Menu

مشاريع الانتخابات: تحريضٌ معلن

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

من باب العبث وحده، يمكنُ الظنّ أنّ الانتخابات - إجراءً تنفيذيًّا تقنيًّا - كفيلةٌ بإنهاء الانقسام الفلسطيني وحدها، أو حتى إصلاح وضع أي منظومةٍ سياسيّة، وبالتأكيد، إنّ بناء الديمقراطية هي عمليّة أكثر من حصرها في حشد المصوتين أو عدد الأصوات.

لكن في الحالة الفلسطينيّة، وفي ضوء الاستعصاء القائم في الوصول لأي حلولٍ تفكّك بنى الانقسام الصلبة والمتراكمة، يبدو خيار إجراء انتخابات هو توفيرٌ لفرصةٍ اختباريّةٍ لإحداث خرقٍ في حالة ركود البنى السياسيّة القائمة، التي لم يعد يقتصر خللها على كونها منقسمة، فلقد بات الركود وتأبيد السلطة وغياب الرقابة أو المنافسة السياسية يتكفل تلقائيًّا بإنتاج الإقصاء والظلم والفساد والعجز بدرجاتٍ متفاوتة.

قد يشكّل طرح حركة حماس إجراء انتخابات للمجالس المحليّة والبلدية في قطاع غزة، الواقع تحت سيطرة الحركة، مادة لتحليلات واسعة ستغزو الصفحات الفلسطينية خلال الأيام المقبلة، ولكن على طاولة السياسة الجادة التي يجب أن تنشغل بالمصلحة الوطنيّة، وبمصلحة المجموع الفلسطيني، يشكل هذا الطرح فرصةً إيجابية يجب اغتنامها لإحداث خرقٍ أوسع في بنية الأزمة، وخطوة يجب استثمارها تجاه مبادراتٍ مماثلةٍ تسهم في تفكيك واقع جمود سلطتي الانقسام.

وبكلّ ثقةٍ في وطنيّة هذا القول، يمكن أن يقول أي فلسطيني: إنّ أكثر ما تحتاجه أي من حركتي فتح وحماس، ويحتاجه المجموع الفلسطيني أيضًا، هو خسارة أي من الحركتين لجزء من سلطتها في الحيز الجغرافي ذاته، وإذا كان العجز ما يزال مستمرًّا فيما يتعلّق بالتفاهم على تنازل بنى وأجهزة الحكم في غزة أو رام الله عن سلطاتها، فإنّ تسليم المستوى السياسي لأي من الطرفين بضرورة إعادة جزءٍ من هذه السلطة للجماهير للاقتراع والاختيار يعدّ مكسبًا فلسطينيًّا.

الجميع من قرّاء هذه السطور يعلم جيّدًا وجهة "بوابة الهدف" وموقفها، ولتقال الكلمات بوضوح، إنّ الخيار الأفضل للفلسطينيين، مجموعًا، هو إحداث نوع من التوازن، يفكك هذا الاستقطاب الثنائي الحاد، أو بعبارةٍ أخرى أكثر وضوحًا، من مصلحة أي فلسطيني ألا ينتخب حركتي فتح وحماس في الانتخابات الجديدة، إن حدثت بالفعل، ذلك بغض النظر عن حق الحركتين في المنافسة الانتخابية والقدرة الهائلة لدى كليهما على الحشد والتأطير والتعبئة في أي عمليّةٍ انتخابيّة، وأيضًا بغض النظر عن أي برنامجٍ ستقدّمه الحركتان، فنحن نتحدث هنا عن مخاطر السلطة المفرطة، التي تمتعت بها كلا الحركتين لأكثر من ١٧ سنة في كل من الضفة وغزة.

أكثر من ذلك يمكن القول بكل شفافية: إنّ المصلحة الوطنيّة الفلسطينيّة تقتضي قيام مجالس محليّة متعدّدة وطنيًّا، في كل بلدة ومدينة وقرية فلسطينية، وإنّ هذه الفرصة قد تكون أحد آخر النوافذ، التي ما زالت مفتوحة أمام الفلسطينيين، لبناء أي أجسام مؤسّسيّة محليّة، تكون قادرة على مواجهة الهجمة الضارية، لاجتثاث كل ما هو فلسطيني في الضفة المحتلة وقطاع غزة.

إن أي طرف فلسطيني لا يرغب باستحضار الجميع إلى قاربه، ومجالسة كل القوى الوطنية على طاولة، أو مؤسسة، ربما يحتكرها فصيله الآن، سيكون بالتأكيد طرفًا خاسرًا في المرحلة المقبلة، فليس أمام الكل الفلسطيني فيما هو قادم إلا مواجهة الهجمة تلو الهجمة من قبل العدو الذي بات واضحًا في نيّته؛ تصفية كلّ ما تبقى من وجودٍ سياسي فلسطيني وبنى محليّة مرتبطة بهذا الوجود السياسي.