Menu

لا يوجد في "صندوق الأدوات القديم" رد مناسب لإرهاب الأفراد على الساحة الفلسطينية

قمع

ترجمة_سميرة دحلان

بقلم : د. كوبي ميخائيل[1] و أودي ديكِل [2]

تلخيص المترجم

تمثل القراءة المنشورة أدناه خطّا لما يراد له أن يكون خط "دبابات التفكير" الإسرائيلي لقراءة الوضع الحالي، ملاحظتنا على هذا الخط هي تمسكه بالقراءة الفوقية للمجتمع الفلسطيني، والتعامل معه، ميكانيكيا، باعتبار نضاله نضالا لتحصيل ظروف معيشية أفضل.
تغيب الموضوعية عن القراءة التي نحن بصددها، حيث تربط ورقة العمل بين الهبة الشعبية الحالية وبين تنظيم "الدولة الإسلامية"، بما يُفهم منه أن شعوب المنطقة توضع في سلة واحدة، عنصرية دائما. فأسباب الهبّة الجماهيرية الآنية هي، بحسب الورقة، الإحباط الذي يعانيه الفلسطينيون وتردي الحالة الاقتصادية ، وانعدام آفاق التشغيل  والحل السياسي. والملاحظ أن الكاتبان يوليان أهمية لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الهبّة، ولضرورة تنفيذ استعمال ضدّي لهذه الوسائل من أجل إجراء تغيير في الوعي الفلسطيني والعربي (المراقِب لحال الشبكة اليوم يشهد ظهورا لمواقع "يسارية" صهيونية، وغيرها، بالعربية على صفحات الشبكة العنكبوتية، تدعو إلى الحوار وإلى إطلاع الجمهور الفلسطيني على ما يجري في الساحة الإسرائيلية).

كما يجري كاتبي المقال فصلا جراحيا بين "القيادة الفلسطينية" وبين "الأجهزة الأمنية" الفلسطينية. حيث يشككان في قدرة واستعدادية القيادة على اتخاذ دور جدي في وقف الهبة، ويراهنان على قدرة أجهزة امن السلطة الفلسطينية في ذلك، بل ويحذران من مغبة سد الطرق أمام هذه الأجهزة بما يدفعها إلى الانخراط في الهبة، على غرار ما حدث في انتفاضة 2000. ويدعوان إلى تمكين الأجهزة وتوسيع مجال عملها، وتشديد التنسيق الأمني معها.

وبالتوافق مع رؤيتهما لدور أجهزة أوسلو الأمنية، يراهن كل من ميخائيل وديكل، على ضرورة إتاحة المجال أمام "قيادات محلية" راغبة في حل سياسي مع إسرائيل وقادرة على كبح جماح الهبة (هذه النظرة الفوقية التي تتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم قطعان ينقصهم راعي يتمتع بالمسؤولية).

إن أهمية قراءة وفهم رؤيا هذا الخط الذي يوصف بالاستراتيجي، لا تعني بالمطلق تبنيه، لكنها تتأتى من ضرورة فهم كيف يرانا العدو، وكيف يفكّر، وكيف ينظر إلى حلقة الصراع الحالية. بغرض فهم صيرورات التفكير لدى العدو.

 

نصّ المقال[3]:

فاجأ اندلاع الإرهاب الفلسطيني قبل قرابة الشهرين، على مستوى ما، الجمهور والقيادة في إسرائيل، وذلك بسبب من تلاحق العمليات، تواترها واتخاذها شكل الطعن في معظم الحالات.إن مسبب اندلاع سلسلة العمليات هذه مركّب ، فهو وطني-ديني- اجتماعي،  وقد كانت شرارة اندلاعها العاطفة الدينية التي تركزت في الصراع على المسجد الأقصى. ولا  يمكن تجاهل استيحاء أفكار الجهاد الثورية لتنظيم ’الدولة الإسلامية. فالشباب الذين نفذوا العمليات، مدفوعون بمشاعر الإحباط القومي، الاقتصادي، والاجتماعي، إلى جانب فهمهم لانغلاق الطرق في وجوههم، وغياب من يمكن الاعتماد عليه، إضافة إلى فقدان الثقة بجميع طبقات القيادة الفلسطينية. كل هذا جرى تحت ضغط الرغبة بتفكيك النظام القائم، من دون تفكير بتحديد ماهية النظام المستقبلي الذي يصبون إليه.

يتأتى جزء من العمليات أيضا من شعور "لا يوجد ما نخسره". فالقيادة، بشقيها في السلطة الفلسطينية أو في حماس بغزة، مشغولة بنفسها وببقائها، يضاف إلى ذلك فقدان اهتمام المحيط  ، وفي الأساس من طرف مصر والأردن، بما يحدث في البلاد. وعلى ضوء ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية، فقد فقد النظام الدولي اهتمامه بالقضية الفلسطينية وانصب اهتمامه على مكافحة ’الدولة الإسلامية‘، وبالذات بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في فرنسا. كل ما سبق تسبب في تعاظم مشاعر اليأس والإحباط لدى الفلسطينيين.

يعاني الكثير في أوساط الجمهور الإسرائيلي إلى جانب سياسيين وقادة، من عدم القدرة على التعامل مع واقع مستمر من إرهاب السكاكين، وعمليات الدهس وإطلاق النار. وفي الوقت ذاته، يعود أولئك الذين يطالبون بالعمل أكثر ضد الظاهرة، عبر استخدام صندوق الأدوات القديم والمعروف، وهو ذلك الصندوق الذي وُجِد بأنه مفيد وذي فاعليّة في سنوات الانتفاضة الثانية، حيث واجهت إسرائيل إرهابا منظما. غير أن موجة الإرهاب الحالية لا تشبه الانتفاضة الثانية؛ فالتنظيم غائب عنها ويتم تحريكها من قبل أفراد لا يستخدمون السلاح الناري في أغلب الحالات.  إن الأغلب الأعم من الجمهور الفلسطيني سواء في مناطق السلطة الفلسطينية أو في شرقي القدس ليس متورطا في الإرهاب (وذلك رغما عن كون هذه الموجة تكنّى بالـ"شعبية")، وحتى لو كانت هذه الجماهير تظهر علائم التضامن مع منفذي العمليات، فإنه من المشكوك فيه أن يتم تعريف الأمر باعتباره دعما واسعا من قبل الجمهور الفلسطيني للإرهاب. فضلا عما سبق،فكل من العمليات الإرهابية والرد الإسرائيلي يعملان معا ضد المصالح الأساسية لمعظم السكان الفلسطينيين ويشوّشان روتينها اليومي.

إن حقيقة كون الكثير من بين منفذي العمليات هم أطفال و فتية تشير إلى تفتت الهيكل الاجتماعي والقيادي للمجتمع الفلسطيني ومنظومات الردع التقليدية الكامنة فيه (العائلة، النظام التعليمي، "كبار الطائفة" والقيادة السياسية). وفي واقع تضعف فيه الهياكل الاجتماعية والسياسية، وفي ظل استيحاء ديني-سلفي-جهادي وعلى ضوء غياب الأفق السياسي، والتحريض المنهجي والممؤسس للقيادة الفلسطينية، فإن هذا يشكل بنية تحتية خصبة للتأثير ولانتقال عدوى التلميحات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تشجع القيام بعمليات إرهابية. يتغذى أبناء الشبيبة، الذين يعيشون الواقع الافتراضي في شبكات التواصل الاجتماعي، بوحي من أبطال جيلهم الجديد- وهم شبان قبضوا على السكين وآمنوا بأن طعن يهودي، هو عمل مقدس، حتى لو كان الثمن حياتهم.

هذا النوع من الإرهاب، والذي ينفذ في الأغلب بيد فتيان وفتيات، يبدو أقل عنفا من الإرهاب المنظم الذي يستخدم السلاح الناري. ولذا، فإنه من السهل على القيادة الفلسطينية وعلى المؤثرين على المزاج العام الفلسطيني دعم إرهاب الشبان الصغار أكثر. فهنالك عناصر في السلطة الفلسطينية ترى ميزة في الإرهاب الفردي، الإرهاب فاقد العنوان الواضح، كطريقة لتحدي إسرائيل ولمنعها من تشغيل قوتها العسكرية بدرجة قصوى ضد أجهزة السلطة الفلسطينية نفسها وضد الجمهور الفلسطيني. وتواصل حماس في غزة، إلى جانب فتح في الضفة الغربية، تواصل حملات التحريض- بشكل أساسي على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي وفي المساجد- وتحاول، ضمن ذلك، تثبيت دورها في الأحداث الحالية في الوعي الوطني. فقد وقفت فتح داعمة للعمليات، وهي التي يعرفها كـ"هبة ضد الاحتلال" ويعلن اهتمامه بتواصلها. بينما تتنفس حماس الصعداء بسبب من انتقال مركز الثقل إلى الخليل، حيث تتواجد قاعدتها الجماهيرية في الضفة منذ سنوات، بينما تحاول منع التصعيد في قطاع غزة.

ينبغي، إذا ما أردنا بناء رد فعال على اندلاع الإرهاب، أن نفهم حدود الرد والفعل الإسرائيلي. من المهم، في هذا السياق التفريق بين خطوات وطرائق عمل يمكنها أن تساهم في تقليص الظاهرة وتقديم رد سريع وفعال عبر تحييد منفذي العمليات، وبين خطوات هدفها إثبات أن إسرائيل تعمل بعناد ضد الإرهاب. إن مصير الردود العنيدة والاستعراضية هو التصعيد[المضاد]، ارتفاع دافعية الأفراد لتنفيذ عمليات، الانتقال إلى إرهاب أكثر تنظيما (بما يشمل اشتراك تنظيم حركة فتح) والإضرار بدافعية أجهزة الأمن الفلسطينية بالعمل ضد الإرهاب والعنف، ومواصلة تعاونها مع الجهات الأمنية الإسرائيلية.

لم تكن إسرائيل حكيمة بما يكفي لكي تركّب، خلال السنين الفائتة، صندوق أدوات جديد يلائم روح المرحلة، ويتركز في تشغيل جهود اقتصادية، بنيوية-تحتية، اجتماعية، تعليمية ومعرفية- بما يشمل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. لقد قُمع، خلال السنوات الماضية نمو وتطور قيادات فلسطينية محلية تهتم بحاجات السكان، وشرعية وقادرة على أن تشكل عنوانا للحوار مع إسرائيل إضافة إلى قدرتها على كبح لجام العنف. وفي غياب أدوات جديدة وفي ظل عدم وجود رد إسرائيلي ملائم للمشكلة الاستراتيجية، تتوافر الظروف للعودة إلى صندوق الأدوات القديم. فهنالك، في إسرائيل، من يدفعون إلى إعادة استخدام برامج عملياتية (على شاكلة "الجدار الواقي") والتي تم تطويرها كاستجابة لوضع مختلف في ماهيته، والذي قد يثبت أن استخدامه سيكون محض خطأ. إن الضغط الذي يمارس على المستوى السياسي وعلى المنظومة الأمنية بالتحرك، بمعنى القيام بعمل عنيف يغير قوانين اللعبة قد يؤدي إلى الإضرار بقدرة المستوى السياسي على الحكم، إضافة إلى هز القدرة على ضبط النفس  والرد المسؤول الذي تم اتخاذه حتى الآن، وإلى دفعه إلى اعتناق منطق عمل لا يلائم ماهية الإرهاب الراهن.

يمكن العثور على علائم أولية للأمر في قرار تفتيش جميع السيارات الفلسطينية في منطقة الخليل-بيت لحم، وبشكل عيّني أيضا في باقي مناطق يهودا والسامرة؛ وفي القرار القاضي بسحب تصاريح العمل في إسرائيل من أقارب منفذي العمليات؛ وفي منع دخول العمال الفلسطينيين إلى مستوطنات غوش عتصيون؛ وفي فحص إمكانية الفصل بين مسارات السيارات الفلسطينية وتلك الإسرائيلية في شوارع يهودا والسامرة؛ وفي تسريع وتيرة الاعتقالات الموجهة ضد الفلسطينيين على أساس الشكوك الطفيفة وحدها؛ وبفحص إمكانية اتخاذ إجراءات أخرى كحصار مساحات جغرافية ومدجينية، كما هو الحال في الخليل. إن خطوات على هذه الشاكلة قد تنقل مراكز الإرهاب إلى مناطق أخرى (نابلس وجنين) كما أنها قد تدفع السكان غير المتورطين في الإرهاب إلى الدعم الأكثر فاعلية للإرهاب والعنف. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوات ستثقل بشكل خطير كاهل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهي حتى اليوم غير متورطة في الإرهاب بل وتقوم بكبح جماح العنف تجاه الإسرائيليين، وتعمل ضد البنى التحتية للإرهاب في مناطق السلطة الفلسطينية، وتمنع احتكاك السكان الفلسطينيين مع قوات جيش الدفاع وتواصل تنسيقها الأمني مع المنظومة الأمنية الإسرائيلية.

إن فرص تغيير الواقع المتشكل هو وضع أفكار منافسة وجذابة في وجه التوجه نحو التطرف القومي والديني اللذان يجتاحان قلوب الشباب في الضفة وغزة، وللتوصل إلى ذلك، ينبغي القيام باستخدام صحيح لوسائل التواصل الاجتماعي والإصغاء بشكل حقيقي لما يحدث في الجهاز التعليمي الفلسطيني وإلى مضامين الرسائل التي تبث للجمهور، وبالذات للشباب، في وسائل الإعلام المختلفة، وهذه الرسائل تصدر أيضا من القيادة الفلسطينية. ورغم أن القيادة الفلسطينية تفقد شرعيتها في نظر الجمهور الفلسطيني، ويتم التعامل معها باعتبارها فقد علاقتها بالحاضر، ورغم عجزها عن إقناع الجمهور الفلسطيني بنبذ العنف والإرهاب، بل وانضمامها إلى البيئة الداعمة للإرهاب، فإن القيادة الفلسطينية تقف على منحدر زلق، فالإحباط واليأس اللذان يعانيهما الشباب الفلسطينيون موجه أيضا إليها، والإرهاب الحالي موجه أيضا تجاهها. ومع ذلك، فإن الجهود الإسرائيلية في القضاء على هذه الظاهرة يُلزِم، بادئا ذي بدء، تجنيد القيادة الفلسطينية، رغم ضعفها ورغم الشكوك في جاهزيتها وقدرتها على التأثير على الجمهور.

بهدف إقناع قيادة السلطة بالتنصل بشكل واضح من الإرهاب والعنف واستعادة هيبتها في الشارع وأوساط الشباب، ينبغي لها استخدام أدوات جديدة، ومن ضمنها مبادرات تشغيل للشباب، برامج تأهيل مهني، تعليم مفتوح وشق طريق لاندماج الشباب في النشاط السياسي. إن إسرائيل قادرة على مساعدة السلطة الفلسطينية في هذه المجالات. وينبغي على إسرائيل أن تثبت صدقها في العودة إلى طاولة المفاوضات والسعي إلى حل دولتين لشعبين، وذلك مقابل تنصل السلطة الفلسطينية من الإرهاب ومن العنفأ. وعلى ذات المستوى، فمن المهم أن تبادر إسرائيل إلى سلسلة من الخطوات الكفيلة بتحسين نسيج حياة السكان الفلسطينيين ورفاهيتهم. خطوة أخرى يمكن القيام بها كمقابل لقيام السلطة الفلسطينية بلجم الإرهاب هو توسيع مجال عمل أجهزة الأمن الفلسطينية وتقويتها، وذلك مقابل زيادة وتيرة التنسيق الأمني.

طالما انعدم التغيير في الواقع السياسي، فهنالك حاجة إلى توسيع نطاق وجود قوات الأمن في الميدان، تعزيز حصانة ووعي السكان ومزيدا من الجهد المركز والدقيق لإحباط العمليات. وهذا، على أساس تقدير بأن الحديث هنا يدور عن واقع مستمر يتنقل فيه الإرهاب، وهو ما يحمل إمكانية تصعيد لا يمكن سوى لضبط النفس، واستخدام صندوق أدوات جديد أن يفيد في تقليل وتيرته.


 

 

[1] باحث مسؤول في مركز دراسات الأمن القومي، متخصص في مجالات بحثية متنوعة أهمها علاقة الجهاز العسكري بالمجتمع الإسرائيلي، الأمن والسياسة، و "الحصانة القومية". شغل موقع رئيس وحدة الفلسطينيين في وزارة الشؤون الاستراتيجية، ومجلس أمناء جامعة بن غوريون، وبروفسور ضيف في جامعة نورث-ويسترن في الولايات المتحدة. أصدر 12 كتابا. وقد حاز على عدة جوائز أكاديمية من ضمنها جائزة الرابطة الإسرائيلية للعلوم السياسية عن أفضل كتاب للعام 2008-2009

 

[2] مدير معهد دراسات الأمن القومي. جنرال احتياط. شغل منصب مدير وحدة التفاوض مع الفلسطينيين في عهد إيهود أولمرت أثناء مفاوضات أنابوليس.  سبق ذلك قيامه بإشغال مناصب متعددة في الجيش في مجالات الاستخبارات،، التعاون العسكري العالمي والتخطيط الاستراتيجي. رئيس وحدة العمليات الاستخبارية في سلاح الطيران. وقد شغل أيضا منصب رئيس الوحدة الاستراتيجية للتخطيط في هيئة الأركان (ويشغل الآن، منصب رئيس مركز التخطيط الاستراتيجي). كما شارك في هيئة تحديث الرؤيا الأمنية للعام 2006 حيث قام بتركيز عملية بلورة استراتيجيات الجيش الإسرائيلي.

[3] رابط المقال موجود على هذه الوصلة