عندما يبدأ الحديث عن غزّة، تتوالى صور الحرب ومشاهد الدمار و المُناشدات التي تعلو؛ طلباً للإغاثة من آلاف الأزمات الإنسانيّة.
في الجانب الآخر من هذا المربّع الصغير من العالم، والذي بالكاد يشغل مساحته الصغيرة على الخارطة، تجد 22 شاباً يداعبون الجدران الممزّقة، ويقفزون على ارتفاعات شاهقة نسبيّاً، فوق المباني المدمّرة، لتتغلّب الإرادة المُسالمة على وجع الحرب.
هؤلاء الشبّان هم لاعبي فرقة "الأكاديمية الدولية للباركور"، ومن يعرف غزّة جيّداً، يُدرك على الفور أن لفظ "الأكاديمية الدولية" هي مجرّد وصف، أو على الأقل هو أمرٌ، يتمنّاه لاعبو الفرقة.
و بالمختصر، فإنّ الباركور، عبارة عن مجموعة حركات يكون الغرض منها الانتقال من نقطة إلى نقطة بأكبر قدر ممكن من السرعة و السلاسة، والسلامة، وذلك باستخدام القدرات البدنية والفكرية.
اخترعها الفرنسي ديفيد بيل، عام 2002، وهي مُشتقّة من اسم لنوع تدريب عسكري، يمارسه الجيش الفرنسي، مع استبدل حرف من الكلمة لتسهيل اللفظ.
و الباركور، هي رياضة تُمارس كطريقة جديدة و مختلفة لتخطي العقبات و الموانع , التي يمكن أن تكون صخور أو قضبان حديدية أو جدران
يقول محمد لبّد، 25 عاماً، وهو مُدرب الباركور في الأكاديميّة: "أنشأنا الفرقة منذ 8 سنوات، وهي مُكوّنة من 22 لاعباً ما بين 13-25 عاماً، أقوم بتدريبهم على هذه الرياضة، وممارسة حركاتها المختلفة والتي تتّسم بالخطورة والصعوبة".
ويُضيف لبّد: "الباركور هي رياضة مُستحدثة، و تعتمد بشكل أساسي على اللياقة البدنيّة للّاعب، ويأتي غالبية الشباب للنادي، مابين هواة دفعهم الفضول لتعلّم هذه الرياضة الجديدة، و رياضيّين محترفين في نوع آخر من الرياضات"
وحول مُسمّى "الأكاديمية الدولية" الذي قرّر لبد إطلاقه على النادي، فيقول لنا المدرّب: "الإسم لفت انتباه رياضيين ومدرّبي باركور على مستوى العالم، وعمل على إثارة فضولهم ليزوروا قطاع غزّة، ويتعرّفوا على هذا الأكاديميّة".
وهُنا تحدّث محمّد عن الهدف الأساسي من إنشاء الأكاديمية، وهي أن تُوصل للعالم أجمع، "صوت السلام في غزّة، ليُدرك أن فيها من يحترفون التنقيب عن الحياة الآمنة المُسالمة والحب، حتى لو كان بين حُطام الدمار الذي تُخلّفه آلة الحرب"
وأضاف: "عن طريق هذا النادي، سيعرف العالم أين غزة ، وما هي غزة، وما الذي يحدث فيها، ومن هم هؤلاء اللاعبين؟.. ونحن اتّخذنا على عاتقنا أن نكون واجهة البلد الباحثة عن الحرية والسلام ، لا العنف والدمار".
لذا فنحن نقفز ونلعب الباركور، في أماكن مُدمّرة، أماكن عاشت الوجع، ومرّت عليها آلة القتل؛ كي ندفع العالم لرؤية هذه الأماكن والمشاهد بصورة أخرى، صورة السلام الذي يُولد من تحت الرّكام"
ويُكمل لبّد: "قد تكون رياضتنا عنيفة، لكنها تُشعرنا بالحرية، و تعزز فينا شغف الحياة، وحين نُمارسها، لا نشعر بالخطر"
وحول الصعوبات التي تُواجه النادي، تحدّث لبّد حول ضعف الإمكانيّات، وعدم توفّر وسائل الأمان التي من شأنها الحفاظ على سلامة اللاعبين أثناء ممارستهم لحركات الباركور الخطيرة.
وقال لبّد: قُمنا باستئجار قاعة واسعةً نوعاً ما، منذ 9 أشهر، وحاولنا تجهيزها ببعض الأدوات والألواح اللازمة لممارسة الباركور، لكن نعاني من ضعف كمي ونوعي في هذه الأدوات، كما لم تدعمنا الجهات الرسمية بعد، والمُتمثّلة بوزارة الشباب والرياضة".
و أشار لبّد إلى أن الفرقة بعثت بطلبات عدّة، للوزارة، لإطلاعها على ما يُمارسونه وما يهدفون إليه، لكن جميعها أُهملت، لأسباب تتلخّص في أن "الوزارة بغزة لم تعُد تملك زمام أمور القطاع، والأمر هو من مهام حكومة التوافق، وأسباب أخرى"، حسب ردّ الوزارة على طلبات الفرقة بتبنّي مشروعها ودعمه.