Menu

الانتفاضة طريقٌ وحيدٌ للوحدة والتحرير

محمود الراس

الانتفاضة

منذ اليوم الأول لانتفاضة الشباب الفلسطيني عكفت السلطة على تفكيك زخم الانتفاضة والفعل الثوري لشبابها، تارةً بمحاولاتها المحمومة على إبقاءها عبر التوصيف بـ "الهبّة الشعبية"، واجتهد الكثيرين من كتبة السلطان إنكار كل شرط أو حالة تؤكد على أننا أمام انتفاضة بكل ما تعنيه الكلمة، وتارةً أخرى بالأسباب التي دفعت الجماهير الفلسطينية وتحديداً الشباب كرأس حربة لهذه الانتفاضة بالإفقار الذي يتعرّض له الشباب، وأخرى بالظلم واليتم الذي يشعر به شباب القدس ، وأخرى بخصوصية وتداخل الأحياء في مدينة الخليل، متناسين بأن الشباب الفلسطيني انتفض ومن خلفه كل الشعب الفلسطيني، بعد أن غسل يديه من نظام سياسي فلسطيني فشل وبامتياز عن تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، حتى لو بالحفاظ على الوجود الفلسطيني، وصولاً لتجرّؤ قطعان المستوطنين على بيوت الآمنين وأطفالهم، حتى بات الحرق عادة، والقتل تقليد، فكان محمد خضير لتلحق به عائلة الدوابشة، وتدنيس شبه يومي للمقدسات الإسلامية والمسيحية.

فيما أجهزت السلطة على كل حالة منظّمة ممكن لها أن تتصدى لاعتداءات تلك المليشيات، رعت الحكومة الصهيونية جماعات الجريمة المنظّمة من جماعة "تدفيع الثمن" وليس انتهاءً بمخابيل المدارس التوراتية، فشل تبعه فشل، ليصل الحال لحالة من الانقسام والتشرذم واكتفاء هذا النظام سواء عبر منظمة التحرير أو المجلس التشريعي بإدارة هذه الحالة، وارتضت بأن تكون رهينة لعشاق السلطة وأمراءها.

لم تكف هذه السلطة يوماً عن رهانها وعملت بكل جهد على تفكيك زخم الانتفاضة وعزل الفعل المقاوم وحصره بشرائح محددة، أو مدن ومخيمات وأرياف محددة، كانت على الدوام تجهض كل محاولة هادفة لبناء قيادة وطنية موحدة تكون قادرة على تطوير وتصعيد الانتفاضة وتوفير الحاضنة الجماهيرية والسياسية والاقتصادية للشباب الثائر، تشوّش المشهد العام سواء بالمناكفات السياسية أو بفتح المعارك الداخلية بهدف حرف الأنظار عن إقدام وإصرار الشباب الثائر، والذين أكدوا مراراً بأن الموت أهون من القبول بذل الاتفاقات وذل التنسيق الأمني والانقسام، فكان فعلهم ولا زال، هادفاً رشيداً بعدما فقد النظام السياسي الفلسطيني رشده وشرعيته، فاكتفى الشباب الفلسطيني بالرفعة والنبل، حالمين بمستقبل واعد، دافعين بأرواحهم ودمائهم الطريق نحو الوحدة والتحرير، بينما بقي النظام السياسي الفلسطيني يخوض معاركه الدموية حول السلطة ومغانمها، حاول كل طرف من أطراف هذا النظام البائس والفاشل تمزيق عزم الانتفاضة وشبابها.

لعلّنا نذكر لجنة استعادة جثامين الشهداء وما تعرضت له من محاولات للاحتواء والإجهاض والالتفاف من قبل السلطة، وفي مقدمتها كانت قوات الارتباط، الحيل السلطوية لم تنتهِ بعد، فهذه الحيل الهادف لإجهاض الانتفاضة وتشتيتها خشية الانتقال بالانتفاضة للثورة المسلحة ضد الاحتلال، والتي أصبحت قاب قوسين أو أدنى، ممكن لها أن تنهي السلطة وتعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس وطنية ديمقراطية مقاومة وجامعة لشعبنا وقواه السياسية والاجتماعية، لا يمكن أن يتحقق دون الخلاص من سلطة أوسلو ودورها الوظيفي والطبقي الراعي لمصالح الإمبريالية والرجعية العربية، وبدون ذلك لن تصبح سيول الأقوال والأفعال ثورة، ولن تصبح الثورة مقدمة للنهضة والتحرير والعودة، فهذه السلطة التي حكم تحت مظلّة الواقعية الحاكمون ونهب من خلاله الناهبون كيان سياسي واقتصادي، زاد من خلاله سطوة البلطجية وأصحاب المصالح، وكانت أداة رئيسية لإفساد الوعي السياسي الفلسطيني تارةً بالنزاعات الحزبية، أو الفئوية الضيقة، أو بالهبات والعطاءات المشروطة والمسمومة، التي لم يجني شعبنا منها سوى التفتيت وفقدان الأمن الاجتماعي والاقتصادي، عطّل العقل الجمعي الفلسطيني ومزّق عزمه، لا يمكن لها أن تكون أداة للوحدة والتحرير، وحدها الطريق الذي خطه الشباب المنتفض طريقاً لذلك.

فهل تخرج القوى الوطنية والإسلامية من حالة التلكؤ العام تجاه الانتفاضة وشبابها وتحسم الأمور العالقة؟ تستنسخ الدرس الذي رسخه الشباب بتحويل الأدوات البسيطة لأسلحة تفتك برقاب المحتلة وأمنه، وتعطي المثل بالملكية العامة لسلاح المقاومة.

المطلوب اليوم أن تعيد هذه القوى بناء مقوّمات الصمود للمجتمع الفلسطيني بعدما جرفتها سلطة أوسلو وسنوات الصراع عليها، أن تستنسخ تجربة الثورة الجزائرية ويصبح السلاح ملك لكل مواطن يتقدّم صفوف المقاومة بغض النظر عن توجهاته الفكرية، وجنسه أو دينه، مطلوب أن تُخرِج القوى الحيّة الفلسطينية من الصف الوطني كل من يعادي الانتفاضة أو يحاول الالتفاف عليها، مطلوب أن نبدأ البناء لنظام سياسي يستجيب لتضحيات الشباب وتطلعاته.