Menu

بعد كارثة الزلزال: العلاقات السوريّة – العربيّة... هل من جديد؟

عليان عليان

نشر هذا المقال في العدد 48 من مجلة الهدف الإلكترونية

جاءت كارثةُ الزلزال في السادس من فبراير (شباط) الماضي، لتفجّرَ مفاجأةً سياسيّةً كبيرةً في العلاقات السوريّة العربيّة، هي الأكبر منذ عام 2011، عندما تمَّ تجميدُ مقعد سورية في الجامعة العربيّة، ولتفتح آفاقًا جديدةً في هذه العلاقة، بعد أن اندغمت العديد من الأنظمة العربية في التآمر على سورية، إما مجبرةً أو عن سابق ترصّدٍ وإصرار، عقابًا لها على موقفها الداعم للمقاومة والرافض للتطبيع، وعقابًا لها على موقفها التحالفي مع إيران في إطار محور المقاومة.
والمفاجأة هنا لم تقتصر على الجانب الإنساني، ممثّلًا بتسيير معظم الأنظمة العربية قوافل مساعدات إغاثية لسورية لنجدة الشعب السوري، في مواجهة الكارثة التي أودت بحياة ما يزيد عن (5000) آلاف مواطن، وأدت إلى تدمير ممتلكات وأحياء بكاملها في الشمال السوري وخاصةً في مدينتي حلب واللاذقية، وبلدة جنديريس الخاضعة لسيطرة فصائل الإرهاب، بل تعدتها تجاه الجانب السياسي عبر التواصل مع الدولة السورية ورأسها الدكتور بشار الأسد.
معطيات التواصل السياسي العربي الرسمي مع دمشق:
وقد تمثّل هذا التواصل ابتداءً بالمكالمة الهاتفية الأولى للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيس بشار الأسد منذ عام 2011، التي أكّد فيها وقوف الأردن إلى جانب سورية، في مواجهة كارثة الزلزال، وبقيام وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بزيارة دمشق ولقائه مع الرئيس الأسد، ومع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الذي ثمّن الزيارة مشيرًا إلى أنها جاءت في الوقت المناسب، وعبر عن امتنانه الكبير للدور الأردني في دعم سورية في مواجهة كارثة الزلزال. وقد توقع أساتذة العلوم السياسية في الجامعات الأردنية "أيمن البراسنة" و"وليد العويمر" و"حسن المومني"، تحسن العلاقات الأردنية السورية في الفترة المقبلة، وأشار البراسنة إلى أهمية الزيارة، من زاوية أنها تنطوي على العديد من الأبعاد، منها محاولة إيجاد مخرج سياسي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 22/54، ومحاولة كسر العزلة المفروضة على سوريا، ومحاولة دبلوماسية نشطة لإعادة سوريا إلى "الحاضنة العربية"، لافتًا إلى وجود زخم لإعادة العلاقات مع سوريا من عدة أطراف (الأردن، ومصر، والإمارات، والعراق، ولبنان، وليبيا).
وتلت الزيارة الافتتاحية الأردنية الهامة، زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق، والاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس السوري بشار الأسد، لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية، الذي أكد خلاله  وقوف مصر إلى جانب الجمهورية العربية السورية في مواجهة نتائج الزلزال، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أنه رغم إغلاق السفارة السورية في القاهرة  منذ عام 2011،  إلا أن مصر رغم تخندقها سياسيًّا في محور دول الخليج، لم تشارك في المؤامرة على سورية، وظلت تؤكد على وحدة وسيادة سورية، ناهيك أنها ظلت على تواصل أمني مع سورية ودعمها في مواجهة فصائل الإرهاب.
يضاف إلى ما تقدم، قيام وزير خارجية الإمارات "عبد الله بن زايد" بزيارة جديدة لسورية ولقائه بالرئيس الأسد، واطلاعه عن كثب على آثار الزلزال، بعد أن أقامت الإمارات جسرًا جويًّا لإغاثة منكوبي الزلزال، معلنةً عن حملة "الفارس الشهم 2" لإغاثة سوريا، وشملت نقل آلاف الأطنان من المساعدات والمواد الإغاثية إلى سوريا، واعتماد أكثر من 100 مليون دولار مساعدة مالية متعلقة بالكارثة. 
والتطور البارز أيضًا، تمثل في زيارة وفد وزاري لبناني كبير إلى دمشق، هو الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة السورية، برئاسة وزير الخارجية عبد الله أبو حبيب، ولقائه مع الرئيس الأسد، حيث شكلت هذه الزيارة مفاجأةً سياسيّة، لقيت ترحيبًا من الأوساط السياسية والشعبية في كل من سورية ولبنان، وأذابت كثيرًا من الجليد المتراكم من حوالي عقدين، في حين أصابت الزيارة  القوى الانعزالية، وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية بصدمة كبيرة،  خاصةً أنها استخدمت وما تزال تستخدم أداةً ضد حزب الله وسورية وإيران وعموم محور المقاومة عمومًا، بانتظار تسويات إقليمية سرابيه، قد تنعكس على الداخل اللبناني وحساباته، وعلى العلاقات السورية اللبنانية  لمصلحتها.
وبخصوص السعودية، فرغم تأخر الجانب السعوي في إرسال المساعدات، مدة عشرة أيام على بدء كارثة الزلزال، إلا أن الأمور تعدت الجانب الأمني ممثلةً بزيارة زيارة مدير المخابرات السعودي "خالد اللحيدان" إلى دمشق، إلى الجانب السياسي ممثلةً بالتصريح اللافت للنظر لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي أشار فيه إلى أن الرياض تبحث عن "طريقة للتواصل" مع دمشق، ناهيك عن رفع العلم السوري في الرياض أثناء زيارة الرئيس الصيني العاصمة السعودية.
كما نبّه انتباه المراقبين، قيام الرئيس الأسد بزيارة سلطنة عمان، ولقائه مع السلطان هيثم بن طارق، ثمن خلالها الأسد دور السلطنة، في عدم الانجرار إلى معاداة سورية وحفاظها على العلاقات الدبلوماسية معها، وكذلك دورها في دعم سورية في مواجهة نتائج الزلزال.
ولم تقتصر الأمور على الجانب الرسمي العربي، بل تعداه إلى الجانب البرلماني، تمثل بقرار من المؤتمر البرلماني العربي، الذي عقد في بغداد في الفترة من 23-26 فبراير (شباط) الماضي برئاسة محمد الحلبوسي، بزيارة رؤساء البرلمانات العربية دمشق، حيث تمت الزيارة والتقى رؤساء الوفود بالرئيس بشار الأسد، ولم يقتصر حديثهم عن التضامن مع سورية في مواجهة كارثة الزلزال، بل تعداه إلى الإشادة بدور سورية القومي الداعم للقضايا العربية على مختلف الصعد، حيث رأى العديد من المراقبين أن موقف البرلمان العربي حيال سورية، كان متّسقًا وموجّهًا من قبل حكومات الدول العربية، باستثناء الكويت وقطر والمغرب. وقد رأى محللون سياسيون، أن زيارة وفد برلماني عربي لدمشق مؤشر لإعادة العلاقات العربية مع سوريا وجامعة الدول العربية، بعد نحو 12 عاما من تجميد عضويتها.
ما تقدّم شكّل تطورًا مهمًّا في علاقة سورية مع أنظمة عربية، كانت حتى زمن قريب ترفض التواصل مع دمشق، تنفيذًا لإملاءات غربية، وفي الذاكرة القريبة جداً مؤتمر جوار العراق الذي عقد في عمان في  ديسمبر(2022)، الذي شاركت فيه دول مجاورة وغير مجاورة للعراق: مصر والسعودية والبحرين وسلطنة عمان وقطر والبحرين وإيران  وتركيا وفرنسا، التي كان لها دور أساسي في عقد المؤتمر إلى جانب الأردن، في حين تم استثناء سورية، التي تربطها حدود جغرافية مع العراق بطول (599) كيلو مترا، وفي الذاكرة أيضًا رفض العديد من الأنظمة العربية الاستجابة لمطلب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ، بدعوة سورية لحضور القمة العربية التي عقدت في الجزائر، توطئة لاستعادة مقعدها في الجامعة العربية. 
انقلاب أنظمة عربية على موقفها السابق من سورية... لماذا؟
والسؤال هنا: ما الذي دفع العديد من الأنظمة العربية للانقلاب على موقفها السابق حيال سورية؟ 
للإجابة على هذا السؤال، يمكن التأكيد على ما يلي:
1- أن بعض الدول العربية، سبق وأن أجبرت على اتخاذ موقف سلبي ومعادي لسورية إبان الأزمة منذ عام 2011، ليس في سياقٍ مخطّطٍ له سلفًا أو استراتيجي، إنّما تحت ضغط المصالح، في سياق إلزامي، وإلا فإنها ستخسر الدعم الاقتصادي الممنوح لها من هذه الدولة النفطية أو تلك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّها لم تتمكن من شق عصا الطاعة للإدارة الأمريكية، وسبق للسفير الأمريكي على سبيل المثال لا الحصر أن اجتمع مع رئيسي غرفة صناعة وتجارة عمان، وحذرهما من مواصلة التبادل التجاري مع دمشق، بعد إعادة فتح المعبر الحدودي بين سورية، إثر طرد الإرهابيين من معبر نصيب على الجانب السوري.
2- استثمار كارثة الزلزال للانفتاح السياسي على دمشق، إذ استثمرت العديد من الدول العربية الرخصة رقم (23) الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، والتي جاءت نتيجة الضغوط الشعبية العربية والعالمية، والتي تعلق الحظر على بعض المعاملات المتعلقة بسوريا حتى يوم 8 آب/أغسطس 2023، وتنص بوضوح على أن الغاية منها السماح بتحويل الأموال من سوريا وإليها لغرض محدد، هو تسهيل جهود الإغاثة المتعلقة بالزلزال تحديدًا، لا بأي غرض آخر، وأن قرار الخزانة لا ينطبق قرار الخزانة الأميركية على الدولة السورية أو أي من مؤسساتها أو فروعها، وضمنها البنك المركزي السوري.
وبات هذا الانفتاح على سورية بمثابة أمر واقع، تسعى الدول العربية للبناء عليه بعد أن أيقنت أن النظام السوري، بات أكثر تماسكاً واستقراراً من أية فترة سابقة، ناهيك أن بعض الدول مثل الأردن ولبنان من مصلحتها الاقتصادية عودة العلاقات مع سورية إلى سابق عهدها، نظراً للفوائد المتحققة على صعيد المبادلات التجارية.
3- انتصار سورية على المؤامرة الكونية دفع العديد من الدول لمراجعة موقفها، وعلى حد تعبير السيد حسن نصر الله "عندما نرى وفودًا عربية وغربية رسمية تزور سوريا نشعر بالسعادة ولا نقلق ولا نخاف"، مشيراً إلى أنّ "الانفتاح على سوريا هو اعتراف بانتصارها، وهو إعلان اليأس".  
4- ولكن السبب الجوهري الذي جعل معظم الدول وخاصةً دول الخليج المطبعة (الإمارات والبحرين) والسعودية، بالتواصل مع القيادة السورية، هو أنها باتت "تملك" هامشاً كبيراً للمناورة والتمرد النسبي على الإدارة الأمريكية، في ضوء تراجع هيمنتها على المنطقة، إثر انسحابها الذليل من أفغانستان، وفي ضوء تورطها في الحرب الأوكرانية ضد روسيا، وفشلها في تحقيق أهدافها، رغم الدعم العسكري غير المحدود لنظام زيلينسكي.
5- تنامي العلاقات العربية الرسمية وخاصةً الخليجية مع الصين وروسيا، شجع هذه الدول على التمرد على الإملاءات الأمريكية، وبهذا الصدد نشير إلى الزيارة التاريخية للرئيس الصيني "شي جين بينغ" في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وعقده ثلاث قمم " سعودية –صينية" و " خليجية – صينية" " وعربية – صينية"، حيث جرى توقيع اتفاقات مع الرياض بقيمة (30) مليار دولار، فضلا عن اتفاقيات مع دول عربية أخرى، ما أثار حفيظة الإدارة الأمريكية، التي وصفت زيارة "شي" للسعودية بانها تعكس محاولات الصين بسط نفوذها على العالم.
وأخيراً يمكننا الجزم بإن مرحلة ما قبل كارثة الزلزال، في علاقة سورية مع العديد من الدول العربية، ستختلف عن مرحلة ما بعد الزلزال، لجهة عودة العلاقات الدبلوماسية معها، توطئةً لعودة الجامعة العربية إليها، وما يعزز هذا الاستنتاج المتغير الجديد ممثلاً بالاتفاق السعودي الإيراني برعاية بكين، الذي سينعكس بالإيجاب على علاقات سورية مع الدول العربية التي سبق وأن شاركت في المؤامرة عليها.