Menu

سلاح داعش الأخير

تفجير كرادة

غزة- خاص لبوابة الهدف

جاءت موجة الهجمات الدموية الحالية لتستهدف مدن الشرق الاوسط، لتفاجئ الكثيرين بتجاوزها لكل ما ظن انها خطوط حمراء، أو حواجز سياسية وايديولوجية، فالمسجد النبوي في المدينة المنورة كان أحد هذه الاهداف، وكذلك مطار اسطنبول.

الهجمات الحالية أطلقت العنان للمحللين ليُعيدوا تقديم تفسيرات تتلاءم مع مواقفهم السياسية، وبشكل يتماهى حتى مع ما يعتبرونه أرضية عقائدية وايديولوجية مشتركة تجمعهم مع من يقف وراء هذه الهجمات الدموية، لينبري وليد الطبطبائي النائب الإسلامي السابق في مجلس الأمة الكويت ي مطالباً المنفذين باستهداف طهران ومستهجناً عدم مراعاتهم لحرمة الأماكن الإسلامية المقدسة.

آخرون من المحللين الدائرين بالفلك الخليجي ذاته- بعضهم يصنف ذاته خارج فلك الإسلام السياسي- استهجنوا أي تفسير لهذه الهجمات خصوصاً تلك التي طالت السعودية وتركيا بانها انقلاب من الإرهابيين على رعاتهم، أو انقلاب للسحر على الساحر.

بعيداً عن محاولات الكتبة الممولين خليجياً لتجاوز صدمتهم، فإن هذا السعار الداعشي كان متوقعاً وعلى صفحات هذا الموقع "بوابة الهدف" سبق تسجيل تحذيرات عدة من محللين وخبراء وقوى سياسية، بأن الرهان على التحريض الطائفي وتسليح ودعم عصابات القتل ستطال نيرانه المنطقة بأكملها ولن يبقى شبر في منأى عنه.

ما الذي تفعله داعش؟

 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان من الواضح أن السلاح النووي الذي استخدمته الولايات المتحدة ضد اليابان في هيروشيما ونجازاكي قادر على إلحاق الدمار والهزيمة بأي من خصومها أو منافسيها، هذا دفع العديد من دول العالم وأولها الاتحاد السوفياتي لتطوير وامتلاك الأسلحة النووية لردع الولايات المتحدة عن تدميرها.

بالتأكيد داعش لا يمتلك سلاح نووي وان كان من شبه المؤكد أنه يحوز أسلحة كيماوية، وكأي قوة في هذا العالم يحتفظ داعش بسلاح وأدوات خاصة لردع خصومه عن تدميره، وكذلك لمنع حلفائه من التخلي عنه او الانتقال لصف المحاربين له، ومع بداية فقدانه للسيطرة على الأرض والمدن التي احتلّها، وتخلّي معظم حلفائه عنه، فإنه اليوم يدرك كونه يخوض معاركه الأخيرة.

موجات الهجمات الانتحارية ضد الأهداف المدنية وغيرها هو السلاح الوحيد المتاح لداعش، وإذا رأينا هذه الهجمات بالأحزمة الناسفة والبنادق فإنه من غير المستبعد أن نراها في قادم الأيام بالأسلحة الكيماوية أو سواها من الأدوات غير التقليدية التي استطاع التنظيم الحصول عليها في سوريا والعراق، وأشارت تقارير دولية لاستخدام التنظيم هذه الأسلحة ضد خصومه في سوريا في عدة مواقع.

هذا هو السيناريو الذي يبدو ان على المنطقة ان تستعد له، سيناريو يقول ببساطة ان الوحش قد خرج تماماً عن السيطرة منذ مدة، ولا يرغب بالعودة إليها تماماً كما يرفض السماح بمحوه بسهولة.

لماذا يهاجم التنظيم من يشبهه؟

لا يوجد فارق عقائدي بين ما يطرحه التنظيم من مقولات وبين تلك التي قام عليها الحكم في السعودية، وكذلك لا يمكن إنكار أن داعش وبقية اخواته من التنظيمات التكفيرية قام على ذات القواعد المبنية على نفي الآخر وتكفيره واستباحة دمه، تلك هي القواعد التي أرستها الدعوة الوهابية واستفاد منها أمراء ممالك النفط المختلفة في إرساء حكمهم، وفي استعداء شعوب المنطقة بعضها على بعض.

ذات التحريض استُخدم لتجنيد المقاتلين في كل حروب الوكالة التي خاضتها هذه النظم في المنطقة، مع إدراك كامل للمخاطر المرتبطة بخروج هذا الوحش عن السيطرة فالتحريض الطائفي المنفلت الذي تمارسه هذه القوى يتناقض تماماً مع تحالفاتها مع القوى الغربية (الكافرة) من وجهة نظر الدعاية الطائفية ذاتها، ولكن هذه المخاطر تبدو محتملة لمن لا يرغب ولا يستطيع ان يخوض حروبه بنفسه.

بالنسبة لداعش فإن المدنيين الذين قتل المئات منهم بالأمس في الكرادة يستحقون الذبح إما لأنهم روافض أو مرتدين، وفي ذات الأدبيات فإن ممالك الخليج حين تتولى عن نصرة هذا التنظيم، أو توقف دعمه تستحق العقاب من نفس النوع، وبالترجمة السياسية العلمانية لهذه الأدبيات فإن داعش متسق مع نفسه تماماً حين يهاجم الآلاف من المدنيين من مواطني هذه الدول، فهم حسب ذات المنظور إما مرتد يتبع حكومته، أو بريء سيبعث على نيته لو قتله التنظيم في هجماته، فلا قيمة للحياة هاهنا والقيمة الأساسية لذات الفكرة التي ينطلق منها الطرفين، داعش وأمراء ممالك التحريض الطائفي.

 

إلى أين؟

تنظيم داعش بكل ما يشكله من رعب الآن للجميع في هذه المنطقة سيندثر، فلا مكان له للبقاء والاستمرار خصوصاً أن دوره قد شارف على نهايته، لكن المدرسة ذاتها التي أخرجته ستواصل إخراج المزيد من وحوشها كلما احتاجت استخدامهم في حروبها.

في النسخة السابقة من داعش- أي تنظيم القاعدة- أمكن لمنتجي الوحش احتواء "الخسائر الجانبية" ببعض من العناء، فيما تبدو هذه الخسائر الجانبية في هذه المرة أكثر ألم وصعوبة، ولا أحد يعلم بخصوص النسخ المستقبلية التي سيتم تصديرها إلى أي حد سيكون علينا ان ننزف، هذا ناهيك عمّا سننزفه من اخوات داعش التي لا زالت تحظى بغطاء ودعم هذه النظم.

فيما ستواصل تلك الدول التي أسست لمثل داعش حضورها المقدّر في العالم والمنطقة، وستشهر بعد هذه التفجيرات شعارات الحرب على الإرهاب، وتتحدّث مطوّلاً عن الإرشاد الديني ودوره في توعية الشبان بالدين السليم، ذلك الدين الذي يقول انه بإمكانك ان تفجر الناس طالما ان هذا يؤاتي رغبة الرياض واسطنبول.

هنا لا نتكلم عن دول اختارت ان تحالف قوى متطرفة، ولكن عن مسار من التحريض ينتج هذه القوى المتطرفة التي تتماهى مع رغبات هذه الدول في العدوان على شعوب المنطقة، وان كان لهذه الشعوب ان ترى جزءًا من نتائج هذه الجريمة يصيب أصحابه، فإن هذا ليس سبباً كافياً للابتهاج، فحجم الخسائر التي تم إلحاقها بكل مكونات المنطقة، وحجم الدماء التي نزفت، وتلك التي ستنزف، تحتم البحث عن كل أداة تمكن الشعوب من هزيمة صناع هذه الكوارث كلها.