Menu

يوم القدس العالمي… بين معادلة قوى المقاومة وتآكل قوة الردع الصهيونية

حسن حردان

يحلّ يوم القدس العالمي، الذي حدّده قائد الثورة الإسلامية الإيرانية المنتصرة، الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني، في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، يحلّ وسط تطورات وتحولات هامة تُكسب إحياء هذا اليوم أهمية كبيرة، إلى جانب ما يجسّده من التزام إيران الثورة بالوقوف إلى جانب نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني لأجل تحرير فلسطين ومقدساتها من رجس المحتلين الصهاينة وعودة أبنائها اليها.. والتأكيد على انّ هذه المهمة هي أيضاً واجب كلّ الأحرار في العالم باعتبار قضية فلسطين قضية عربية وإسلامية وأممية وإنسانية، وإنْ اختار يوماً للقدس من كلّ عام إنما هو لتذكير وتعبئة الأجيال بأنّ هناك أرضاً محتلة، وأنّ القدس المقدّسة مغتصبة وتتعرّض للعدوان المستمرّ من قبل الصهاينة.. وأنّ انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة إنما سببه استمرار احتلال الصهاينة لفلسطين وأنّ تحرير فلسطين هو السبيل لعودة الحق إلى أصحابه وتحقيق الأمن والاستقرار على أرض فلسطين.. وفي المنطقة.

أما بالنسبة للتطورات والتحولات الهامة، فيمكن تلخيصها بالتالي:

أولاً، اشتداد الصراع على أرض فلسطين المحتلة، ففي مقابل تصاعد الهجوم الاستيطاني التهويدي على الأرض والمقدسات، مصحوباً بعمليات القمع والقتل والإرهاب والاعتقال التي ينفذها يومياً جيش الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني، تزداد المقاومة الشعبية والمسلحة تأجّجاً وضراوة، مما يحبط أهداف العدو في إخماد المقاومة وفرض الأمر الواقع الاحتلالي والاستيطاني.. ويتعمّق مأزق الاحتلال وتتفاقم أزمته البنيوية، المترافقة مع اندلاع الصراع بين مكونات الكيان المصطنع على خلفية عزم حكومة بنيامين نتنياهو إقرار تعديلات قضائية، والتي دفعت الخبراء والمحللين ومسؤولين سابقين في الأمن والجيش إلى التحذير من خطر حقيقي ينذر بنشوب حرب أهلية تهدّد وجود الكيان..

وما زاد من حدة هذه الأزمة الانكشاف المتزايد لتآكل قوة الردع الصهيونية، في اختبار المواجهة الأخيرة المصغرة بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية مدعومة من قوى حلف المقاومة، رداً على تمادي العدو ومستوطنيه في عدوانهم على المسجد الأقصى والمصلين بداخله وسعيهم إلى تهويد الأقصى بفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه، حيث أقدمت فصائل المقاومة الفلسطينية على قصف مستعمرات غلاف غزة، والتجرّؤ على قصف مستعمرات شمال فلسطين المحتلة من جنوب لبنان بعشرات الصواريخ لأول مرة منذ عام 2006، فيما أقدم لواء القدس على إطلاق عدة قذائف على الجولان المحتلّ.. وذلك في رسالة واضحة وجّهها حلف المقاومة لكيان الاحتلال تقول، بأنّ القدس والأقصى خط أحمر، لن نسمح بتجاوزه، وإننا مستعدون لفتح الجبهات وللمواجهة الشاملة إذا ما فرضت علينا..

وقد فهم العدو هذه الرسالة، واضطر إلى الإحجام عن التصعيد والردّ بقصف محدود لا يقود إلى مواجهة واسعة.. مما أظهر أنّ يد الكيان أصبحت مغلولة، لا تستطيع أن تقدم على شنّ الحروب متى شاءت، كما كانت تفعل في الماضي، وأنّ معادلة توازن الرعب والردع التي فرضتها قوى المقاومة في الصراع معه، يعود إليها الفضل في لجم العدوانية الصهيونية، وتوفير الحماية للقدس والمقدسات فيها..

ثانياً، دخول المنطقة مرحلة جديدة تصبّ في مصلحة قوى المقاومة والقضية الفلسطينية، وتتجلى هذه المرحلة بما يلي:

1 ـ عودة العلاقات بين إيران والسعودية، بعد اتفاق تمّ برعاية صينية، مما أحدث انفراجاً في المنطقة، ووجّه صفعة قوية لمخططات كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأسقط أحلامه في إقامة حلف عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، وأوقف قطار التطبيع على حساب قضية فلسطين.

2 الاتفاق بين السعودية وحركة أنصار الله على وقف الحرب في اليمن ورفع الحصار، وبدء مفاوضات لتحقيق التسوية في اليمن.. وهو الأمر الذي يضع حداً لاستمرار استنزاف اليمن وقدرات السعودية، ويوفر المناخات لإحلال السلام وإعادة بناء اليمن وتحقيق التنمية والازدهار في المنطقة.. ومن الطبيعي أن يزعج هذا التطور أميركا وكيان الاحتلال الإسرائيلي، اللذين لهما مصلحة في إدامة الحرب.

3 ـ انفتاح الحكومات العربية على سورية، وعودة العلاقات بين سورية والعديد من الدول العربية، وفي مقدّمها مصر والسعودية وتونس، وكان لافتاً أنّ هذا الانفتاح ترافق أيضاً مع زيارات لوزير الخارجية السورية فيصل المقداد لعدد من الدول العربية بينها الرياض والقاهرة والجزائر وتونس.. على أنّ هذا الانفتاح العربي على سورية وعودة العلاقات معها شكل سقوطاً مدوياً للحصار الأميركي المفروض على سورية، وهو أمر تمّ من دون خضوع الدولة السورية لأيّ شروط، وجاء ثمرة صمود سورية.. على أنّ هذا التطور حصل رغماً عن الإرادة الأميركية التي عبّر مدير مخابراتها وليام بيرنز عن انزعاج واشنطن من حصولها، وذلك خلال زيارته الأخيرة للرياض.. مما دلل على تراجع النفوذ الأميركي.

ثالثاً، فشل الولايات المتحدة الأميركية في تعويم هيمنتها الأحادية على العالم، وبدء ظهور مؤشرات قوية على دخول العالم في مرحلة التعدّدية القطبية، وأبرز هذه المؤشرات، تنامي نفوذ الصين، وفشل الرهان الأميركي على عزل وإضعاف روسيا، فيما هيمنة الدولار بدأت تتداعى نتيجة اعتماد العديد الدول، لا سيما دول بريكس، عملاتها الوطنية بديلاً عن الدولار.. إلى جانب اندلاع الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية في الدول الغربية، في مقابل انتعاش اقتصاديات الصين وروسيا والهند وغيرها من دول الشرق مما يعزز القناعة بانتقال مركز الثقل في الاقتصاد العالمي من الغرب الى الشرق.

هذه التطورات الدولية إنما تعكس التحوّلات الحاصلة في موازين القوى العالمية، والتي ستفرض عاجلاً أم آجلاً إعادة صياغة النظام الدولي بما يعكس توازن القوى الجديد، الأمر الذي يعني أنّ نظام الهيمنة الأميركي على القرار الدولي قد ولى، وبالتالي من الطبيعي أن يضعف معه نفوذ الولايات المتحدة.. ولهذا فإنّ أكبر المتضرّرين من ذلك هو كيان الاحتلال «الإسرائيلي» الذي يستمدّ قوته من الدعم الأميركي غير المحدود، عسكرياً ومادياً وسياسياً ودبلوماسياً…

انطلاقاً مما تقدّم، فإنّ هذه التطورات المتزامنة مع حلول يوم القدس العالمي هذا العام إنما تصبّ في مصلحة نضال الشعب الفلسطيني، ومقاومته الباسلة، ويفاقم مأزق كيان الاحتلال وأزمته البنيوية.. لهذا تظهر أهمية تزامن هذه التحولات في المنطقة والعالم مع مناسبة إحياء يوم القدس العالمي، وتتأكد أهمية انتصار إيران الثورة ودورها الريادي في نصرة فلسطين ومساندة مقاومتها ضد الاحتلال…