يضطّر عمال قطاع غزة تحت ضغط الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في قطاع غزّة للعمل في الدّاخل الفلسطيني المحتل عام 1948م رغم الإجحاف والتمييز وتدهور ظروف عملهم.
طبيعة الوثائق التي يحملونها والتي تحمل مسمياتٍ مختلفة، منها تصريح "احتياجات اقتصادية" و"تصريح مشغل"، و"تصريح تاجر"؛ تفتح الباب أمام أصحاب العمل "الإسرائيليين" للتنكّر لحقوقهم، وحرمانهم من العمل المناسب، كما يتعرّضون للتمييز في شروط وظروف العمل مقارنة مع العامل "الإسرائيلي"، فيما تُحرم أسرهم من إمكانية المطالبة أو الحصول على التعويضات العمالية في حالة وفاتهم أو إصابتهم.
العمل في الداخل الفلسطيني المحتل غير مأمون أو مضمون بالنسبة لعمّال قطاع غزّة، فبجانب تكرار الحوادث المهنية في بيئة العمل ومحيطها، يتعرض هؤلاء العمال للفصل التعسفي، وحرمانهم من التأمين الصحي الذي يضمن لهم الرعاية الطبيّة في حالة المرض أو الإصابة أثناء العمل، علاوةً على أنّ أيام العمل من الأحد للخميس (خمسة أيام أسبوعياً)، وساعات العمل تصل إلى (9) ساعات يومياً، ويتعرّض العديد من العمال للتمييز السلبي في طبيعة الأعمال ونوعيتها.
في الوقت الحالي؛ تسمح سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" إلى نحو 7 إلى 10 آلاف غزّي للدخول إلى فلسطين المحتلة عام 1948م للعمل؛ بعدما قلّصت عددهم بشدّة منذ عام 2003، وشدّدت الإجراءات تماماً منذ فرض الحصار على القطاع منتصف عام 2007.
وأشار تقرير أصدره مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أنّ إنكار صفة العامل في تصاريح عمال قطاع غزة؛ يحرمهم من حقوقهم التي كفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويحول دون حماية حق العامل الغزي في حال الإصابة من التعويض وجبر الضرر، ويحرم أسرته في الضمان الاجتماعي، في حال الوفاة، وبالتالي تفقد حقّها في الحماية من غول الفقر.
وأوضح رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة سامي العمصي أنّ الغالبية العظمى للتصاريح التي يصدرها الاحتلال لأفراد من غزة "هي تصاريح عمل بمسمى (احتياجات اقتصادية)، وليست تصاريح بمسمى (عامل) كما جرى التفاهم عليه"، مشيرًا إلى أنّ هذا الوصف يخالف تفاهمات غزة مع سلطات الاحتلال بهدف التهرب من الالتزامات والحقوق القانونية التي تمّت بداية عام 2022 وتتضمن إصدار تصاريح لعددٍ يصل إلى 30 ألفاً.
بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلياس الجلدة إنّ العمل في الداخل الفلسطيني المحتل، بشكلٍ عام، ظاهرة غير مقبولة إلا أنّنا نتفهّم حاجة العمال التي تدفعهم للعمل في فلسطين المحتلة عام 1948م لدى مشغّلين "إسرائيليين" إلا أنّ هذا لا يعني، بأيّ حالٍ من الأحوال، أن يعمل العامل الفلسطيني بدون حقوق.
ورأى الجلدة، في حديثٍ إلى "الهدف" أنّ الطريقة التي انتهجتها سلطات الاحتلال في إصدار تصاريح لعمالٍ من غزّة بمسميات مختلفة سواء كتجّار، في البداية، أو لاحقًا تحت مسمى "احتياجات اقتصادية"، هي شكل من أشكال التحايل على حقوق العامل الغزّي، إذ أنّ من المفترض أن يحصل العامل على كامل حقوقه القانونية التي تكفلها المواثيق الدولية الخاصة بالعمل.
وأشار إلى أنّ العديد من حالات الوفاة والإصابات سجلت خلال العمل في الداخل الفلسطيني المحتل مؤخرًا، نتيجة لتعرضهم لإصابات عمل أو حوادث، ولأنّ العامل لا يحمل تصريحًا يوصف مكانته القانونية كـ"عامل" يفقد حقوقه، وهذا أضاع حقوقهم وحقوق ذويهم، وهذا يتعارض بشكلٍ واضحٍ مع المعايير الدولية ذات الصلة.
وأوضح أنّ الاحتلال لجأ إلى عملية التحايل هذه كي لا يظهر أنه تراجع عن قراره السابق إبان فرض الحصار على غزة؛ بمنع دخول العمال ضمن سياسته في فرض عقاب جماعي على القطاع، وهذه الطريقة تفتح أمامه نافذة لطرد العمال متى شاء دون أي التزامات قانونية.
وختم بالقول: للأسف قبلت الحكومة بغزة بهذه الصيغة في سياق الصراع السياسي مع الحكومة بالضفة الغربية؛ لتؤكّد قدرتها على حلّ أزمات غزة بشكلٍ منفردٍ خاصة أنّ الحكومة بغزة تتعرّض لضغوطاتٍ من الناس لتحسين أوضاعهم الاقتصادية التي تدهورت بسبب الحصار "الإسرائيلي" والانقسام السياسي.
من جانبه، قال الناشط النقابي عبد الكريم الخالدي: لا يعمل عمّال غزة عبر مكاتب العمل الرسمية في الداخل المحتل، ما يفتح المجال لتعرضهم لأعمال نصبٍ واحتيالٍ من قبل المشغّل "الإسرائيلي" أو سماسرة التصاريح؛ حيث لا ضمانات ولا ناظم للعلاقة بين العامل والمشغل شأنها حماية أبسط حقوقه وهو أنّ يدفع له اليومية التي يتفق معه عليها.
وأكد الخالدي، في حديث إلى "الهدف" أنّ هذا الوضع نجم عن هزالة الاتفاقيات السياسية التي أبرمتها السلطة مع الاحتلال من جهة والتفاهمات التي توصلت إليها حركة "حماس" مع الاحتلال من جهة أخرى؛ لأنها تخلو من أيّ ترتيباتٍ قانونيةٍ واضحةٍ تحفظ حقوق العمال، وهو ما يجعلهم عرضة لاستغلال المشغلين والوسطاء، وتلاعب سلطات الاحتلال في إصدار أو منع التصريح بشكل تعسفي.
وأشار إلى أنّ الجهات المسؤولة غير قادرة لا على تنظيم العمل بطريقة تحفظ حقوق العمال ولا توفير البدائل لهم للحيلولة دون وقوعهم في براثن الفقر والبطالة، ما يجبر العامل للمجازفة والعمل وفق هذه الظروف اللاقانونية واللاإنسانية.
وأمام هذه الفوضى وفي ظل هذه الظروف شدّد الخالدي على ضرورة تثقيف العامل ورفع وعيه في حقوقه النقابية والعمالية ليتمكن من ضمان حقوقه بشكل شخصي مبدئيًا، على أمل أن تتمكن الجهات المسؤولة من الضغط على سلطات الاحتلال لوضع حدٍّ لعمليات النصب والاستغلال والتلاعب التي يتعرّضون لها، محذرًا من مخاطر استمرار هذه الفوضى لما قد يترتب عليها من استغلالٍ وابتزازٍ وضياعٍ للحقوق.
يُعدّ عمل الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948م لدى مشغل "إسرائيلي" موضوعًا إشكاليًا خاصة أنّ أيّ جهة تدعو العمال للامتناع عن الخروج للعمل في "إسرائيل" يجب عليها أن تطرح لهم البدائل التي تحميهم من الانزلاق إلى براثن الفقر والبطالة، وفي هذا السياق تأتي المطالبات بضرورة تسوية أوضاع العمال لحمايتهم وحفظ حقوقهم حتى تتوفر الظروف خاصة الاقتصادية التي تمكن العامل من الاستغناء عن العمل لدى المشغلين "الإسرائيليين".