Menu

تخريبٌ وترهيب بغطاء الدولة..

"إسرائيل" وسياسة تكريس الإبادة: الأرضُ الإسبانيّة بيتٌ للموساد

تعبيرية - الموساد

ترجمة خاصة بوابة الهدف

"كل ما بداخل المدينة سيُكرّس للإبادة ذبيحةً للرب، وكل ما كان له حياة في أريحا قد كُرّس للإبادة من رجالٍ ونساءٍ وشيوخٍ وأبقارٍ وغنمٍ وحمير".. من (كتاب سفر يشوع).

منذ عام 1948، قام الكيان الصهيوني على أساسٍ ثيوقراطي، وتأسّس على اعتبار أنّه شعب الله المختار، ووفق ذلك فإنّ له الحق الإلهي في احتلال فلسطين وتهميش سكّانها، وتطبيق ممارساته السياسيّة والعسكريّة وقسوة "يهوه" في العهد القديم، إلى جانب وحشية الاستعمار البريطاني والإمبرياليّة الأمريكيّة، وعلى هذا الأساس قامت ما تُسمى دولة "إسرائيل" ببناء نموذجها الخاص لتكريس إبادة الشعب الفلسطيني، حتى إنّنا رأينا مؤخرًا وزيرًا "إسرائيليًّا" ينفي وجود الشعب الفلسطيني.

كل هذا الفصل العنصري المبرمّج لم يكن ممكنًا دون التعاون الموثوق من قِبل الاتحاد الأوروبي من أجل الحفاظ على حاملة الطائرات الإمبرياليّة في الشرق الأوسط، حيث تقوم الدولة الإسبانية (وهي ذيل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي) بتطوير سياسة إخفاء المذابح الصهيونيّة المستمرة في فلسطين؛ إذ تعمل قوّاتها المسلّحة بحماسٍ كبير من أجل حماية "إسرائيل"، وما وجودها على الحدود اللبنانية إلّا من أجل حماية "إسرائيل" من هجماتٍ محتملةٍ من حزب الله، ومن الطبيعي أنّ الدولة الإسبانية لا تبذل أي جهدٍ لإجبار الصهاينة على الانصياع لقرارات الأمم المتحدة التي تجبرهم على إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا، أو الاعتراف بدولةٍ فلسطينيّةٍ عاصمتها القدس .

من الواضح أنّه خلال السنوات الأخيرة، تم تدريب قوات وأجهزة أمنية مختلفة تابعة للدولة الإسبانيّة في "إسرائيل"، فمثلًا من بينها بوليس كتالونيا "موسس دي اسكوادرا" وبوليس بلاد الباسك "إرتشاينا"، إلى جانب دورات نظّمتها شركة "ورديان إسبانيا"، وفي عام 1989 وقعت الدولتان اتفاقية تعاون في مجال الأمن والتسليح، ومنذ ذلك الحين لم يتوقّف التعاون عن النمو إلى أنّ أصبحت إسبانيا اليوم خامس دولة في الاتحاد الأوروبي تصدّر الأسلحة إلى "إسرائيل"، وفي المقابل تزوّد الأخيرة الحرس المدني الإسباني، وبوليس كتالونيا، وشرطة مقاطعة "نافارا" بسُترات واقية من الرصاص، إلى جانب أنّ المخابرات المركزيّة الإسبانية تشتري نظام التجسّس ومكافحة التجسّس من شركة "بيغاسوس" الصهيونية، حتى إنّ رئيس نادي برشلونة "جوان لابورتا" تعاقد مع شركة أمن "إسرائيلية" لتوفير الأمن للنادي.

اقرأ ايضا: الصحفي معاذ حامد يكشف للهدف آخر تطورات التحقيق معه من قِبل "الموساد" في إسبانيا

هل الأرض الإسبانيّة بيت الموساد؟

من المعروف أنّ جهاز "الموساد" هو أحد أجهزة المخابرات الصهيونيّة التي ارتكبت أكثر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون بكل تأكيد، بل ارتكب جرائم قتل مبتذلة في العديد من البلدان، لا سيما وأنّه يتحرّك بحريّة في جميع أنحاء الأراضي الإسبانيّة.

وهنا نذكر الحادثة التي جرت مع الصحفي الفلسطيني معاذ حامد، وهو لاجئ في الدولة الإسبانية منذ عام 2019، حيث تلقّى مكالمة هاتفية من رقم مخفي حينما كان في مدريد يصوّر تقريرًا لقناة العربي ال قطر ية التي يعمل معها، وتم استدعاؤه إلى مركز الحرس المدني في شارع "باتالا ديل سالادو" بتاريخ 11 فبراير 2021، حيث دخل دون أي تدقيق وتم نقله إلى غرفةٍ مظلمة؛ إذ كان ينتظره عضو من الحرس المدني وشخص آخر قدّم نفسه على أنّه عضو في المخابرات البلجيكيّة، إلّا أنّ معاذ اكتشف على الفور "لهجة إسرائيليّة" قويّة في لسان رجل المخابرات البلجيكيّة وأجابه بالعبريّة!. وبعد انتهاء هذه المهزلة انسحب عضو الحرس المدني وبقي الصحفي حامد مدة ساعتين بين يدي عميل الموساد الذي عرض عليه اتفاقية تعاون مع المخابرات "الإسرائيليّة".

OvWAC.jpg
ضابط "الموساد" سأل الصحفي حامد بإصرار عن فيلم وثائقي أخرجه عن عمل "الموساد" في أوروبا والشركات التي يستخدمها "الموساد" واجهةً للتغطية على أعماله التجسّسية على الساحة الأوروبيّة، حيث أظهر العميل الصهيوني معرفته بالمصادر التي لجأ إليها معاذ في عمله الصحفي، وأظهر بشكلٍ عام معرفةً كبيرة عن حياته واتصالاته وعائلته وصعوباته الاقتصادية، وبعد أن رفض الصحفي حامد التعاون المطلوب، انتقل الضابط معه إلى مرحلة التهديد والوعيد بأنّ حامد لن يعود ثانيةً إلى فلسطين.

هذه الحادثة بكل تأكيد خطيرةٌ للغاية، بل تضع "الموساد" في عمل غير قانوني تمامًا وتحت مظلّة الحرس المدني الإسباني، وفي حينه تم استنكارها في قنوات التلفزة والصحافة بشكلٍ عام، لكنّ السفارة "الإسرائيليّة" في مدريد والحرس المدني ووزارة الداخلية الإسبانيّة التزموا الصمت المطبق إزاء هذه الحادثة.

اللاجئة نسرين تروي قصتها

وفي حادثةٍ أخرى، وفي سياقٍ ضمان الإفلات من العقاب، قام أحد مرافقي السفيرة "الإسرائيليّة" بسحب مسدسه الخاص أثناء مداخلةٍ لها في كلية اللغات بجامعة "كومبلوتنسي" بتاريخ 8 فبراير من العام الجاري، تجاه مجموعة من الطالبات المعتصمات أمام مدخل الكليّة رفضًا لقمعهن وحرمانهن من حضور المحاضرات التي شارك فيها السفير الفلسطيني في وقتٍ سابق؛ إذ اشترطت الجامعة على الحضور التسجيل المسبق في استمارةٍ خاصّة، إلّا أنّهن تفاجأن من حرمانهن من التسجيل تحت حجّة أنّ لهن ملفاتٍ سريةً تعاملت معها الشرطة الإسبانيّة، وأنهن من الذين لديهن سجلٌ حافل بالنشاط لصالح حقوق الشعب الفلسطيني ومن أصحاب الألقاب العربيّة، فهذا بكل تأكيد قمعٌ مزدوج، أيديولوجي وعرقي، من قبل الجامعة التي وقبل فترةٍ وجيزة منحت "إيزابيل دياز أيوسو" لقب "الطالبة اللامعة"، التي تشغل منصب رئيس مجتمع مدريد.

حادثة رفع السلاح وانتهاك القانون وحرمة الجامعة في آنٍ واحد التي ارتكبها مرافق السفيرة "الإسرائيليّة"، قوبلت باستهجانٍ كبير، حيث تجمّع المستبعدون من حضور المحاضرات، ومجموعة من المؤيدين عند باب مدخل الكلية للتعبير عن دعمهم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي داست عليها الدولة "الإسرائيليّة" التي عرضت سفيرتها مؤتمرًا للمدمنين فقط، وفي المقابل لم يتم القبض على مرافق الوزيرة أو تحديد هُويّته، لكنّ الشرطة الإسبانية اعتقلت اثنتين من المتظاهرات ضد سياسة القمع والإبادة "الإسرائيليّة".

وإبان ذلك، استطاعت صحيفة الأوترو باييس "البلد الآخر" مقابلة إحدى المعتقلات وهي نسرين، شابة فلسطينيّة من مواليد القدس، وعاشت سنواتٍ عديدةً في مُخيّمٍ للاجئين في بيت لحم، واضطرّت إلى الذهاب إلى المنفى في الدولة الإسبانيّة مع عائلتها؛ بسبب المضايقات المستمرّة من قبل الشرطة والجيش "الإسرائيلي"، فعاشت أوّلًا في "ويسكا"، أمّا الآن فهي تقيم في مدريد بعد أن حصلت على حقّ اللجوء السياسي في البلاد.

وفي المقابلة مع الصحيفة، روت نسرين ماذا جرى معها يوم الحادثة، تقول: "تمركزنا في الخارج وكنّا نحو 50 شخصًا، وردّدنا شعارات مناهضة للاحتلال، وكل 20 دقيقة كانوا ينزلون لعدّ المشاركين، فتحدثنا إلى أولئك الذين يريدون المشاركة في الحدث، وشرحنا لهم أسباب احتجاجنا ورفعنا لافتةً كتب عليها "لا لتقسيم فلسطين، فليسقط بلفور، فليسقط أوسلو، فلتسقط الصهيونية"، وفي نحو الساعة 11 صباحًا، قرّرنا كسر الحصار المفروض علينا ودخلنا قاعة الكلية، ولكن دون الوصول إلى القاعة التي بدأت فيه السفيرة "روديكا راديان جوردون" حديثها وأكاذيبها، وفي هذه اللحظة، ودون سابق إنذار، ودون أن نشكّل أي خطرٍ على أحد، تدخّل عميل مخابرات من "الموساد" موجّهًا مسدسه نحونا، فأجبره شرطي إسباني بزيٍّ مدني على العودة إلى القاعة، وبعد 15 دقيقة وصلت الشرطة الإسبانيّة بالزي الرسمي.

326325387_759173542216720_421658252342441972_n.jpg
تلفيق تهم لا أساس لها

وتضيف نسرين في شهادتها وإجابتها حول ما قامت به الشرطة، وهل أنّها اعتقلت عميل "الموساد" الذي هددهن بالسلاح في وسط الجامعة، تقول: "لا، بل جاؤوا لحمايته وطردنا من المكان، وبعد أن تعرّفوا علينا جعلونا نخرج كل واحد على حدة، واحدًا تلو الآخر. صدقًا هذا الأسلوب يذكّرني بنقاط التفتيش وما يُمارسه عليها الجيش "الإسرائيلي" في وطني، وإلى جانب كل ذلك أشار شرطي بزيٍّ مدني إليّ وإلى جوديت، حيث تم تفتيشنا وتقييد أيادينا على الفور، ومن ثم أخذونا مقيدين في سيارة شرطة إلى مركز "موراتالاث"، ونقلونا من مكانٍ إلى آخر، حيث كان هناك جدار عليه صور لمقاتلي داعش وحزب الله، حيث بدا وكأنّها لوحةٌ تذكاريّة، وبعد فترةٍ وجيزة، وصل شرطي آخر وقال لنا إنه لا ينبغي أن نكون هنا، وأعادنا إلى المكان الأوّل، حتى وصل محامينا "باكو غارسيا سيديل"، وبعد أن رفضنا الإدلاء بشهادتنا أُطلق سراحنا مع تلفيق عدّة تهم في سجلاتنا.

وحول التهم الملفّقة، تُكمل نسرين حديثها للصحيفة: في حالتي أنا، التهم كانت كالآتي: اعتداءات وضرب وتهديدات وعصيان والاعتداء على قوى الأمن وعدم الطاعة، لأنّه على ما يبدو أنّ الشرطي تعرّضت يده للالتواء أثناء تقييده ليدي، كما يقول رئيس الأمن الخاص في شركة "ساسيغور" أنني عضضته في يده اليمنى، وهذا كله كما نقل لنا المحامي، لكنّ المعروف أنّ الشرطة لديها مجموعة اتهامات جاهزة لمثل هذه المناسبات، أمّا بعدها بثلاثة أيّام، قامت الشرطة بإيقافي في محطة مترو "غارثيا نوبليخاس"، وبعد تفتيشي سألني أحد رجال الشرطة إذا كنت قد اعتُقلت من قبل، فأجبته قبل أيّامٍ قليلة وعدّة ساعاتٍ فقط، فأخبرني أنّ هذا كذب وأنّ عندي 5 اعتقالات سابقة، لكنّ كل هذا غير صحيح إطلاقًا.

الدولة الإسبانيّة خاضعة للصهيونيّة

وبالعودة إلى عميل "الموساد" الذي هدد الطلبة برفع السلاح في الجامعة وما إذا تعرّض للعقوبة، تؤكّد نسرين أنّها ليست على علم بأي إجراء شُرَطي أو قضائي، تتابع: أعلم أنّه تم تسجيل استجواب برلماني من قِبل النائب "إنريكي دي سانتياغو" بخصوص ما حدث، ولكن هذا الاستجواب لم يصل إلى أي مكانٍ حتى الآن، وربما يكون العقاب الوحيد لعميل "الموساد" هو أنّه أصيب بصدمةٍ لعدم تمكّنه من قتل أي شخص، لأنّ هذا ما تم تدريبه عليه، واللافت أنّه عندما تم فحص محضر الشرطة، لم يكن هناك أي ذكر عن سحب مسدس من قبل العميل "الإسرائيلي"، وفقط مذكور اللافتات أو الشعارات المعاديّة للصهيونيّة، لأنّ هذه الحقائق تختفي في الرواية البوليسيّة في إسبانيا.

ويُشار إلى أنّه تم التعرف إلى 44 شخصًا آخرين من المتهمين مثل نسرين وجوديت بالإخلال بالنظام، واقترحت الشرطة فتح "ملف تأديبي" لهم بسبب ما أسمته "الإخلال بالنظام" تطبيقًا لقانون "الكماشة"، وهو نفس القانون الذي وعدت هذه الحكومة بإلغائه، أي حكومة "بونيداس بوديموس" مع حزب العمّال الاشتراكي، فيما تجدر الإشارة إلى أنّه وبعد شهرين تم استدعاء جوديت ونسرين للإدلاء بشهادتهما بتاريخ 13 أبريل أمام المحكمة، واللافت أنّ شهادتهما كانت أمام مسؤولٍ قضائي دون حضور القاضي أو المدّعي العام، فيما يُؤكّد المحامي "غارسيا سيدييل" ما جرى أنّه ترجمةٌ حقيقيّةٌ ودليلٌ قاطعٌ على أنّ الاعتقالات التي حصلت انعكاسٌ واضحٌ لخضوع الدولة الإسبانيّة للصهيونيّة وجهاز "الموساد".

المصدر: أندرو جارسيا ريبيرا