Menu

تحوّل «النهضة» إلى حزب مدني

د.فايز رشيد

أعلنت «حركة النهضة الإسلامية» التونسية، رسمياً، خلال مؤتمرها العاشر «الفصل بين الديني والسياسي» والتحول إلى «حزب مدني». وكانت النهضة برئاسة راشد الغنوشي فازت بأول انتخابات في تونس بعد إطاحة نظام زين العابدين بن علي عام 2011 . وقادت حركة النهضة من نهاية 2011 حتى مطلع 2014 حكومة «الترويكا»، وهي التحالف الثلاثي الذي ضم معها حزبين علمانيين، هما «التكتل» و«المؤتمر من أجل الجمهورية»، واضطرت «الترويكا» بعد ذلك إلى ترك السلطة لحكومة غير حزبية.  وفي عام 2014 خسرت النهضة في الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزب «نداء تونس» الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي في عام 2012، بهدف الوقوف بوجه الإسلاميين وخلق توازن سياسي مع حركة النهضة. وبعد الانتخابات، شكل «نداء تونس» و«النهضة»، إضافة إلى حزبين آخرين ائتلافاً حكومياً رباعياً.

لقد أوضح ناطق رسمي باسم «النهضة» وهو حمزة المؤدب، بعد هذا المؤتمر، «لن تكون هناك حركة النهضة التي بنيت في السابق على نموذج الإخوان المسلمين، مع وجود نشاط كبير في العمل الاجتماعي والتربوي والخيري والديني والسياسي. لن يكون هناك إلا حزب النهضة، الحزب الذي يريد أن يكون مدنياً وديمقراطياً مع الحفاظ على المرجعية الإسلامية». وقبل عشرة أيام أعلن زعيم الحركة راشد الغنوشي، على هامش اجتماع مجلس شورى الحركة «أن حركة النهضة متجددة»، وأن الحزب العتيد «سيتفرغ للعمل السياسي ويتخصص في الإصلاح انطلاقاً من الدولة، ويترك المجالات للمجتمع المدني كافة».

السؤال البديهي: لماذا هذا التحول، وبالتالي يندلع الجدل كبيراً في عموم الحركات السياسية، سواء في تونس أو في العالم العربي، بخاصة لدى حركات الإسلام السياسي، وهل يمكن فعلياً حدوث الطلاق بين النهضة والحزب العالمي للإخوان؟

بداية، فإن التحول يعني تخلي النهضة عن فكرة تغيير المجتمع بالقوة والعنف، والأسلمة القسرية للشعب وفق رؤية عامة، وقواعد تطبيق يحدّدها الحزب العالمي للإخوان، بالرغم من أن الأغلبية العظمى من العرب هم مسلمون، ولكن ليس بالمفهوم الإخواني، وفقاً لما نظّر له وكتب عنه حسن البنا، وسيد قطب، ومحمد بديع، وخيرت الشاطر، وغيرهم. 

ولو توقفنا عند تصريحات رئيس مجلس شورى الحركة فتحي العيادي، مباشرة بعد اجتماع المجلس مؤخراً، وقوله «إن الفصل بين الدعوي والسياسي، لا يعني بالضرورة أن الحزب سيتحول عن هويته الإسلامية، إلى فضاء آخر ومساحة أخرى»، كأن الحركة ستصبح علمانية. نحن إذاً أمام تكتيك سياسي جديد، وليس تحولاً حقيقياً في خطوة تاريخية لحركة النهضة، وإن التحول لايعدو كونه توزيع أدوار، حيث يكون للحركة جناحان، واحد يتقمص دور السياسي، فيما الجناح الآخر سيواصل العمل وفق النهج الدعوي الإخواني، في خضوع تام للحزب العالمي للإخوان.

لكل ذلك، حذرت قوى سياسية وحزبية تونسية فاعلة وذات تأثير، من الوقوع في وهم تحول النهضة، أو أن الحركة جادة وصادقة في ما أعلنته. وقد وصف البعض هذه الخطوة بأنها «خطة ذكية لاتخلو من الدهاء السياسي، إذ ستمكّن النهضة عن عدم التخلي عن مرجعيتها من جهة، وتعزز موقعها من جهة أخرى، عبر تركيز واجهة سياسية ب«الخلفية العقائدية» التي تبنتها منذ عام 1991. فيما قال آخرون: إن هوية النهضة هي «هوية دينية ليست هوية مدنية»، لا يمكنها التجرد منها بقرار يتخذه المؤتمر لتتحول إلى هوية سياسية مدنية. لكل ذلك، لا تثق معظم الأوساط السياسية والإعلامية التونسية بتحول «النهضة» إلى حزب مدني. فقد علّق موقع «حقائق أونلاين» التونسي قائلاً: «ينظر المتابعون للشأن السياسي إلى هذا المؤتمر بنوع من الشّغف والرّيبة في آن واحد. الشّغف بسبب معسول الكلام الذي يروِّجه قادتها في الصحف وفي كل البرامج التلفزيونية والإذاعيّة، والرّيبة بالنظر إلى تاريخ الحركة المتلوّن بتلوّن الظروف السياسيّة والأوضاع الإقليميّة».

تبقى الحقيقة الأهم، هي أن تحول حزب من نمط إلى آخر يحتاج عشرات السنين، ولن يتم بكبسة زر، مثلما يدّعي راشد الغنوشي.