز المشاركة في مراكز القرار أو إقرار القوانين ذات الصلة بحياة المرأة بما يؤدي إلى الضغط على الحكومة لتلبية المطالب.
وأكدت أن: غياب الانتخابات الداخلية جعل مبنى الاتحاد أقرب إلى الجسم الهلامي من حيث تماسكه واستقراره، علاوة على الاستخدام الموسمي لها، ويعود ذلك لتغييب العملية الديمقراطية "الانتخاب، مؤتمرات علاقة القيادة بالقاعدة، رسم الخطط" إلى الاعتبارات الذاتية، حيث كان من المتوقع أن تشهد الحالة النسوية الحيوية والفعالية والتجديد لو أحسن التعامل معها ضمن خطة لتعزيز وعيها وتشغيلها لتحصيل حقوقها من خلال إشراكها بوضع مهامها واندماجها بالتشكيلات القيادية على المستوى المحلي في المدن والمخيمات والقرى وتطوير دورها.
فيما د. أبو دقة سببًا إضافيًّا، يقف خلف طبيعة العلاقات الداخلية القائمة في الاتحاد، وهي عدم قدرة الكثير من عضوات الاتحاد تجاوز انتماؤهم الحزبي، لحساب الانتماء الوطني الأشمل، وهذا بدوره يضعف الانتماء للاتحاد مكوّنًا للعمل النسوي الجماعي، بعيدًا عن الفئوية الحزبية ما يترتب عليها من مثالب وسلبيات كبيرة.
الاتحاد والشتات: بين غياب الشرط التنظيمي وتعقيدات الواقع القائم:
قالت "نزال، إن الاتحاد يولي اهتمامه إلى توسيع وجوده في بلدان الشتات، خاصة بعد الهجرة القسرية للفلسطينيين عمومًا ما بعد انفجار الصراع الداخلي المسلّح في بعض الدول العربية التي تستضيف اللاجئين، أو تأثرها بالصراع، وبسبب الاضطهاد الممارس ضد المهاجرين الفلسطينيين في ساحات أخرى "سوريا، العراق، ليبيا ، لبنان، مصر"، والتعقيدات والتهديدات المحيطة جراء غياب الأمن والأمان والعيش الكريم في ساحاتٍ أخرى. إنّ التوجّه نحو تشكيل لجان أو فروع تابعة للاتحاد في الساحات الجديدة وارد، لكنّه يحتاجُ إلى توفير المعلومات حول أماكن الوجود الفلسطيني والأماكن التي تشهد التركّز السكاني.. هذه المعلومات ما زالت غير متوفرة؛ بسبب الحراك الدائم الذي تشهده الهجرة وعدم استقرارها بعد.
ورأت، أن تشكيل فروع الاتحاد في الخارج لن يشهد التسارع وسيتوقف على موقف السفارات الفلسطينية من التشكيل في المواقع المختلفة وتأييدها القائم على طبيعة الانتماء الحزبي للجالية. فيما أوضحت، أن التنسيق مع جميع الفروع الخارجية القديمة والجديدة منتظم عبر التقارير أو عبر زيارات تقوم بها عضوات من الأمانة العامة.
من جهتها اقترحت د. مريم أبو دقة، لتطوير عمل الاتحاد في صفوف النساء.. ضرورة التجديد في تركيبته لجهة تنسيب وحضور "صبايا، أكاديميات، عاملات... الخ"، قادرات على النهوض بواقع الاتحاد، بحيث ينعكس ذلك على تركيبة الاتحاد وهيئته القيادية. فالتجديد في الاتحاد للأسف لا يتم، وإن حدث يكون من قبل كل فصيل على حدا، والحصة الأكبر للفصيل المُسيطر، وليس بفضل آليات وانتخابات ديمقراطية، حيث ما هو متبع حصة كل فصيل.. فالانتخابات ليست دورية، وباب التنسيب للاتحاد يحدّد بوقتٍ وليس متاحًا بشكلٍ دائم.