ماذا لو أن القذيفة الصاروخية التي أطلقت من مدينة غزة قبل أيام قد أحدثت قتلى، ماذا لو كانت إسرائيل قد أنهت استعداداتها على كافة الأصعدة لشن حرب جديدة على غزة، الجواب هو ان الدولة العبرية لن تكتفي برد واسع وسريع لكنه محدود، يحمل رسائل أكثر من أن يحمل شن حرب رابعة؟! سؤال الحرب على غزة، لا يكتنفه الغموض من حيث المبدأ، لكنه يتمحور حول «متى وكيف» ذلك ان الزمان يتحدد بعناصر عديدة، غامضة ومرتبكة ومحيّرة في آن، إذ أن الانتقال من حالة تهدئة مسيطر عليها نسبياً، إلى حالة حرب، يتطلب توفر عناصر عديدة، في طليعتها هدف كل طرف من الحرب القادمة، هذا الهدف مرتبط بشدة بمدى استعداد كل طرف لهذه الحرب، التي لن تكون وجودية لأي طرف من الطرفين، حماس وإسرائيل، لكنها بالتأكيد ستكون الأكثر ضراوة وإيلاماً من الحروب الثلاث السابقة.
لو أن الإجابة على التساؤل في مستهل حديثنا كان بالإيجاب، وحتى في حال عدم اكتمال عملية الاستعداد، الحربي والاستخباري، فإن مثل هذا الأمر قد يؤدي إلى مثل هذه الحرب، ذلك أن «الجبهة الداخلية» عند كل طرف، تستدعي وبالضرورة، رداً يتجاوز ردود الفعل المحسوبة بدقة، آليات الانزلاق نحو حرب، لا تحدّدها فقط إمكانيات الاستعداد لها، بل قد تخترق هذه الآليات من قبل توجهات الرأي العام من جهة، وضغوط ترتبط بالخارطة الإقليمية في المنطقة.
بالتأكيد، فإن قرار الحرب لدى الدولة العبرية، لا يصنعه فرد، بل المؤسسة السياسية ـ الأمنية إلاّ أن الانزلاق المتواتر والمتصاعد، قد يؤدي إلى مثل هذا القرار، حتى لو كان يتعارض مع بعض الحسابات، ثم ان مثل هذا القرار تتحكم فيه ردود فعل الطرف الآخر ومدى تأثيره على الطرف الآخر، إذ يصبح من غير الممكن في كثير من الحالات، السيطرة على مثل هذا الانزلاق، وهنا، فإن مثل هذا القرار لا يخضع دائماً للحسابات العقلانية الهادئة بل انه يظل أسير تداعيات الانزلاق أكثر من كونه استجابة لاستعدادات ونوايا.
كلا الطرفين، حماس وإسرائيل، اكّدا وما زالا يؤكّدان، أن لا مصلحة لهما في خوض حرب جديدة، إلاّ أن كليهما يستعدان لهذه الحرب الجديدة، وكأنها ستنشب غداً، الوضع الراهن الواقف على شعرة، يجعل من حديث الحرب هو الأبلغ والأعلى حتى أثناء الحديث عن هدنة أو تهدئة، كل منهما لا يرغب في الانجرار إلى حرب جديدة، في هذا الوقت، ويدعوان إلى عدم التصعيد وربما يلجآن إلى أطراف ضاغطة لهذا الغرض، إلاّ أن اليد على الزناد، وهي محصّلة ثلاث حروب سابقة، إذ ما كان بين تلك الحروب، هي حروب من نوع آخر تحت ظلال تهدئة أو هدنة، ظلت في اطار الحرب أو الاستعداد لها، أو محاولة ترميمها من جديد، فحتى الحديث عن إعادة الإعمار لما تدمر في قطاع غزة، يظل حديثاً عن الحرب، خاصة عندما تبرر الدول المانحة عدم الوفاء بالتزاماتها المالية نحو إعادة الإعمار، بأن هناك تخوفا من حرب جديدة، وبحيث يتم تدمير كل ما تم إعادة بنائه من جديد، هي آلة الحرب التي تظل تعمل حتى في أجواء مصطنعة من الهدوء المفتعل.
يختلف الطرفان، حماس وإسرائيل حول التوجه إلى مثل هذه الحرب، إلاّ أن العامل المشترك لديهما هو عامل واحد يتلخص في «الاحتلال» فهو السبب الأوّل والأخير لأي حرب، أو حروب قادمة، وبينما يعلم الطرفان، أن الحرب القادمة لن تكون نهاية المطاف، باعتبارها لا تشكل في النهاية، خطراً وجودياً على أي منهما، فإن الحرب تبدو وكأنها قدر لا فكاك منه، وخارج عن إرادة كليهما، فالحرب الجديدة هي مجرد فاتحة لحروب قادمة، حتى لو استقر «الانتصار» الأكثر وضوحاً لطرف من الطرفين، فالانتصار الناجز الذي يوقف هذه الحرب، هو نهاية طرف منهما، وهذا الأمر، ليس مستبعداً، بل مستحيل في ظلّ معطيات الراهن على الأقل! وطالما الأمر كذلك، فمن السهل الوصول إلى إجابة عن سؤال حول الحرب، بأن هناك حرباً قادمة، غير أن هذه الإجابة لا قيمة لها من الناحية التحليلية، ذلك أن أسهل الأمور في مثل هذه الأجواء، تبرير الحرب واندلاعها بطلقة خاطئة، أو صاروخ يفقد طريقه نحو قتلى، وهذا الأمر من السهل حدوثه، عندها قد تبدأ الحرب، ليس لصحة التحليل، ولكن لأن لزوجة الموقف أدت إلى ما ليس بالحسبان.
قرار الحرب، ليس هو الحرب ذاتها، قرار الحرب من أي طرف من الطرفين، حماس وإسرائيل، يعني أن يصل أي منهما إلى درجة من الاستعداد الكامل على مختلف الأوجه إلى المستوى الذي يدفع به إلى هذه الحرب، هنا يكون قرار الحرب الناضج الواعي، ولن تكون هناك حاجة إلى مبرر، لكن الحرب ذاتها قد تتجاوز هذا القرار الواعي، إلى قرار يعتمد على ردود الفعل، ويتوجب الانزلاق إلى حرب لا يريدها أي طرف، إلاّ أنها تحدث، هنا نتحدث عن تكتيكات، بينما في حالة قرار الحرب، فإننا نتحدث عن آفاق استراتيجية.
إذن..سؤال الحرب سيبقى قائماً، وأرى أنه السؤال المطروح دائماً، حتى أثناء الحرب، فهناك سؤال حول متى ستنشب الحرب القادمة!!