Menu

خاصبعد أحداث السابع من أكتوبر وتيرة الاستيطان الرعوي تتسارع

خاص الهدف

في سباق مع الزمن يسعى الاحتلال منذ عام 1948 لنهب الأرض الفلسطينية وبسط سيطرته عليها، عبر العديد من الوسائل والأساليب، وبطبيعة الحال تسخر كل الإمكانيات لتحقيق ذلك، ويقوم الاحتلال عبر قنوات رسمية وغير رسمية بتقديم الكثير من المحفزات للمستوطنين لتعميق السيطرة على الأرض، وفي سنوات التي تلت عام 1967 تحديداً برز أسلوب مصادرة الأراضي لصالح رعاة المستوطنات، وهو أسلوب قديم إلا أنه بدا يشهد تغيراً جوهرياً بعد أحداث السابع من أكتوبر تشرين الأول، إذ برز حجم الظاهرة بشكلٍ ملحوظ، ويُعد أسلوب الاستيطان الرعوي من أهم الوسائل التي يستخدمها الاحتلال لسرقة الأراضي الفلسطينية بمساحات عالية وبتكاليف أقل.

تُعتبر حركة "أمانا" المتطرفة هي أحد الحركات التي تسعى وراء إقامة البؤر الاستيطانية الرعوية، وإلى جانبها تلعب جماعة "فتية التلال" دوراً محورياً في إقامة هذه البؤر، حيثُ تبدأ المستوطنة الرعوية بأن يقوم المستوطن بإحضار ماشيته ويختار موقعاً قريباً من مصادر المياه ليقوم ببناء حظيرته، وبالتالي يسيطر على المكان ويستغل المراعي المحيطة بعه لمواشيه، وبعد ذلك تبدأ فصول طرد الرعاة الفلسطينيين من المنطقة بالقوة، وبطبيعة الحال يبدأ الاحتلال بتوفير الآمن والدعم المالي لإقامة البنى التحتية لهذه البؤر، وغالباً ما تبتلع هذه البؤر آلاف من الدونمات من حقول المزارعين، وفي هذا الصدد تؤكد بيانات رسمية فلسطينية أن الاحتلال صدر 50 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية خلال العام 2023 مقارنة ب 22 ألفاً في العام 2022.

وفقاً لتقرير "رعاة في مراعي غيرهم" لمنظمة "ييشن دين" في أيار2022: إن مزارع المَواشي تشكل أداة بيد إسرائيل لإحداث تغيير كبير وبعيد الأمد على خارطة الاستيطان الإسرائيليّة في الأراضي المحتلة، وتلحق هذه السياسة الإسرائيليّة انتهاكاً واضحاً وجسيماً لحقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيين في الضفة الغربية، وتؤدي إلى عمليات طرد على خلفية إثنية، وسلب أراضي الكثير من الجماعات الفلسطيني، وفي هذا السياق يقول سكرتير الحركة الاستيطانية المتطرفة "أمانا/ زئيف حفير": "المزارع الاستيطانية الرعوية وسيلة أكثر نجاعة من البؤر التي تعتمد البناء الاستيطاني التقليدي؛ فبعد مضي 50 سنة استطعنا السيطرة على 100 كيلو متر مربع من مساحة الضفة الغربية، بينما سيطرت المزارع الرعوية الاستيطانية في فترة قصيرة على أكثر من ضعف هذه المساحة".

بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول أصبحت الاعتداءات نوعية ومتسارعة في الضفة الغربية، يرافقها سياسات واجراءات تقوم بها حكومة الاحتلال تدعم عنف المستوطنين في ظل الحرب الدائرة في قطاع غزة، وقد كشفت تقارير صدرت عن منظمة "السلام الآن الإسرائيلية" عن تصاعد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، فضلاً عن ذلك نشرت منظمة "بيتسيلم" مقاطع مصورة تُظهر هجمات مستوطنين مسلحين على تجمعات فلسطينية، ولكن اللافت في الشريط هو رعاية جيش الاحتلال للمستوطنين أثناء تدميرهم للمراعي التي تعود للفلسطينيين، وسرقة المواشي والمعدات الزراعية، وتؤكد منظمة "بيتسيلم" أن رعاية جيش الاحتلال لعنف المستوطنين هو جزء من سياسة حكومية لتشجيع لعنف، وأكثر المشاركة فيه.

في سياق متصل منذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول قام الاحتلال بتقطيع أوصال الضفة الغربية، بالإضافة إلى حصار شامل يطبق على مدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية بحجة حماية المستوطنين تحديداً خلالهم تنقلهم عبر الطرق الالتفافية، وبطبيعة الحال منعت قوات الاحتلال الفلسطينيين من الاقتراب من المستوطنات، والحد من سفرهم عبر الطرق، أما فيما يخص الطرق "الترابية" أو البديلة يستمر المستوطنون بهاجمة الفلسطينيين المسافرين عبر هذه الطرق، وعلى سبيل المثال لا الحصر هاجم قطعان المستوطنين يوم الاحد الموافق 25 مارس/آذار 2024 مركبات المواطنين المتوجه من بلدة بيت أمر إلى مدينة الخليل عبر طريق ما تعرف بطريق جالا.

وقد منعت ما تعرف بالإدارة المدنية "الإسرائيلية" المزارعين الفلسطينيين في بلدة بيت أمر_ شمال مدينة الخليل المحتلة_ من التوجه إلى العمل في أراضيهم القريبة من مستوطنة "غوش عتصيون/ شمال بلدة بيت أمر"، وهاجم المستوطنون المزارعين وتمت مصادرة المعدات الزراعية من قبل ما يُسمى "حارس المستوطنة"، وإذا جاز لي كمعد لهذا التقرير أن أتحدث عما شاهدته في هذا الصدد: "توجهت مع السيد "إبراهيم بريغيث" للعمل في أرضه القريبة من مستوطنة "غوش عتصيون" وبعد أقل من ساعة جاء "حارس المستوطنة" برفقة جيش الاحتلال، وقاموا باحتجازنا، ومن ثم طردنا من الأرض، وقالوا لنا أنه يجب عدم العودة إلى الأرض بتاتاً حتى انتهاء الحرب، وإذا عدنا ربما يقوم المستوطنين بقتلنا، أو ربما يتم اعتقالنا في المرات القادمة".

وقد توجهت مجموعة من المزارعين من بلدة بيت أمر لعقد لقاء مع ضباط من "الإدارة المدنية الإسرائيلية" بعد مصادرة جيش الاحتلال أراضي بحجة إقامة "برج عسكري"، وخلال النقاش قال الحاكم العسكري لمنطقة "غوش عتصيون": " عليكم أولاً التنسيق عند القدوم إلى الأرض مع الجيش، ويُمنع العمل إلا في الأراضي البعيدة 500 متر عن حدود المستوطنة"، أما بخصوص الأرض المصادرة فهي لمصالح أمنية وسوف نقوم بإزالة البرج بعد الحرب"، وبطبيعة الحال يُدرك مزارعين بلدة بيت أمر أن الأرض قد تمت مصادرتها حتى ما بعد الحرب، حيثُ الحرب ليست إلا حجة للمصادرة التي كان يسعى لها الاحتلال، خصوصاً أن المزارعين في بلدة بيت أمر قد شاهدوا كيف يستولي المستوطنين على الأراضي برعاية جيش الاحتلال، إذ قام المستوطنين بوضع الأعلام " الإسرائيلية" على الأراضي بالقرب من مستوطنة "غوش عتصيون"، وقاموا بتهديد المزارعين بالقتل، وأكثر من ذلك قام المستوطنون بتشييد مراعي على هذه الأراضي، ووضعوا بداخلها ماشيتهم،  بالإضافة إلى أن جيش الاحتلال قام بتدمير قطعة الأرض الخاصة بالأسير المحرر "علي عياد عوض"، وفي هذا الصدد يقول عوض: " أول مرة بقوموا بهدم بئر مياه وتدمير الأرض، قبل الحرب ما كانوا يحكوا معي"، وأضاف عوض: " مش راح أخاف، وراح أروح على الأرض".

أما المزارع "سمير صليبي" والذي توجه إلى أرضه القريبة من مستوطنة "كرمي تسور/ جنوب بلدة بيت أمر" للعمل فيها يقول في هذا المضمار: قام جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص عليا ونجوت من الموت بأعجوبة، وأكمل المزارع صليبي في تعليقه على هذا الحادث يقول: " أنا أعمل منذ سنوات في هذه الأرض، وحارس المستوطنة والجيش يعرفوني، ولكن بعد الحرب اختلفت المعادلة، حتى المستوطنين صاروا زي الوحوش"، وفي ذات الصدد يقوم المستوطنين برعاية "حارس المستوطنة"  بهاجمة المزارعين ومنعهم من العمل في أراضيهم ومصادرة المحاصيل والمعدات الزراعية، لا سيما أن المزارعين الفلسطينيين يواجهون صعوبة بالإساس في الوصول إلى أراضيهم بعد أن قام جيش الاحتلال بإغلاق الطرق، وفي هذا الصدد يقول السيد "محمد عابده" من بلدة الخضر/ غرب مدينة بيت لحم: " قبل الحرب كانت الطريق توخذ 5 دقائق، ولكن بعد الحرب صار بدها 3 ساعات أقل شيء، وطبعا هذا الأمر مرهق جسدياً ونفسياً، والأهم التأثير على المحصول، وكمان فيه مشكلة اقتصادية بتواجه كل المزارعين في بيع محاصيلهم، وطبعاً السلطة عاجزة أنها تعمل شيء كعادتها"، وفي هذا الصدد يؤكد مدير دائرة التوثيق في هيئة الجدار والاستيطان "أمير داوود" أن الاحتلال منع المزارعين الفلسطينيين من التوجه إلى نحو 134 ألف دونم من الأراضي الزراعية القريبة من المستوطنات لقطف ثمار الزيتون هذا العام، بالإضافة إلى 295 ألف دونم من الأراضي الواقعة خلف الجدار الفاصل.

ويؤكد مراقبين ومحللين أن هجمات المستوطنين، وزيادة الاستيطان ما بعد الحرب هي نوعية وغير مسبوقة على التجمعات الفلسطينية، وفي ذات السياق تقول صحيفة "الأندبندنت" البريطانية أن نسبة الاعتداءات من قبل المستوطنين قد زادت في هذا العام 60% مقارنة بعام 2020، ومعظم هذه الاعتداءات تتم بصمت، وباهتمام اعلامي اقل، وبدون محاسبة المعتدين الخارجين حتى عن القانون "الإسرائيلي" نفسه، ذلك بأنه لم تُسجل ضدهم أي إدانات تُذكر على مر الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بتواطؤ الجهاز القضائي الإسرائيلي المتمثل في جهاز التحقيقات، والمحاكم الإسرائيلية، وعلى رأسها محكمة العدل العليا التي امتنعت من انصاف الضحايا الفلسطينيين وتوفير الحماية لهم، وبطبيعة الحال هذا ما يتوافق مع ما نشرته منظمة " ييش دين الإسرائيلية" أن 3% من آلاف الاعتداءات التي نفذها المستوطنون انتهت بإدانة المعتدين، بينما أُغلقت الملفات الأخرى بحجة عدم كفاية الأدلة.

يُشار إلى أنه بسبب العنف الذي يُمارسه المستوطنون في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول قد نزح 198 أسرة فلسطينية، من نحو 15 تجمعاً رعوياً بدوياً، بواقع 1208 شخص، بينهم 586 طفلاً، ويضاف إلى ذلك أن 10 شهداء ارتقوا برصاص المستوطنين في الضفة الغربية، وفي سياق منفصل تقول منظمة "السلام الآن الإسرائيلية": قد تم بناء 9 بؤر استيطانية جديدة خلال نحو 3 أشهر من الحرب، بالإضافة إلى 18 طريقا غير شرعيا، موضحة أن جزء كبير من البؤر والطرق أقيمت على أراضي فلسطينية خاصة.

من زاوية أخرى يؤكد معظم المراقبين للمشهد أن الاحتلال يستفرد في الضفة الغربية، وهذا ما يجعل المستوطنين يعربدون بشكل صارخ، وأكثر من ذلك يقوم المستوطنون بزيادة وتيرة الاستيطان الرعوي، وسرقة الاراضي، وهذا بدوره يعمل على تفتيت حل الدولتين، حيثُ الأخير بات غير قابل للتطبيق، وفي هذا الصدد يقول الناشط "موسى أبو هشهش: " إن الحديث المتزايد عن حلول سياسية، كحل الدولتين بعد انتهاء الحرب، لا يتفق مع منطق الأحداث الجارية والهادفة ليس فقط إلى الرد على هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، بل أيضاً إلى تصفية القضية الفلسطينية بتهجير السكان تحت شعار غزة أولاً"، وفي سياق متصل تؤكد منظمة "السلام الآن" أن إسرائيل تستغل العدوان على غزة لتثبيت الوقائع على الأرض والسيطرة بشكل فعال على مناطق واسعة في المنطقة (ج)، حيث يتم بناء الطرق والمستوطنات مع تجاهل الوضع القانوني للأرض.

يُذكر أنه منذ معركة طوفان الأقصى اتخذ وزراء داخل حكومة الاحتلال وعلى رأسهم ما يُسمى وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" خطة توزيع السلاح على المستوطنين، وهذه الخطة دفعت المستوطنين لزيادة اعتداءاتهم ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاتهم، بالإضافة إلى خطة المناطق العازلة في محيط مستوطنات ما يُعرف بغلاف غزة، وهذه الخطة يقف خلفها الوزير المتطرف "بتسلئيل سموتريتش"، فضلاً عن ذلك تهديد قطاع غزة بالقنبلة النووية، وأكثر إعادة احتلال قطاع غزة وبناء المستوطنات من جديد.